ليس لدى الفقراء المحشورين فى مطحنة المجتمع ترفُ الخوض فى مجادلات حول مسائل عديدة، أو حتى التفكير فيها، رغم أنها تشغل غيرَهم وتأخذ من طاقتهم ووقتهم الكثير، مثل حق المرأة فى العمل، ومثل اختلاطها بالرجال من غير محارمها، ومثل الأخذ برأيها فى أمور الأسرة..إلخ! لأن الحياة العسيرة وندرة الاختيارات تجبرهم على اللجوء مباشرة لما يعينهم على استمرار التنفس، وعلى التجنب التلقائى لما يزيد من معاناتهم. ولكن، وللأسف، فإن سلوكهم، الذى يبدو وكأنه أكثر تطوراً، والذى لا ينطلق من اختيارات واعية، يحمل تناقضات كثيرة، لأن حياة الفقر المدقع، وهذه من غرائب الطبيعة، قد تنتج الشىء ونقيضه، وأنهما يتجاوران معاً، وكأنما يدعم أحدهما الآخر! فتجد المرأة على العموم أكثر إحساساً بالمسئولية تجاه أسرتها، وأنها تكدّ فى أعمال مضنية وتخترع الحلول اختراعاً لتلبية احتياجات الحد الأدنى، رغم ندرة الفرص وشُحّ النتائج، ثم تقوم بمسئولية البيت فى الطهو والتنظيف وتربية الأطفال..إلخ! ولكن، وفى الوقت نفسه، هناك بعض رجال خاملين يزيدون الأعباء على المرأة بدلاً من أن يقوموا بدورهم فى المسئولية، بل إنهم يثقلون عليها بأحمال أخرى لتوفير احتياجاتهم الشخصية، مثل السجائر والكيوف، ويمكن أن يتطاولوا عليها بالسباب والضرب، أحياناً لمجرد إثبات الفحولة! وليس للمرأة، فى حالات كثيرة، سوى أن تصمت وأن تتحمل، من أجل أن تسير المركب! فى هذه البيئة، تعمل المرأة فى وظائف شاقة تتطلب العضلات، مثل أعمال البناء، وفى أعمال خطرة، مثل المدابغ، وفى أعمال أخرى يترفع عليها هؤلاء الرجال، مثل جمع القمامة، وقد تنفرد برجال أغراب، فى مثل العمل فى المنازل..إلخ. ومن المعضلات الاجتماعية، أنه إذا حدث استثناء تاريخى انتشل بعض هؤلاء من تراجيديا البؤس، فإنهم لا يُصلِحون مثل هذه الأعطاب، وإنما يحاكون الأنماط التى انتقلوا إليها، والتى تُولِى أكبر الاهتمام بتحريم وتأثيم نشاطات المرأة! هذه مجرد مُشاهَدات لجانب من حياة العشوائيات، حيث تتشكل عقول وتترسخ أساليب حياة، ولكن المشاهدات فى حاجة لدراسات علمية، لا تكتفى بشرح الظاهرة ومخاطرها، وإنما توصى بحلول. لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب