الحسيني أمينا لصندوق اتحاد المهن الطبية وسالم وحمدي أعضاء بالمجلس    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن بداية تعاملات الأربعاء 12 نوفمبر 2025    نائب محافظ الإسماعيلية يتفقد مستوى النظافة العامة والتعامل مع الإشغالات والتعديات    الجيش الأمريكي يدرس إنشاء قاعدة عسكرية قرب غزة تستوعب 10 آلاف فرد    اتهام رجل أعمال مقرب من زيلينسكي باختلاس 100 مليون دولار في قطاع الطاقة    قائد الجيش الأوكراني يُقر ب"تدهور ملحوظ" في زابوريجيا    تصالح الإعلامي توفيق عكاشة وعمال حفر بعد مشاجرة الكمبوند ب 6 أكتوبر    حبس المتهم بالتسبب في وفاة والدته بعيار ناري أثناء لعبه بالسلاح بشبرا الخيمة    ارتبط بشائعة مع فنانة شهيرة ويظهر دائمًا ب«فورمة الجيم».. 18 معلومة عن أحمد تيمور زوج مي عز الدين    جناح لجنة مصر للأفلام يجذب اهتماما عالميا فى السوق الأمريكية للأفلام بلوس أنجلوس    علشان تنام مرتاح.. 7 أعشاب طبيعية للتخلص من الكحة أثناء النوم    وفد السياحة يبحث استعدادات موسم الحج وخدمات الضيافة    نقيب الإعلاميين: الإعلام الرقمي شريك أساسي في التطوير.. والذكاء الاصطناعي فرصة لا تهديد.    خبير طاقة: الكشف البترولي الجديد بالصحراء الغربية "جيد جدا".. نسعى للمزيد    موعد إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب 2025 (متى يتم قبول الطعون؟)    تنسيقية شباب الأحزاب عن الانتخابات : شهدت تطبيقا كاملا لتعليمات الهيئة الوطنية ومعايير الشفافية    «بنداري» يشيد بوعي الناخبين في المرحلة الأولى من انتخابات النواب    ارتفاع حصيلة ضحايا إعصار فونج-وونج بالفلبين ل 25 قتيلا    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. روسيا تمنع 30 مواطنا يابانيا من دخول البلاد.. اشتباكات بين قوات الاحتلال وفلسطينيين فى طوباس.. وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلة يقدم استقالته لنتنياهو    خروقات إسرائيلية متواصلة لاتفاق غزة. ودعوة أممية لإيصال المساعدات وأمريكا تُخطط لإنشاء قاعدة عسكرية بالقطاع    بيان رسمي من خوان بيزيرا بشأن تجاهل مصافحة وزير الرياضة بنهائي السوبر    منتخب مصر الثاني يخوض تدريباته استعدادًا للجزائر    «ميقدرش يعمل معايا كده».. ميدو يفتح النار على زيزو بعد تصرفه الأخير    «ستأخذ الطريق الخاطئ».. ميدو يحذر حسام عبد المجيد من الانتقال ل الأهلي    منتخب مصر يستعد لأوزبكستان وديا بتدريبات مكثفة في استاد العين    الغندور يكشف حقيقة تدخل حسام حسن في استبعاد ناصر ماهر من منتخب حلمي طولان    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج في ذهاب نهائي دوري المرتبط للسيدات    انتخابات مجلس النواب 2025.. محافظ الفيوم يتابع أعمال غلق لجان التصويت في ختام اليوم الثاني    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء عمليات الفرز في لجان محافظة الجيزة    أمطار غزيرة وثلج .. بيان مهم بشأن حالة الطقس: 24 ساعة ونستقبل العاصفة الرعدية    في ظروف غامضة.. سقوط فتاة من الطابق الرابع بمنزلها بالمحلة الكبرى    مصرع شخص غرقًا في دمياط والأهالي تنتشل الجثمان    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 12 نوفمبر 2025    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025    المستشار بنداري يشيد بتغطية إكسترا نيوز وإكسترا لايف ووعي الناخبين بانتخابات النواب    مي سليم تطلق أغنية "تراكمات" على طريقة الفيديو كليب    السفير التركي: العلاقات مع مصر تدخل مرحلة تعاون استراتيجي شامل    قلق وعدم رضا.. علامات أزمة منتصف العمر عند الرجال بعد قصة فيلم «السلم والثعبان 2»    «القط ميحبش إلا خناقه».. 3 أبراج تتشاجر يوميًا لكن لا تتحمل الخصام الطويل    لماذا نحب مهرجان القاهرة السينمائي؟    السياحة تصدر ضوابط ترخيص نمط جديد لشقق الإجازات Holiday Home    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء فرز أصوات الناخبين بالفيوم.. صور    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    تهديد ترامب بإقامة دعوى قضائية ضد بي بي سي يلقي بالظلال على مستقبلها    هند الضاوي: أبو عمار ترك خيارين للشعب الفلسطيني.. غصن الزيتون أو البندقية    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس نادي قضاه الأسكندرية    استجابة من محافظ القليوبية لتمهيد شارع القسم استعدادًا لتطوير مستشفى النيل    المخرج عمرو عابدين: الفنان محمد صبحي بخير.. والرئيس السيسي وجّه وزير الصحة لمتابعة حالته الصحية    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    نقل جثمان نجل مرشح مجلس النواب بدائرة حلايب وشلاتين ونجل شقيقته لمحافظة قنا    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    بث مباشر | مشاهدة مباراة السعودية ومالي الحاسمة للتأهل في كأس العالم للناشئين 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تصل إلى القاهرة في معرض الكتاب.. مقطع من رواية "حكايات الحُسن والحزن" لأحمد شوقي علي
نشر في بوابة الأهرام يوم 03 - 01 - 2015

"تاريخ موجز للبيت الجديد"، هو عنوان هذا المقطع الذي تنشره "بوابة الأهرام" من أحد فصول رواية "حكايات الحُسن والحزن"، للكاتب أحمد شوقي علي. الرواية الجديدة، سوف تصل إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015، ضمن إصدارات دار الآداب" البيروتية.
يقول الكاتب في هذا المقطع:
"ذهب الجميل سالم بصحبة أخيه الأكبر للمعلم هيكل الأصيل، المقاول نجار المسلح، وبعد أن تعارف الطرفان، وأفصح كل من خامل وهيكل للآخر عن ولعه الأثير والخرافي بالأسمنت، قال خامل -وكان قد استراح في مجلسه- لعمه هيكل.. يا حاج أخي سالم الصغير يعمل معي بالشركة ميكانيكي، وهو أسطى عن تعليم وليس عن اكتساب وممارسة، والحمد لله من قوت يومه بنى شقة جديدة في منزلنا، هي تلك التي تواجهكم، وأمه –مد الله في عمرها وزادها حظًا وسعادة- رأت أن لابد له من الزواج، وبصفتها امرأة حصيفة -وأنت تعرف النساء- سألت عليكم، ولعرضكم النظيف وأصلكم العفيف ولحسن ظنها بكم تمنت مصاهرتكم، فماذا قلتم يا معلم؟
مَكر المعلم، وأخبره بأن ابنته الكبرى متزوجة، والباقيات صغيرات.
وعافر خامل كثيرًا مع الرجل للخروج بإجابة ترضي روح أخيه، متحاشيًا الإشارة –أي إشارة- إلى إكرام التي جاءوا لخطبتها بالأساس، لكن الرجل لم يغفل طوال حديثهم أن يغمرهم بوافر الكرم والود، وهو كرم لم يستطيعا معه الصمود أكثر في الكلام دون نتيجة، وحسنا أنهى خامل الحديث "كنا نتمنى القرب منكم، لكنها فرصة طيبة في التعرف إليكم –جعلها الله معرفة خير، والله الموفق لكل طيب على كل حال".
وعاد الرجلان بخفي حنين، لكن النساء ثورة لا تنطفئ، فهل من المعقول أن ترضى مسعدة لابنها الجميل أن ينفطر قلبه، وهل ترضى "باقية" أم إكرام لابنتها نفس المصير؟ تواطأت المرأتان، وفي اليوم التالي اتفقتا فيما بينهما على كل شيء، وأكدت باقية لمسعدة أن يعاود الرجلان الذهاب للمعلم بعد أسبوع، سيكون في ضيافتهما –وقتها- زوج ابنتها الكبرى، وهو ابن عم المعلم هيكل وله عنده دلال وعشم، ثم يقول خامل إن زيارتهما الثانية تلك تأتي للتأكيد على قصور الود التي أسسا لها بزيارتهما الأولى، وبعد أن يقدم المعلم ابن عمه لهما، يتوجه خامل وسالم بحديثهما إليه ويخبراه عن مدى انشراح صدرهما لبشاشة المعلم وكيف انتويا مصاهرته لولا النصيب –وقانا الله شر طياته- بعدها سيقوم ابن العم بكل شيء.
وقد كان. وذهب خامل وأخوه من ورائه، وهذه المرة استطاع خامل بكل فخر أن يؤكد للمعلم هيكل أن أخاه حبة عينه لن يبخل عليه بأي شيء، وأنهما جاهزان لكل طلباته مهما كانت! ويا ليته ما قال ذلك، أو ليت سالم لم يحك لنساء بيته؛ أمه وأخواته ورئيسة -بكل حبِ- ما وعد به خامل حموه الجديد المعلم هيكل الأصيل.
وكانت الخطبة من أقسى التجارب التي مر به سالم، فالمعلم هيكل رغم موافقته على الزواج لم ينس أنهما قد تحايلا عليه وأنه وافق إكرامًا لابن عمه زوج ابنته الكبرى، ورغم ذلك صمد سالم وصمدت معه إكرام، حتى جاء يوم تحديد موعد الزواج، وذهب سالم وأخوه للمعلم.. جُهزت الشقة ودهنها سالم بنفسه كما رأيت يا عم، وكل شيء يجري بمباركتكم... أتعرف أننا حتى الآن لم نتفق على المهر ولا المؤخر.. كل طلباتك مجابة إن شاء الله... ألفان مهر ومثلهما للمؤخر... ماذا؟ هذا يفوق طاقتنا ياعم، أبيع له البيت يعني حتى يتزوج! ولم يترك خامل فرصة للصمت حتى يسد الجلسة واندفع سهمًا مغادرًا المكان، ورغم أن الذهول قد أقعد سالم عن الحركة، إلا أنه في دقائق قليلة استطاع لملمة أطرافه وزحف ليلحق بأخيه دون أن يصدر منه صوت واحد.
ماذا جرى لخامل يا ترى؟ هل لم يعد سالم حبة عينه؟ كان يستطيع التفاوض مع المعلم هيكل حتى وإن فشل، هل ضاعت منه إكرام؟ خرس سالم تماما ولم يستطع رفع عينه في أخيه عند عودتهما، بينما فضح خامل سكون العصر في منزلهم بصراخه وشتمه، كل ما يعرف من لعنات وسباب وجهها لأخيه وحميه، ثورة اشتعلت في البيت، والجميع باستثناء خامل وسالم لا يفقهون سببها، وعندما انصرف خامل لغرفته، انفرد سالم الوديع بنساء البيت -إلا رئيسة التي ذهبت خلف زوجها لتهدئ من روعه- وتلا عليهم ما كان من أمرهما مع المعلم هيكل، وبعدما أفرغ ما في صدره وقبل أن تنشأ أية تساؤلات لدى أي من المستمعين، هبت سيدة واقفة ثم زأرت فيهم: "فعلتها رئيسة بنت الفقي".
أتدرون شيئًا؟.. آه آسف للمقاطعة، لكن ما فات قد يكون قصة جيدة قد ترضي شغف محبٍ للحكي، لكنها بالنسبة إليَّ في منزلة الحَبُّ من التبن، وهذا ليس تقليل من قدر التبن أو ممن يتعاطونه وإنما تعظيم من شأن الحَبُّ ومن لديه القدرة على التقاطه.. اعذروني إن شققت عليكم، سأحكي الحكاية مرة أخرى، مع وعدِ بالإيجاز قدر الإمكان..
لنقل:
ذهب الجميل سالم - وكان الناس في موسم المولد - بصحبة أمه وأخيه الأكبر للمعلم هيكل الأصيل، المقاول نجار المسلح، وبعد أن تعارف الطرفان، وأفصح كل من خامل وهيكل للآخر عن ولعه الأثير والخرافي بالأسمنت، قال خامل لعمه هيكل-وكان قد استراح في مجلسه، في حين قامت أمه لتجالس النسوة في غرفة مجاورة- يا حاج أخي سالم الصغير يعمل معي بالشركة ميكانيكي، وهو أسطى عن تعليم وليس عن اكتساب وممارسة، والحمدلله من قوت يومه بنى شقة جديدة في منزلنا، هي تلك التي تواجهكم، وأمه –مد الله في عمرها وزادها حظًا وسعادة- رأت أن لابد له من الزواج، وبصفتها امرأة حصيفة -وأنت تعرف النساء- سألت عليكم، ولعرضكم النظيف وأصلكم العفيف ولحسن ظنها بكم تمنت مصاهرتكم، ولا تخش شيئًا من تجهيز عروس أو مقدم أو مؤخر، كل ما هو لي هو لأخي، وإن قصر هو أتكفل أنا بكل شيء، فماذا قلتم يا معلم؟
وقع المعلم هيكل أسيرًا لواجب الضيافة، ولأنه طيب لا يخذل للناس تعشمًا فيه –ما داموا ببيته- كلمهم بالحسنى، وتبسط لهم كثيرًا ولم يعبث –طوال جلستهم- في وجههم قط، وعندما دخلت مسعدة للنساء، أعطت إكرام مع حلاوة المولد ورقة فئة العشرة جنيهات، ورغم ذلك مضى اللقاء حرانٌ دون بل ريق، فقط سوَّفَ المعلم هيكل وأكد أن كل الأمور بيد خالقها، وهو وحده يقدم ما فيه الخير لهم.
"هذه الست مغصوبة على تلك الزيجة" قالها المعلم بحسم لباقية زوجته.. خذي العشر جنيهات وعلبة الحلاوة وأعيديها لهم... كيف ذلك يا معلم... لن أكررها ثانية، هذه الست مغصوبة وهذا الأخنف كامل الذي يتكلم كثيرًا عن المال لن يسد عن أخيه في شيء، ثم من سالم هذا الذي يجيئني لخطبة ابنتي بهيئة مثل الراقصين؛ شعره طويل وبنطاله حول خصره وفخذيه ملفوف كالمزمار، خذي الحلاوة والفلوس وأعيديها إليهم!
مرت سنة! وهل يصدق أحدكم أن تمر السنة دون أن يعاود جابر الكرة من جديد لخطبة إكرام، أو أن تمر السنة دون أن تهدد إكرام بالانتحار أو الهرب، نعم مرت سنة دون أن يحدث أي من ذلك، فالأقدار أبلغ -في كثير من الأحيان- من المجاز..
في أول أيام سنة القطيعة، أي بعد زيارة عائلة خامل لبيت هيكل بيوم واحد، جاء عسكري إلى بيت مسعدة وخامل يأمر سالم بتنفيذ أمر بالتجنيد الإجباري، وعليه غاب سالم شهرًا ونصف، لكن ليس التجنيد الإجباري وحده هو سبب الميوعة التي وصمت سنة القطيعة، فنفس سالم/ جابر التي أنضجتها السنين هي في حد ذاتها نفس مائعة، عجيبة، فأحيان كثيرة تكون ردة فعله مفارقة تمامًا للجهد المبذول في نيل الشيء الذي يشتهيه، وصفة ذلك الشيء المشتهى، بل إن كلمة "شهوة" في حد ذاتها غير دقيقة إذا أطلقناها على الطموحات التي تكنها نفس ذلك الفتى، فأمور كثير تجيش بذاته قد يراها ذوو النظرة غير الأصيلة مجرد نزوات أو العكس، ولعل ذلك انعكس واضحًا جليًا على الرسالة الأولى -والرسائل التي تلتها- التي ودع فيها إكرام عبر ورقة ألقاها على سطوح بيتها، فرغم أنه قد جاء فيها بكل ما قد يقوله عاشق مغدور وقع أسير السجن بعد أن خطف قاضي المدينة الظالم زوجته، إلا أنها جاءت ببساطة في جملة وحيدة.. سأعود وسنجتمع وستظلين مدى العمر وبعده زوجتي.
هذا ما كان من أمر سالم الجميل، أما مسعدة ذات الكبرياء، فقد انتظرت أسبوعًا قبل أن ترد الواجب –هكذا قالت لنفسها- للمعلم هيكل. ذهبت وحدها لبيت صباح اليتيمة وأمها جارتا المعلم، وخطبتها لسالم، وكانت قبل أن تدخل بيت أم صباح قد مرت بإكرام في الشارع وكسرت خاطرها؛ إذ أقبلت الأخيرة تحييها فأشاحت بوجهها عنها وكأنها ما رأتها، وعندما جلجلت الزغرودة في بيت أم سميحة، بصق المعلم هيكل على عتبة الباب حيث كانت تقف ابنته.. ألم أقل لكم أن تلك السيدة مغصوبة علينا، (ثم التفت إلى باقية) الآن فهمتِ، تلك المرأة ترى ابنتك سوداء وابنها أحمر، لذا فقد خطبت له حمراء مثله، والآن ذلك الراقص عندما يعود، أؤكد لكم أن سيفضل صباح الحمراء الجميلة على ابنتك السوداء.
لم تكن إكرام سوداء، بل سمراء عسلية العيون، كذلك لم يكن سالم أحمر بل أبيض مثل الخميرة، وليس أبيض لون اللفت أو الحليب، فهل هناك بيض كاللفت غير البُرْصَّ-المصابين بداء البرص-؟ أما شديد البياض فهو أحمر، وكانت صباح حمراء زرقاء العيون مذهبة الشعر، جميلة يضيق المعنى عن وصف جمالها، ورغم ذلك فإن المقارنة بين جمالها وجمال إكرام قد يصب في مصلحة الأخيرة؛ فاسمرار إكرام لم يأت فقط من نضج جمال فحسب وإنما أيضا من نضج ذكاء ودهاء، لكنه دهاء عن عناد وطيبة!
مر الشهر على غياب سالم، تلاه أسبوع ثم أسبوع حتى عاد، وما أن وطأت قدماه عتبة البيت حتى انطلق إلى شقته، ثم إلى الشرفة ناحية السطوح.. بُهت ولم يجد إكرام كما تمنى، بل وخزت الزغاريد أذنيه، وامرأة الصعيدي ترد سؤالًا لزوجها.. الزغاريد من بيت المعلم هيكل، خطب ابنته إكرام لابن أخيه.
دمّر جابر خطبته لصباح تدميرًا؛ ألقى بهدايا أمه التي ادخرتها له طوال الغيبة حتى يهادي بها عروسه عندما يعود، واحتد به الأمر حتى كاد يلطم أخته سيدة التي فشلت محاولاتها المستميتة لتحول بينه وبين إلقاء برطمان السمن البلدي إلى الشارع، وانطلق مغادرًا المنزل إلى بيت أخته إخلاص، لكنه عاد بعد أن قطع نصف الطريق، وذلك عندما أدرك أنه لن يستطيع أن يرى إكرام وهو بعيد عن شرفته، ولمّا أمسى إلى شرفته، وجد فيها ورقة، هي أكثر إيجازًا من رسالته الأولى إلى إكرام، حيث إنها اعتقدت أن الإيجاز الذي اعترى خطابه الأول، ليس إلا وسيلة إلغاز وتأمين تقي علاقتهما شر الفضيحة، لذا فقد جاء ردها الأول...لا تقلق.. لازلت على الوعد محافظة على العهد القديم.
شهور تمر والورق يتبادل بين الشرفة والسطوح، حافظت إكرام على الوعد ليس بدافع الحب وحده -رغم أن حبها وحده كفيل لها كي تحفظ العهد- بل أيضًا لأنها كانت ترى طموحها في سالم، فهو على وسامته نال قسطًا معقولًا من التعليم، وموظف بالحكومة في شركات الأسمنت الناهضة والطموحة أيضًا، على عكس ابن عمها الذي يعمل بالأجرة في نجارة المسلح مع أبيها، كيف تتزوج أميًا وهي التي جاهدت في تعليمها حتى استطاعت الحصول على الدبلوم المتوسط، ثم جاهدت أكثر للالتحاق بالمعهد العالي للمعلمات، وتخرجت لتشغل منصب المدرسة الخالي بمدرسة "الشجيرات" الابتدائية.
كان عليها أن تعمل بجد هذه المرة لتُنفر ابن عمها منها، وكانت صبورة رغم ذلك تعمل بهدوء، والتزمت لإبعاده عدة طرق، أهمها أنها كانت تضع له أمام طبقه أثناء الأكل شوكة وسكين وكانت تتعمد أن تأكل بهما أمامه، بينما يضرب هو حيص بيص ويدوخ ويحمر ويخضر ويصفر في محاولاته المستميتة لمجاراتها في الأكل، وأحيانًا كثيرة ما ينهي طعامه قبل أن يشق ريقه، حتى أنه حاول –عبثًا- في بعض المرات أن يطلب من ابنة عمه أن تطهو له الملوخية على الغذاء، فالملوخية لا تحتاج عناءً في أكلها، وإذا وجد حرجًا في تغميسها بالعيش شربها بالملعقة، وفي المرات الثلاث التي طلب فيها الملوخية كانت إكرام تضعها باردة أمامه متعللة بأن عمه طلب طبخها في الليلة السابقة، فادخرت له منها طبقًا لكنه للأسف بايت.
وانفضت الخطبة وكل امرئ صار لحال سبيله بالحسنى أو غير الحسنى، المهم أنها انفضت، ولأن إكرام حبة عين باقية أمها، لجأت الأخيرة إلى يحيى زوج ابنتها البكرية وابن عم المعلم هيكل في الوقت ذاته، للتوسط لدى المعلم في شأن إكرام وسالم.
ألقى يحيى اللوم كثيرًا على هيكل.. يا شهم ليست هذه أفعال الرجال، تبعث أم مرزوق بالعشرة جنيهات والحلاوة للناس فور أن خلعوا أرجلهم من عندك! يا أخي لو كنت مكانك لمسَمّرتُ الورقة على الحائط أو لقطعتها ولا كسرتُ بخاطر الناس، راجع نفسك يا معلم، وقد رأيت ما كان من أمر سالم مع صباح وماكان من أمر إكرام مع ابن أخيك، راجع نفسك..
لم تكن وساطة يحيى لدى هيكل وحدها التي دفعته لإعادة التفكير بشكل إيجابي في أمر زواج سالم بابنته إكرام، فابنته متعلمة ولديها وظيفة، وقد خشي المعلم أن تلحق ابنته العار به إذ هي هربت مع سالم، وماذا يفعل حينها، فاضطر أن يوافق. وهكذا وجد سالم ورقة في شرفته.. الخميس أنت وخامل بعد المغرب، يحيى زوج أختي وسيطنا، ولا تقلق من شيء الأمر محلول إن شاء الله.
ذهب خامل وأخوه من ورائه، وهذه المرة استطاع خامل أن يؤكد - بكل فخر- للمعلم هيكل أن أخيه حبة عينه لن يبخل عليه بأي شيء، وأنهما جاهزان لكل طلباته مهما كانت! ويا ليته ما قال ذلك، أو ليت سالم لم يحكي لنساء بيته؛ أمه وأخواته ورئيسة -بكل حبِ- ما وعد به خامل حموه الجديد المعلم هيكل الأصيل.
وكانت الخطبة من أقسى التجارب التي مر بها سالم، فالمعلم هيكل رغم موافقته لم ينس أنه اضطر للرضوخ والموافقة على تلك الخطبة، بالتالي كان على سالم ألا يغضب أو يستاء –هو الموَسوَس بالقرف من أتفه الأشياء- إذا قضى أخو إكرام الصغير حاجته عمدًا أمامه أثناء تناوله العشاء بصحبة حماه، أو إذا قابله الأخير بلباسه الداخلي ثم جلس غير مكترث لحديثه بالمرة يدخن الجوزة، وكان لابد لإكرام إذا أرادت مجالستهما ألا يبدو عليها أي مظهر من مظاهر الزينة، وأن تجلس بعيدًا بجوار أمها على الطرف المقابل لمجلسهما، وكان المعلم يكبل عنقها إذا ظهرت بكل ما يبتعد بها عن المجلس، ورغم ذلك صمد سالم وصمدت معه إكرام، حتى جاء يوم تحديد موعد الزواج، وذهب خامل وجابر للمعلم..
جُهزت الشقة ودهنها سالم بنفسه كما رأيت يا عم، وكل شيء يجري بمباركتكم.. أتعرف أننا حتى الآن لم نتفق على المهر ولا على المؤخر...كل طلباتك مجابة إن شاء الله... ألفان مهر ومثلهما للمؤخر... ماذا؟ هذا يفوق طاقتنا ياعم، أبيع له البيت يعني حتى يتزوج إذن!.. ولم يترك خامل فرصة للصمت حتى يسد الجلسة واندفع سهمًا مغادرًا المكان، ورغم أن الذهول قد أقعد سالم عن الحركة، إلا إنه في دقائق قليلة استطاع لملمة أطرافه وزحف ليلحق بأخيه دون أن يصدر منه صوت واحد.
ماذا جرى لخامل ياترى؟ هل لم يعد سالم حبة عينه؟ كان يستطيع التفاوض مع المعلم هيكل حتى وإن فشل، هل ضاعت منه إكرام؟ خرس سالم تماما ولم يستطع رفع عينه في أخيه عند عودتهما، بينما فضح خامل سكون العصر في منزلهم بصراخه وشتمه، كل ما يعرف من لعنات وسباب وجهها لأخيه وحماه، ثورة اشتعلت في البيت، والجميع باستثناء خامل وسالم لا يفقهون سببها، وعندما انصرف خامل لغرفته، انفرد سالم الوديع بنساء البيت -إلا رئيسة التي ذهبت خلف زوجها لتهدئ من روعه- وتلا عليهم ما كان من أمرهما مع المعلم هيكل، وبعدما أفرغ ما في صدره وقبل أن تنشأ أية تساؤلات لدى أي من المستمعين، هبت سيدة واقفة ثم زأرت فيهم: "فعلتها رئيسة بنت الفقي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.