إحالة قانون العلاوة الدورية للعاملين إلى اللجنة المختصة بمجلس النواب    رئيس الوزراء: 22 برنامجا للحماية الاجتماعية بتكلفة 635 مليار جنيه سنويا    موعد مباراة برشلونة وريال مدريد فى الدورى الإسبانى والقناة الناقلة .. تعرف عليه    لرغبتها في استمراره في أوربا .. زوجة كوتيسا تعرقل صفقة انضمامه للزمالك    بعثة الحج المصرية تستعد لاستقبال ضيوف الرحمن بتيسيرات شاملة وخطط لوجستية محكمة لموسم 1446 ه    الآن .. أجواء شديد الحرارة جافة والقاهرة سجلت 37 درجة الساعة 11 صباحا    انطلاق ملتقي الفارما الثامن والمؤتمر الدولي التاسع للصيادلة العرب    الدفاع المدني: ثمانية شهداء بينهم أربعة أطفال في غارات إسرائيلية على غزة    بينهم أربع فتيات ..بالأسماء .."نيابة الانقلاب " تحبس 38 مواطناً إثر ظهورهم للمرة الأولى    بملابس هندية.. مصطفى حجاج يحيي حفل زفاف رامي عاشور    «هيبتا 2.. المناظرة الأخيرة» في دور العرض قريبًا بعد تصوير جميع مشاهده    "صحة الإسكندرية" تنظم حملة منع تسوس أسنان الأطفال وتطبيق الفلورايد    اللواء عبدالعظيم عبدالحق: وهبت نفسى للوطن.. واستشهاد ابنتى سارة كان عنوانًا لمقتل الطفولة الفلسطينية "الحلقة 12"    هام من المركز الليبي بشأن زلزال المتوسط| تفاصيل    تضامن: "تكافل وكرامة" أكبر مظلة اجتماعية تستثمر في الإنسان المصري    أسعار الدواجن اليوم الأحد 11 مايو 2025    تشكيل مباراة أهلي جدة والشباب المتوقع في الدوري السعودي    نجيب ساويروس عن تعديلات قانون الإيجار القديم: منصف بعد ظلم سنين للملاك    البورصة تصعد بمستهل تعاملات جلسة اليوم    انتشال جثة طالب من نهر النيل بسوهاج    هام من التعليم بشأن امتحانات الثانوية العامة هذا العام| الوزير يكشف    "مكنتش اعرف أنها ممنوعة".. اعترافات راكب ضبط بحوزته مخدرات في مطار القاهرة    "معلومات الوزراء: 89.9% نسبة الارتفاع فى قيمة الصادرات من الملابس الجاهزة    روز اليوسف تنشر فصولًا من «دعاة عصر مبارك» ل«وائل لطفى» عبدالصبور شاهين مثقف تحول إلى تكفيرى من أجل المال "الحلقة 4"    إذاعة جيش الاحتلال: تجنيد لواءى احتياط بهدف توسيع العملية العسكرية فى غزة    مواقع أجنبية : المتحف المصرى الكبير صرح حضارى وثقافى عالمى ويمتاز بتقديم قطع أثرية نادرة    الوثائقية تطلق بروموهات فيلم (الزعيم.. رحلة عادل إمام).. قريباً    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    الصحة: افتتاح 14 قسمًا للعلاج الطبيعي بالوحدات الصحية والمستشفيات    نصائح لحماية طفلك للسلامة من موجات الحر    التشكيل المتوقع لمباراة ليفربول ضد أرسنال اليوم الأحد    باكستان: إلغاء 150 رحلة جوية وسط حالة عدم اليقين بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع الهند    استشهاد 10 فلسطينيين إثر قصف "الاحتلال الإسرائيلي " خيم النازحين بخان يونس    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين بمحافظة القاهرة    "البترول" تقرر صرف مبلغ مماثل لقيمة فاتورة استبدال طلمبة البنزين لأصحاب الشكاوى    وزير الإعلام الباكستاني: لا انتهاكات لوقف إطلاق النار مع الهند حتى الآن    النشرة المرورية.. كثافات متحركة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    «يشترط 40 مليونا للبقاء».. شوبير يصدم جماهير الأهلي بشأن مدافع الفريق    أحمد شوبير: انتهاء علاقة حمزة علاء مع الأهلى بشكل نهائى    مسئول طبي بغزة: 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة.. و4000 آخرون مهددون بفقدانه    محطة كهرباء جديدة ب64 مليون جنيه في أبو الريش لضمان استمرار الرعاية الطبية للأطفال    دعاية السجون المصرية بين التجميل والتزييف.. ودور النخب بكشف الحقيقة    هل تصح طهارة وصلاة العامل في محطة البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    تشكيل ليفربول المتوقع ضد آرسنال اليوم.. موقف محمد صلاح    ترامب: أحرزنا تقدمًا في المحادثات مع الصين ونتجه نحو "إعادة ضبط شاملة" للعلاقات    صنع الله إبراهيم يمر بأزمة صحية.. والمثقفون يطالبون برعاية عاجلة    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    موعد مباراة برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني    إخلاء عقار من 5 طوابق فى طوخ بعد ظهور شروخ وتصدعات    ورثة محمود عبد العزيز يصدرون بيانًا تفصيليًا بشأن النزاع القانوني مع بوسي شلبي    انطلاق النسخة الثانية من دوري الشركات بمشاركة 24 فريقًا باستاد القاهرة الدولي    محاكمة متهمين بقتل طالب داخل مشاجرة بالزيتون| اليوم    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي وطريقة استخراجها مستعجل من المنزل    محافظة سوهاج تكشف حقيقة تعيين سائق نائباً لرئيس مركز    ضع راحتك في المقدمة وابتعد عن العشوائية.. حظ برج الجدي اليوم 11 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خَطِيئَة صِيَامِ العُقُول!

فى أيامٍ رمضانيةٍ خالية من طعم رمضان المُختمر بخميرةٍ مصريةِ اليقينِ والطعمِ والرائحة، يُصبح السعى لابتعاث الإنسانية فى النفوس غاية الساعين للإفطار على وطن، وفى وطنٍ مُبتلى بغياب مواطنه الفاعل، يَغْدُو إنشاد المسحراتى للتَنَبُّه فرضًا على أفئدة المؤمنين.
وفى الوطن المنشود تسليةٌ للصائمين عن زاد الهوان، والمتطلعين إلى إفطارٍ زادُه نتاج إدارة تعى أصالة الفأس الزارع، وسواعد ترى فى فأسها نيشان عزٍ شخصى وعِزة أُمَّه، وبحثًا عن عن أسبابٍ لتسلية صيامنا، تسوق إلينا وسائل إعلامٍ فائقة السرعة، تَوبَةً عَلَنِيَّة مدعومة بمقاطع مصورة للداعية السعودى (عائض القرني)، الذى يتبرأ فيها من مواقفٍ واجتهاداتٍ إسلامية أنتجها خلال الفترة الماضية، وبغير الوقوع فى خانة استثمار توبة (القرني)، فحسبنا ما راج إعلاميًا من معالجات لم تغادر تلك الخانة.
لكن تسلية العقول فى صيام أيامنا هذه يستوجب التوقف عند توبة الشيخ واعتذاره، حيث إن مُنْتَجَهُ لم يُسوَّق باعتباره مُنتَجًا إبداعيًا، بل تصدره عنوانٌ واضح (الإسلام وقضايا العصر)، و خطاب (من موَّحدٍ إلى مُلحد)، كان المُنتَج عبارة عن إعادة إنتاج خطاب فقهى قديم باعتبار أن عصرنة الخطاب كافية لإنتاج فقه العصر، والحقيقة أن هكذا حصر لفعل العقل لا يؤهله لترجمة الإيمان فعلًا ترقى به النفوس بما يؤهلها لإعمار الأرض.
بما أعلنه الشيخ القرنى صرنا أمام مراجعة لخطاب إسلامى ساد خلال العقود الماضية، وما ساد إلا نتيجة لفرض الصيام على العقل الإسلامى بعدما تسحر على زاد أعده آخر الأئمة المجتهدين أحمد بن حنبل الذى رحل عن دنيانا قبل (1199 عامًا)، ليست أبدًا القضية مُجرد استخدام للخطاب الديني، بل تتعداه إلى إشاعة تعطيل الاجتهاد الدينى بفرض الصيام العقلى فى مواجهة تقديس نِتاج الاجتهادى القديم. عبر قاعدة الإجماع التى رآها ابن تيمية باعتباره كان من مجتهدى عصره قال (وأما أقوال بعض الأئمة كالفقهاء الأربعة، وغيرهم، فليس حجة لازمة، ولا إجماعًا، باتفاق المسلمين)، وهو ما لخصه الإمام محمد أبو زهرة نهاية القرن الرابع عشر الهجرى حين قال (الإجماع هو اتفاق المجتهدين من الأمة الإسلامية فى عصر من العصور بعد النبى صلى الله عليه وسلم على حكم شرعى فى أمر من الأمور العملية).
لسنا فى مواجهة مجرد مراجعة لقيادة تنظيمية تقليدية، وخصوصية الشيخ (القرني)، وطبيعة خطابه الذى تصدر خلال عقدين من الزمان وأنتج أجيالًا من طيف الوعى الإسلامى التنظيمي، هذه الُمحَدِدات تجعل دائرة المَعْنيّ بالمراجعة أوسع من مجرد شخص (القرني)، فالحقيقة الصادمة أن من تشارك فى ربط الخطاب الإسلامى بتراث اجتهاد السلف يتجاوز مجرد شخصية مثل (القرني)، ومدارس الدعوة الإلكترونية والمطبوعة من قبلها خَرَجَّتْ (القرني) نجمًا لساحتها ولكنها مثلت زادًا لصُناعِ وعيها دُعاةً فى أوقاف الدول العربية والإسلامية.
فى مناخٍ عامٍ مشابهٍ لواقع مواطن زماننا وإدارته، عاش الإمام أبو حامد الغزالى كان ذلك بعد عقدين ونصف عقد من الزمان على رحيل آخر الأئمة الأربعة، وكانت الدولة الإسلامية على اتساعها تعايِن آفات التفتيت والتردي، حينها أنتج الإمام أبو حامد الغزالى كتابه (إحياء علوم الدين)، ظهر الكتاب فى نهايات القرن الخامس الهجرى باعتباره خطابًا إصلاحيًا متجردًا يسعى عبر عنوانٍ مباشر إلى تنبيه الوعى الجمعى بأهمية إحياء علوم الدين، كان خِطاب الغزالى مُتجاوزِاً اجتهاد مدارس الفقه التى لم تستطع البقاء رغم رحيل آخر الأئمة، وكان الغزالى فى استهدافه لعلوم الدين مُتجاِوزًا ما له علاقة بأى خلاف إلى إحداث وعيٍ عامٍ يرتقى بالإنسان ليستطيع البقاء فى مواجهة توحش مهددات البقاء، لم يكن خطاب الغزالى مُنحازًا بأى شكلٍ من الأشكال وإنما أنتجه يقين بأن دينُ الإنسان رابط شديد الخصوصية بينه وبين ربه وبالتالى لا يجوز أن ندعو مع الله أحدًا، وخرج خطاب الإحياء فى أربعة أرباع هى العادات والعبادات والمهلكات والمُنجيات، وجميعها مناطها الفؤاد ليسمو فتسمو معه الجوارح وترتقى رسالة الإعمار، كسر الغزالى بخطابه ما ساد من معارك حول مواطن اختلاف الفقهاء، وتجاوز فى منتجه أسطورة إجماع الجماعة، وقرر أن يحقق مقولة الشيخ أبو زهرة فى القرن العشرين، كان اجتهاد الغزالى البيان العملى لإبداع العالم فى صياغة رسالة الإنقاذ.
إن مُراجعة الشيخ (القرني) على مستواه الشخصى مردها إليه، وعلى المستوى العام مردها إلى القائمين على صناعة الشخصية الإسلامية وفى القلب منهم فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب وهو من رواد دروب الاجتهاد، فمَنّ سَوَّق وجوب صيام العقول أدرك خطيئة تعطيل أسمى نعم الله على بنى آدم، وبات على الأزهر الذى جاوز عمره الألف عام أن يُحيى علوم الدين التى تضمن تجريم صيام العقول.
لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.