في الهند، تجاوزت مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي مرحلة خرق البيانات وانتهاك خصوصية المستخدمين لتصل إلى مرحلة أكثر خطوة بعد تحولها، وخاصة تطبيق واتساب المملوك لشركة فيسبوك، إلى أكبر منصة لنقل الأخبار الكاذبة والرسائل الزائفة التي أسفرت بالفعل عن عمليات قتل جماعي العام الماضي وتهدد بمواصلة العنف والتأثير على الانتخابات التشريعية. تطبيق«واتساب» للرسائل يستخدمه أكثر من 200 مليون شخص في الهند، وتم استغلاله بشكل موسع في إعادة إرسال رسائل وفيديوهات زائفة حول عمليات اختطاف أطفال وشائعات أخرى، مما تسبب في مقتل عشرات الأشخاص في عمليات قتل جماعي في عامي 2017 و2018. ومع اشتعال الأزمة بين الهندوباكستان أواخر فبراير الماضي، اجتاحت عاصفة من الصور والفيديوهات الزائفة التطبيق الشهير لتظهر وجود خسائر بشرية في الجانب الباكستاني جراء القصف الهندي. واتضح بعد ذلك أن صور الجثث والدمار والمباني المهدمة يعود بعضها في الحقيقة لضحايا هجوم انتحاري في باكستان عام 2014 والبعض الآخر لآثار الحطام الذي خلفه زلزال ضرب القسم الباكستاني من إقليم كشمير عام 2005. وفي محاولة من التطبيق وشركته لحفظ ماء الوجه وعدم التسبب في فظائع جديدة، أطلق واتساب خدمة لمكافحة الأخبار الكاذبة أثناء سير الانتخابات الهندية عن طريق تصنيف الرسائل إلى حقيقية أو كاذبة أو مضللة أو مشكوك فيها.كما أعلنت شركة فيسبوك أنها حذفت 712 حسابا و390 صفحة في الهندوباكستان بسبب سلوكيات تفتقر إلى المصداقية، مضيفة أن العديد منها يرتبط بحزب المؤتمر الهندي المعارض، بينما ترتبط أخرى بالجيش الباكستاني. ورغم كل ذلك، يؤكد المحللون أن معضلة مواقع التواصل الاجتماعي في الهند أبعد كثيرا عن الحل وذلك لعدة أسباب أهمها، أولا: أن واتساب نفسه أصبح أداة أساسية لاغني عنها في الدعاية الانتخابية وتوجيه الرأي العام في البلاد.فبعد استغلاله بنجاح في حشد وتعبئة الناخبين في انتخابات 2014، سعى الحزبان المتنافسان الرئيسيان، وهما الحزب اليميني الهندوسي الحاكم وحزب المؤتمر اليساري، لتكرار تجربة 2014، حيث أنفقا مبالغ طائلة لجعل واتساب أهم منصة لدعاياتهما الانتخابية والتأثير على آراء المواطنين وتوجيههم. ونظرا لأن المجتمع الهندي من أكثر المجتمعات تنوعا في العالم، فهناك مخاوف بشأن احتمالية تأثير الشائعات على العملية الديمقراطية في ظل حالة الاستقطاب السياسي ما بين يمين ويسار ومسلمين وهندوس، فضلا عن استغلال حالة التعصب والتمييز على أساس الجنس والطائفة بهدف التأثير على توجهات الناخبين. وكشف بحث بريطاني أجري العام الماضي عن أن صعود « النزعة القومية» سبب رئيسي في مشاركة الهنود وتبادلهم للأخبار الكاذبة على «جروبات» واتساب ربما تضم المجموعة الواحدة منها أكثر من 250 شخصا وذلك دون اهتمام من مستخدمي التطبيق بتقصي حقيقة الرسائل أو الفيديوهات التي يتداولونها. التحدي الثاني هو تحد تقني في المقام الأول. فعلى عكس غيره من مواقع التواصل، يتمتع «واتساب» بدرجة عالية من حماية سرية الرسائل مما يجعل تعقب مصادر الأخبار الكاذبة أمرا صعبا للغاية. وتقول شركات تعقب الحقائق على الإنترنت في الهند إن تشفير رسائل واتساب محكم إلى الدرجة التي تجعل مسئولي التطبيق أنفسهم غير قادرين على اختراقها، وتجعل واتساب وكأنه «ثقب أسود» عملاق تغوص فيه الرسائل والفيديوهات والصور الزائفة منها والحقيقية دون معرفة مصدرها. وفي ظل تمسك فيسبوك بسياسة الخصوصية لواتساب، يكاد يكون مستحيلا مواجهة سيل الشائعات مع اقتراب الانتخابات، خاصة أن الشعب الهندي هو الأول عالميا فى إعادة إرسال الرسائل عبر واتساب.