لا تسألونى كيف رتبت الأقدار هذا اللقاء العجيب الربانى الدنيوى فى وقت واحد.. الذى جمع هذه الصفوة المختارة من الكُتاب والمفكرين والصحفيين والإعلاميين الكبار.. التى اختارها الله وحده الذى يجمع ويفرق ويمنع ويغدق.. والذى يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير.. لكى نلتقى معا فى قلب الكعبة المشرفة عندما دخلناها.. يا الله.. فى يوم عرفة ونحن نحج إلى بيت الله الحرام. وفى يوم عجيب غريب من أيام عام 1981.. يوم انطلقت فيه فرقة الشر لتغتال بالرصاص بطل الحرب والسلام الذى اسمه أنور السادات فى يوم عيده وهو يحتفل بيوم نصره على أعداء الله والوطن والدين.. واسترداد سيناء تلك الأرض الطاهرة التى اغتصبتها فى أيام نحسات أيدى أعداء الله والوطن والدين.. فى أكتوبر عام 1981..
بينما نحن من يسميهم من يكتب ويقرأ ويسمع ويري.. ويفكر بالصفوة.. بل صفوة الصفوة من كتاب مصر وصحفييها ومفكريها ومذيعيها الكبار.. نعبد الله بالصلاة والقيام والدعاء.. ليس من حول الكعبة المشرفة كما يفعل كل الخلق.. ولكن فى قلبها وبين جدرانها.. نصلى ونسبح.. وحدنا لله الواحد الأحد.. لكى يرحمنا ويرفع مقته وغضبه عنا ونحن نؤدى مناسك الحج بدعوة كريمة من ملك فاضل هو الملك خالد بن عبد العزيز ملك السعودية أيامها.. رحمه الله.. أكرر نحن الآن فى عام 1981.. داخل جدران الكعبة المشرفة وليس من حولها أو حتى وقوفا ببابها.. بعد أن دعانا ملك كريم لكى نصلى ونسلم وندعو الله تعالى فى قلب الكعبة نفسها وداخل جدرانها الأربعة.. وليس من حولها.. فى هدية لا تتكرر من هدايا السماء.. للصلاة والسجود والركوع والدعاء من قلب الكعبة المشرفة يا سبحان الله.. ◘◘◘ من كنا يا تري؟ ومن كانت هذه الصحبة فى يوم عظيم الشان والشنشان؟ ومن ذا الذى اختاره الله تعالى وأذن له بدخول الكعبة والصلاة داخلها قبل يوم عرفة؟ لقد كنا: العزيز الغالى سامى متولى رفيق الدرب والطريق.. والدكتور مصطفى محمود المفكر والكاتب الإسلامى وصاحب برنامج العلم والإيمان الشهير أيامها.. وصاحب سلسلة الكتب الرائعة فى الفكر الإسلامى وفى الله الواحد الأحد وسيدنا محمد والأنبياء والرسل وهو للعلم صاحب ورفيق دربى وليلى فى سهرات الأهرام حتى طلوع الشمس.. مرة كل اسبوع ومرة أخرى فى سهرات الحسين وخان الخليلي.. والعزيز الغالى الكاتب الإسلامى الكبير ورفيق الدرب والطريق صاحب كتاب: أنبياء الله.. الذى حملنا للملك خالد بن عبد العزيز صاحب الدعوة يومها نسخة منه مهداة بقلمه.. والذى اسمه أحمد بهجت والإذاعى اللامع أحمد فراج صاحب البرنامج الدينى الشهير: نور على نور ورفيق الدرب والطريق والأيام الحلوة والكفاح اللذيذ الذى اسمه عباس مبروك المحرر العلمى للأهرام.. نسيت أن أقول لكم إننا دخلنا الكعبة وصلينا داخلها كل واحد منا يصلى فى ناحية.. فأنا داخل الكعبة لا مكان ولا زمان ولا شرق ولا غرب ولا شمال ولا جنوب.. وكأن الدنيا كلها قد انحسرت وتقلصت داخل هذا البناء المصمت الذى لا نوافذ له.. إلا من باب واحد دخلنا منه كلنا واحدا بعد الآخر. بعد أن صعدنا بضع درجات قليلة وراء الملك خالد بن عبد العزيز الذى دعانا للدخول.. فلبينا النداء..ويا له من نداء.. كأننا قد دخلنا من باب الجنة نفسها يا سبحان الله.. دون سؤال من الملائكة.. ومن يحاسب من يصلى ويتضرع إلى الله تعالي.. كلنا فى قلب الكعبة؟ ◘◘◘ رحنا نصلى كل واحد فى اتجاه.. حيث تصبح القبلة حيث أنت وحيث توجه وجهك لله الواحد الأحد.. وتملكنا شعور عظيم الشان والشنشان بأننا قد أصبحنا حقا وصدقا ويقينا داخل الجنة نفسها.. يا سبحان الله.. أبصرته يولى وجهه إلى السماء ويدعو ربه إنه الدكتور مصطفى محمود: الله حق.. والعالم زائل.. والله دائم والعالم متغير.. والله ثابت.. والعالم سجين حدود الزمان والمكان..والله فى كل مكان.. وهو واحد.. وهو الذى ينفعك وهو الذى يضرك.. وهو الذى يضع السم فى العقرب وهو نفسه جل شانه الذى يضع العطر فى الوردة.. وهو الواحد.. وهو الأحد وهو الحى مطلق الحياة.. وهو السميع.. وهو البصير.. وهو المتكلم بدون حروف وبدون كلمات وبدون لسان.. وهو الأول قبل الزمان وقبل خلق العالم حينما كان.. ولا شىء غيره ولا شىء معه.. وهو الآخر بعد أن ينتهى الزمان وينتهى العالم ويعود كل شىء إليه هو وهو الباقى بعد أن يفنى الكل ◘◘◘ مازال الدكتور مصطفى محمود يدعو ويبتهل إلى الله.. داخل جدران الكعبة التى بناها سيدنا إبراهيم ومعه ابنه إسماعيل عليهما السلام: يقول الله فى حديث قدسي: الكبرياء ردائى والعظمة إزارى من نازعنى فيهما قصمته.. وهو الواسع.. واسع المغفرة.. واسع الرحمة.. تقول له ملائكته: ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك.. تعجز الحروف والكلمات عن بلوغ مقامه الأسمى حيث هو.. حيث لا حيث وعند لا عند وحيث تبهت العقول وتسكت الألسن وتجف الأقلام وترفع الصحف دموع غزيرة تنساب من كل العيون.. فقد شعرنا ساعتها اننا قريبون جدا ونحن فى قلب الكعبة.. من سدرة المنتهى وما أدراك ما سدرة المنتهي.. بديع الكلام ليس لي.. ولكنه لصاحب العلم الرفيع مقاما وأدبا وعلما وابحارا فى نور الإسلام الذى اسمه أحمد بهجت ◘◘◘ قال قائل أظنه العزيز الغالى عباس مبروك المحرر العلمى للأهرام أيامها: اسمعوا.. عمنا وتاج راسنا الدكتور مصطفى محمود سابح فى ملكوت الله.. انصتوا حتى نسمع ما يقوله فى دعائه فى قلب الكعبة.. هو يدعو: انصتوا إليه.. لعلكم ترحمون: الشمس تأفل.. والزهور تذبل.. والربيع ينتهى إلى خريف والصحة تنتهى إلى مرض والحياة تنتهى إلى موت والامبراطوريات تزدهر وتندثر والقارات يبتلعها المحيط والنجوم تنفجر فى فضاء الكون وتختفي وعالم الظواهر حولنا عالم خادع مخادع يتلون كالأكاذيب ويتحرك إلى زوال وفناء.. وكأنه رسوم على الماء أو نقش على رمال تذروها الرياح. والله ليس من هذا العالم.. وإنما هو أكبر منه.. لا يمكن لله أن يمرض أو يشيخ أو يموت، ولا يصح أن نتصوره وهما باطلا مثل سائر الأشياء.. فهو فوق ذلك كله العالم باطل والله حق العالم زائل والله دائم العالم متغير والله ثابت العالم سجين فى حدود الزمان والمكان والله متعال على الزمان والمكان.. وهو «واحد» هو الذى ينفعك وهو ذاته الذى يضرك وهو الذى يضع السم فى العقرب وهو نفسه الذى يضع العطر فى الزهرة لم أجد ما أفعله إلا أن أصفق بكلتا يدى للكلام الطيب فى المكان الطيب وفى الزمان الطيب.. الملك خالد يقول: الله موجود.. فى كل الوجود سبحانه وتعالى.. بمجرد أن تسأله يجيبك.. قد لا تسمعه أنت ولكنه يسمعك أنت ومعه ملائكته.. ملائكة الرحمة والعدل صدقونى من يدعو الله هنا من داخل الكعبة فى هذه الساعة وفى هذه الأيام المباركة يفتح الله لدعواه أبواب السماء ويقول لملائكته: عبدى دعا.. فيقولوا آمين يا رب العالمين.. أحمد بهجت يتكلم: سيدنا جبريل حاضر فى كل مكان يدعو لهذا الخلق الخالق لكى يأخذ بيد محتاج أو مريض أو مظلوم.. لكى يرفعها إلى المولى عز وجل سبحانه الدكتور مصطفى محمود يرد: والله هو «الملك» المطلق على جميع الأكوان المستغنى فى ذاته وصفاته عن كل موجود.. بينما الكل فى حاجة إليه من الذرة إلى المجرة فهو الذى يمسك كل شىء بقوانينه ويدبر كل شىء بحكمته.. والإنسان ملك صغير.. جنوده شهوته وغضبه وهواه، ورعيته لسانه وعيناه ويداه إذا ملكها ولم تملكه وأطاعته ولم يطعها: نال درجة الملك فى عالمه الصغير (جسده) فإذا اتسع ملكه استطاع أن يستغنى عن الناس كلهم بينما احتاجوا هم إليه.. وأصبح الملك فى العالم الأرضي.. وتلك رتبة الأنبياء.. كما يقول الإمام الغزالي. ولكنه أبداً مفتقر إلى الله لا يخطو ولا يتنفس ولا يحيا إلا بمدد من الله يقول الأمير للفقير العارف بالله: سلنى حاجتك فيقول الفقير: أسألك ولى عبدان هما سيداك غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك فيسأل الأمير: ومن يكونان؟ فيقول العارف بالله: هما الحرص والهوى ◘◘◘ ولأن الدعاء فى قلب الكعبة يرفع إلى السماء.. راكبا طاقة من نور تصل بين السماء والكعبة كما قال لنا د. مصطفى محمود وعمنا أحمد بهجت.. فإننا جلسنا ندعو وندعو وندعو.. لعل الله يرحمنا ويكتبنا فى صحفه من أهل الجنة.. اللهم آمين .
----------------------------------- (( دموع غزيرة تنساب من كل العيون.. فقد شعرنا ساعتها اننا قريبون جدا ونحن فى قلب الكعبة.. من سدرة المنتهى وما أدراك ما سدرة المنتهي..)) لمزيد من مقالات عزت السعدنى