بالتأكيد لن يكون أمامها أى قضية تشغل تفكيرها مستقبلا سوى الحقد على المجتمع بكامله الذى عاقبها على جريمة ليست لها بها أى صلة سوى أنها كانت الضحية.. لن تكف عن التفكير, عندما تكبر وتغادر طفولتها البريئة, سوى فى الانتقام من المجتمع ثأرًا لنفسها من تلك المعاناة التى وجدت نفسها تعيش فيها وبدأت تشعر بها على الرغم من أن عمرها فى هذه الحياة, التى غرست مخالبها فى جسدها الضعيف ونهشت براءتها واعتصرت قسوتها جسدها الهش, لا يسمح لها بمثل هذه المشاعر.. فهى لم تتخط السنوات الثلاث, ومع ذلك بدأت طريقا مليئا بالأشواك يدمى قدميها!. طفلة صغيرة وجدت نفسها فجأة أنها تمثل خطرًا داهمًا لكل من يحيط بها.. أو بمعنى أصح لكل من تبقى من أهلها.. فالأم قد رحلت متأثرة بمرضها بالإيدز.. والأب يقضى عقوبة السجن بسبب جريمة ارتكبها بعد أن نقل إلى أمها المرض.. وشقيقان, لم يستطع عقلها حتى الآن اكتساب القدرة على تخزين صورتهما لتستعيدها وقت أن يجرفها الحنين إليهما, فقد تركاها وجرى ايداعهما دارًا للرعاية!. هى مأساة متجسدة فى صورة طفلة يحنو الكثيرون على أمثالها إلا هى .. فالجميع يتجنبها ويخشى الاقتراب منها.. حتى الجدة رفضت استقبالها بعد رحيل الأم بعد أن اكتشفت أن حفيدتها قد ورثت المرض اللعين عن أمها: كيف سأربى وباء فى منزلى , لتجد ابنة الثالثة من عمرها نفسها فى مفترق الطرق.. إما أن تصبح واحدة من أطفال كثر أسفل كبارى موطنها الإسكندرية .. أو فى حدائقها العامة إن وجدت.. أو فى مدخل إحدى عماراتها تحت الإنشاء.. أو مخازن محطات القطارات ضمن أكثر من 3 أو 4 ملايين طفل فرضت عليهم ظروف, ما كانت تسمي, أسرهم الإقامة الجبرية فى كل هذه المواقع دون أى ذنب اقترفوه ليمثلوا بؤرة تهديد لمجتمع أصبح فى غير حاجة للمزيد من أسباب تهديده!. ولأن سوء الحظ لا يدوم طويلًا.. ولأن الحياة قد تبتسم نادرًا وبصورة فجائية لمن تستعد لسحقه تماما أو سحله فى متاعبها فقد أنقذت وحدة التدخل السريع التابعة لمديرية التضامن الاجتماعى بالإسكندرية، طفلة الإيدز من مصيرها المجهول بعد أن أصبحت قصتها إحدى التريندات المكتسحة على صفحات وسائط التواصل الاجتماعى وتحديدًا فيس بوك!. يد الرحمة امتدت للطفلة المصابة وجرى ايداعها إحدى دور الرعاية لتقديم الرعاية اللازمة لها اجتماعيا ونفسيا وصحيا، ودعمها فى ظل الظروف القاسية التى واجهتها بالمستشفى التى كانت ترافق أمها فيها قبل وفاتها.. أما أخواها الطفلان الآخران لهذه الأسرة فقد نُقلا إلى إحدى دور الرعاية التابعة للمديرية ذاتها. ووفق الأوراق الرسمية فإن وحدة التدخل السريع التابعة لمديرية التضامن، قد تدخلت على إثر انتشار قصة الأسرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تبين أن كلا من الأم والابنة كانتا تعالجان من مرض الإيدز وأن الأم قد توفيت, بينما جرى علاج الابنة من بعض الأعراض الناتجة عن المرض، وتطلب الأمر خروجها من المستشفى بعد انتهاء فترة علاجها، قبل ايداعها فى دار رعاية متخصصة لرعايتها. ومثلما انتشرت قصة طفلة الإيدز على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعى فقد كان من الممكن أن تنتشر أيضًا قصتها بتفاصيل ونهاية مغايرة تمامًا إذ ربما تكون ضحية لجريمة قتل بعد اغتصابها داخل منزل مهجور، على يد طفلين لم تتجاوز أعمارهما ال13 عاما مثلما فعلا مع طفلة أخرى 6 سنوات تدعى أميرة ، التى تعد من أغرب الجرائم، حيث تتساءل كيف زين الشيطان للمتهمين، الطفلين ، استدراج جارتهما الطفلة، واغتصابها، وقتلها برقبة إزازة وفق اعتراف المتهم الأول فى أثناء مناقشته أمام رجال الشرطة والنيابة العامة، إذ قال بكل هدوء: أنا بتفرج على أفلام إباحية.. وكنت عايز أجرب اللى بشوفه.. اتفقت مع صديقى أن نجرب مع أميرة.. ولما خلصنا لقيتها بتصرخ.. ضربناها برقبة إزازة كانت موجودة.. بس ده كل اللى حصل. التفاصيل التى كشف عنها المتهمان، كانت صادمة، وسجلتها جهات التحقيق، وذكر المتهم الأول أسماء لعدد من المواقع الإباحية التى اعتاد مشاهدة تلك الأفلام من خلالها، وقرر تجربة تلك الأفعال مع الضحية.. لتستمر الأحاديث بين أهالى قرية أبو رواش ولا تنتهي.. فحكاية القتل والاغتصاب التى جمعت بين طرفى أطفال أعمارهما لا تتجاوز ال13 عاما، عديدة ..! هكذا فبأيدينا اعتدنا أن نخنق البراءة.. أن نئد الحلم.. أن نحطم الرمز.. أن نُشوّه الصورة.. أن نغتال الانتماء.. أن نغرس سكينا فى قلب الوطن.. أن نلصق القسوة والعنف بقلوب لا تزال خضراء دون أى ذنب..وبعدها أدمنا أن نجلد أنفسنا.. أن نتباكى على جيل مزقه الضياع.. أو أن ننعى اغترابه حتى داخل وطنه.!. فى النهاية لك يا أحلى اسم فى الوجود ولأطفالك الأبرياء السلامة دائمًا . لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش