منتيمير شاريبوف يعد بكل المقاييس أحد أبرز رجالات السياسة في روسيا وقبلها الاتحاد السوفييتي منذ إنتخابه رئيسا لمجلس السوفيت الأعلي في تتارستان في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. تولي قيادة تتارستان اعتبارا من يونيو 1991 بعد أن تدرج في مناصبها التنفيذية علي مدي عقود طويلة، ليظل رمزا للدولة والشعب بعد ان أُعيد انتخابه لثلاث فترات متوالية انتهت الاخيرة منها 2010. ورغم ان منتمير شاريبوفيتش شايمييف، أو بالعربية «منة الأمير شريف أوغلي شيخ محمد» كما خلصنا سوية الي الاصول التاريخية للاسم واللقب، والبالغ من العمر 82 عاما لا يشغل رسميا أي مناصب تنفيذية، فانه يظل في منصبه الذي اختاره له شعب تتارستان بوصفه «سكرتير الدولة»، وهو منصب فخري يمنحه الكثير من الامتيازات ويحفظ له وقاره ومكانته علي رأس الدولة، استنادا الي ما قدمه لروسيا وتتارستان من خدمات جليلة، وما لعبه من أدوار مؤثرة خلال تسعينيات القرن الماضي، ومطلع القرن الحالي. ولعلنا جميعا نذكر له الدور البالغ الاهمية الذي أسهم به في إنقاذ روسيا وتتارستان من مصير مشابه لما واجهته منطقة شمال القوقاز من اندلاع للحروب الدموية عقب الحركات الانفصالية التي عصفت بسلام واستقرار المنطقة كما شهدنا وتابعنا في الشيشان. الرئيس شايمييف اختار لبلاده ان تقنع بما حصلت عليه من اعلي مستويات وامتيازات الاستقلال الاقتصادي والحكم الذاتي الإداري، في الوقت نفسه الذي ارتضت فيه الاعتراف لروسيا بحقوقها السيادية في اطار الجمهورية الفيدرالية. استعان شايمييف بما تراكم لديه من خبرات في جهاز الدولة كوزير للزراعة من عام 1969-1989، وكرئيس للوزراء من 1985-1989، ثم كرئيس للسوفيت الأعلي لجمهورية تتارستان (البرلمان) من 1990-1991، للانطلاق في مسيرة مثمرة عادت علي بلاده بالكثير من الخير والاستقرار. كما توقف الرئيس شايمييف عند أهمية التركيز علي التنمية وتطوير اقتصاد تتارستان اعتمادا علي ما تملكه «جمهورية تتارستان ذات الحكم الذاتي» من ثروات نفطية ومعدنية وقدرات هائلة في مجالات الصناعة والزراعة وهو ما عاد عليها بخير وفير واستقرار مكين، وعلاقات طيبة مع المركز-اي موسكو التي سمحت له بالمشاركة في تحديد ملامح مصير الدولة الفيدرالية ومستقبلها، ليكون في صدارة القيادات السياسية التي أسهمت في التخفيف من وطأة ما حاق بروسيا من كوارث وسلبيات جراء ما اتخذه الرئيس الروسي الاسبق بوريس يلتسين من قرارات مأساوية اطاحت بوقار الدولة ومكانتها علي خريطة السياسة العالمية. انصرف الرئيس شايمييف الي ما هو أهم وأبقي، ولذا لم يكن غريبا ان يتقارب شايمييف مع يفجيني بريماكوف أحد أهم القيادات السياسية والاقتصادية لروسيا في عصرها الحديث، الذي كثيرا ما عرفته مصر والشرق العربي بوصفه من إهم السياسيين الذين خبروا منطقة الشرق الاوسط. نذكره وقد عاصر وعايش نهضتها إبان سنوات حكم الرئيس جمال عبد الناصر الذي اختاره ليكون بطلا لأول كتبه التي وضعها تحت عنوان «مصر في عهد عبد الناصر». ونذكره ايضا وقد تابع من موقعه كمراسل متجول من القاهرة في الشرق الاوسط لصحيفة «البرافدا» أهم الصحف السوفيتية والعالمية الكثير من مشاهد نكسة 1967. وعودة الي شايمييف نقول انه تعاون مع بريماكوف في تأسيس أحد أهم الأحزاب السياسية ( وطننا كل روسيا) الذي إسهم في مطلع القرن الجاري في وضع روسيا علي الطريق الصحيح دعما لبداية انطلاقة الرئيس الجديد فلاديمير بوتين، الذي حفظ لكليهما.. ما اسدياه من جميل وما ادياه من أدوار من أجل إنقاذ روسيا من كارثة كادت تبدو قريبة من تلك التي حاقت بالاتحاد السوفيتي السابق. التقينا الرئيس شايمييف الذي يعد عن حق حكيم عصره، علي هامش قمة قازان «روسيا العالم الاسلامي». كثير من الحميمية اتسمت بها كلماته وترحيبه بصديق ارتبط به علي مدي ما يزيد علي ربع القرن . اذكر لقاءاتنا المتكررة في قازان وفي موسكو . بل وفي القاهرة، حيث كنت مرافقا له مع الوفد الرسمي لجمهورية تتارستان بعد ان أصر علي ان يضمنا الي هذا الوفد كأحد أعضائه الرسميين وليس كصحفي مرافق، في اول زيارة يقوم بها الي مصر في عام 1997.أذكر الكثير من تفاصيل تلك الزيارة التي شهدت توقيع أول اتفاقية تآخ بين قازان ومحافظة المنوفية. ونذكر أيضا ما قد يكون خافيا عن الكثيرين من أبناء تتارستان حول نموذج مسجد «قول شريف» الذي تتزين به ساحات كرملين قازان كأثر تاريخي. اذكر ان الرئيس شايمييف، وقد طلب توقف الموكب عند مسجد النور. واستجاب المرافقون وطلب الرئيس شايمييف دخول المسجد وتفقده من الداخل. ولم تمر دقائق حتي طلب من السفير الدكتور رضا شحاتة سفير مصر في موسكو آنذاك ان يوفد الي تتارستان أحد المهندسين المصريين المشاركين في بناء هذا المسجد رغبة منه في ان يكون مسجدا "قول شريف" في قازان علي غرار مسجد النور. وذلك ما يفسر التشابه الكبير بين المسجدين، رغم ان قازان استعانت لاحقا بعدد آخر من المهندسين الاتراك للمشاركة في تصميم وتنفيذ بناء المسجد التاريخي الذي تفخر به اليوم تتارستان والذي جري افتتاحه رسميا في عام 2005. حديثنا عن حكيم روسيا وتتارستان منتيمير شايمييف لا ينقطع ، ومنه ما يتعلق باهمية التآخي بين الشعبين الذي كثيرا ما قال انهما شقيقان في التاريخ والعقيدة. وذلك بعض مما تطرق اليه ذلك اللقاء الذي جمعنا بعد الجلسة الافتتاحية لقمة قازان.