يصر العقل السياسى الأمريكى دوما على تجديد صدماته للمجتمعات العربية، لكن نوازع الحميمية المطلقة نحو الكيان الصهيونى قد طاشت به نحو ما أطلق عليه صفقة القرن تلك التى يراد منها إحياء تجليات القيادة الشاحبة المتداعية الساعية نحو تسجيل بصمة قائمة على مسار الدبلوماسية الدولية. ولعل الكثير من خبراء السياسة والاستراتيجية الذين كشفوا عن ملامح هذه الصفقة قد أكدوا أنها لا تتضمن مطلقا وجود دولة فلسطينية تحظى بالسيادة وإنما كيان فلسطينى يتمتع بحقوق الحكم الذاتى مقابل منح الفلسطينيين فرصا اقتصادية جيدة، وأن قوام الصفقة هو الدعم المطلق للصالح الإسرائيلى التى تقتضى أولى ركائزه على تكريس السيطرة الكاملة على كافة الأراضى المتنازع عليها، فضلا عن بسط النفوذ على أصعدة كثيرة، وكلها تنويعات من الضغوط تمارس انتزاعا للاعتراف العربى بإسرائيل، لكن هل تطمح طاقات الخيال السياسى فى كشف البنود الخفية فى صفقة القرن والتى ربما تمثل مفاجأة صارخة للجانب العربى؟ ذلك بعد إعلان القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل وما تبع ذلك من إجراءات نقل السفارة الأمريكية إليها وفرض السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. ولعل ذلك ينقلنا إلى فضاءات السؤال عن مستقبليات هذه الصفقة المنتظرة التى يظن أن تعيد صياغة الخريطة العربية؟ وما هو موقف القيادات الدولية إزاء نسق الفوضى الأمريكية؟ وما هى السبيل لوقف المد الاستيطانى فى الأراضى العربية؟ وهل من سبيل للالتفاف حول استراتيجية عربية تكون فاعلة فى تحجيم الانتهاكات غير المسبوقة فى تاريخ الدولة العبرية؟ وكيف يمكن عصمة الأقصى وانتشاله من طوفان الاعتداءات؟ إن صفقة القرن مهما تعددت بنودها فإنها تعتمد على محورين الأول هو استراتيجية الضغط والقائلة بان الطريقة الوحيدة لكى تصبح لك اليد الطولى هى ان تجعل لعبتك أكثر ذكاء وتبصرا بدلا من أن تحاول السيطرة على كل حركة يقوم بها الطرف الآخر، وأنقل الصراع إلى منطقة تختارها مغيرا الإيقاع والأولويات بالاتجاه الذى يناسبك، وناور لكى تسيطر على عقل خصومك ضاغطا على أزرارهم العاطفية ومجبرا إياهم على ارتكاب الأخطاء، أما الثانية فهى استراتيجية التدمير التى تنص على أن الآخرين يستغلون أى ثغرة فى دفاعاتك لكى يهاجموك، فلا توفر لهم أى ثغرات وغلف أعداءك ومارس عليهم ضغطا مستمرا من كل الجهات وحين تهيمن على انتباههم وتسد عليهم كل المنافذ على العالم الخارجى تشعر بوهن عزيمتهم. فإذا كان هذا هو الجوهر الاستراتيجى لصفقة القرن فأين هو المشروع العربى المتصدى لكل ذلك أو بعضه... المشروع الذى يفكك أوصال المعادلة الجائرة التى تربط السلام والتنمية الاقتصادية فى المنطقة العربية بذلك الاعتراف المباشر بالكيان الإسرائيلى.. المشروع الذى يحيى إرادة الكتلة العربية ويفرض وجودها الفاعل على الكيانات المتمردة ويروض الحوادث والأحداث ليس باعتبارها حقائق واقعة، وإنما بكونها حسابات خاطئة يجدر تصحيحها. لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبو العلا