تطور مرتقب في ملف "القائمة الوطنية"، هيئة الانتخابات تحسم الجدل اليوم    حوادث المدارس والحافز.. مشاهد تُعجل بنهاية "وزير التعليم" في الوزارة.. دراسة تحليلية.. بقلم:حافظ الشاعر    محافظ المنوفية يتفقد الموقف التنفيذي لعدد من مشروعات الخطة الاستثمارية لعام 2026/2025    وزير التعليم العالي يبحث سبل التعاون مع هيئة التعاون الدولي اليابانية    أنظمة غير مأهولة لأول مرة في مصر: «العقرب» ومسيرات بمدى 80 كيلومترا تتصدر ابتكارات العربية للتصنيع    لأول مرة، مصر تتسلم رئاسة مؤتمر الأطراف ال24 لاتفاقية حماية بيئة المتوسط من التلوث    الأمين العام لجامعة الدول العربية يفتتح أعمال قمة الذكاء الاصطناعي نحو المستقبل بتونس    محافظ المنوفية يتفقد مشروعات الرصف بمدينة الشهداء.. ويوجه بتشكيل لجنة لمراجعة خطط الطرق المستقبلية    الخطيب: نستهدف الوصول إلى حجم تجارة بين مجموعة D-8 إلى 500 مليار دولار في 2030    وزير الخارجية الألماني: مصر شريك استراتيجي في الشرق الأوسط ومعبر مهم نحو أفريقيا    الكرملين: لقاء بوتين وويتكوف خطوة مهمة نحو الحل السلمي للصراع في أوكرانيا    الجيش السودانى: أحبطنا هجوما جديدا للدعم السريع على مدينة بابنوسة    تريزيجيه قبل مواجهة الكويت: كأس العرب فرصة لإظهار قوة منتخب مصر    فيريرا يرد: إجراءات قانونية ضد تصريحات ميدو، والمدرب يوضح الحقيقة كاملة    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    تشكيل برشلونة المتوقع أمام أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني    سلوت يكشف موعد انضمام صلاح إلى منتخب مصر للمشاركة في كأس الأمم    ضبط عاطل بحوزته 3 لفافات من مخدر الهيدرو في فايد بالإسماعيلية    مساعد وزير الداخلية لقطاع الحماية المجتمعية: ندعم نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل نفسيا ونوفر لهم منظومة تعليمية    «الأرصاد»: أمطار على السواحل الشمالية الشرقية وتكاثر السحب    النيابة العامة: العثور على خلايا بشرية تخص المتهمين في ملابس أطفال مدرسة السلام    تحرير 701 محضر ضد أصحاب المخابز والمحال التجارية بالشرقية    Disney+ تكشف عن بوستر مسلسل "Made in Korea" استعدادًا لطرحه في ديسمبر    حسن بخيت يكتب عن: ما أحوجنا إلى التربية الأخلاقية    عبد الغفار يتابع مع محافظ البحيرة المشروعات الصحية والتوسع في الخدمات    مصطفى مدبولى يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال نوفمبر    تحرير (141) مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    وزارة الصحة وهيئة الدواء تحذران من الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية: خطر كبير    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام فولهام.. موقف مرموش    الفيشاوي وجميلة عوض يعودان للرومانسية في فيلمهما الجديد «حين يكتب الحب»    الاحتلال يفجر منزل أسير بنابلس ويقتحم بلدة برام الله.. وتحذيرات من تفاقم الأزمة بغزة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    تقرير سوري: 16 آلية عسكرية إسرائيلية تقيم حاجزا وتفتش المارة بريف القنطيرة    وزير الخارجية يؤكد على ضرورة تكاتف أبناء الوطن لدعم الاقتصاد الوطني    موعد مباراة مصر ونيجيريا المقبلة استعدادًا للكان    مواعيد مباريات الثلاثاء 2 ديسمبر - مصر تواجه الكويت.. وبرشلونة ضد أتلتيكو مدريد    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025    بسبب الشبورة المائية وأعمال الصيانة، ارتفاع تأخيرات القطارات على خط بورسعيد    راقصا أمام أنصاره.. مادورو يمد غصن زيتون لواشنطن    استقالة وزير الدفاع النيجيري وسط تفاقم الأزمة الأمنية    «وزير الري»: الدولة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    صحتك في خطوتك| فوائد المشي لإنقاص الوزن    أمينة عرفى ومحمد زكريا يضمنان الصدارة المصرية لتصنيف ناشئى الاسكواش    بدء تصويت الجالية المصرية في الأردن لليوم الثاني بالمرحلة الأولى    محافظ البحر الأحمر ووزيرا الثقافة والعمل يفتتحون قصر ثقافة الغردقة وتشغيله للسائحين لأول مرة    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    البديل الألماني يطرد عضوا من كتلة محلية بعد إلقائه خطابا بأسلوب يشبه أسلوب هتلر    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    أصل الحكاية | «تابوت عاشيت» تحفة جنائزية من الدولة الوسطى تكشف ملامح الفن الملكي المبكر    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    سر جوف الليل... لماذا يكون الدعاء فيه مستجاب؟    أصل الحكاية | أوزير وعقيدة التجدد.. رمز الخصوبة في الفن الجنائزي المصري    لغز صاحب "القناع الأسود" في قضية مدرسة سيدز الدولية وجهود أمنية مكثفة لضبطه    رئيس قضايا الدولة يؤكد تعزيز العمل القانوني والقضائي العربي المشترك | صور    لغز مقتل قاضي الرمل: هل انتحر حقاً المستشار سمير بدر أم أُسدل الستار على ضغوط خفية؟    أول ظهور لأرملة الراحل إسماعيل الليثى بعد تحطم سيارتها على تليفزيون اليوم السابع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة ثقة فى السودان
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 05 - 2019

قطع الشعب السودانى شوطا كبيرا نحو التغيير، وأكد قدرته على الصمود فى الشارع بحثا عن نظام يملك صيغة مبتكرة للحكم تطوى مرارات صفحة قاتمة، وتوفر متطلبات سياسية واقتصادية واجتماعية تحقق الأمن والاستقرار.. وصلت الحوارات التى تجريها قوى إعلان الحرية والتغيير مع المجلس العسكرى الانتقالى إلى طريق لم يستطع كل طرف تحقيق أهدافه كاملة، ما يفرض على الجانبين ابداء قدر من المرونة للتوصل إلى قواسم مشتركة محددة تكون حاكمة للفترة المقبلة، بموجبها يتسنى تجاوز مطبات السنوات الماضية، وما أدت إليه من تقليل فى معدل الثقة بين القوى السودانية.
وتبدو المخاوف حاضرة فى كثير من التحركات. كل طرف يخشى من تغول الآخر، ويريد الحصول على ضمانات تمكنه من عدم التعرض لخدع فى منتصف الطريق.. يعمل على تغليب الشكوك فى معظم الخطوات التى يتخذها هذا الطرف أو ذاك، فقد ترك الرئيس السابق عمر البشير إرثا خطيرا من فقدان الثقة بسبب المناورات التى كانت عنصرا رئيسيا خلال فترة حكمه، ومكنته من تفكيك جزء كبير فى النسيج السياسى والاجتماعى للسودان.. ذهب البشير بعيدا عن السلطة ولم تسعفه مراوغاته فى القضاء على القوى الحية فى البلاد.. وقع فى الأخطاء التقليدية التى يقع فيها كل حاكم يتصور أنه قادر على الامساك بجميع خيوط اللعبة، وفى النهاية اجتاحه طوفان المظاهرات، ولم تفلح آلته الأمنية وحيله السياسية فى تخطى العقبات، لكنها خلفت وراءها جبلا من الشكوك المتبادلة.
ظهرت معالم الهواجس فى الحصيلة المتدنية للمسودات التى قدمها تحالف الحرية والتغيير، المعبر عن المعتصمين فى الخرطوم، للمجلس العسكرى وردود الأخير عليها، أو العكس. ولم تجد غالبية الأفكار السياسية التى طرحت من هنا وهناك صدى إيجابيا من الطرف المقابل، ما كشف عن أن حسن النيات بات ضئيلا، والتفاهم عملية غاية فى الصعوبة.. ترى فئة كبيرة من المعتصمين أن المجلس الانتقالي، كممثل عن المؤسسة العسكرية والشرطية، يجب أن يتنحى بعيدا عن السلطة ولا يشارك فى الحكومة أو أى من السلطات التنفيذية والسيادية، ويصبح وجوده رمزيا، وفى حدود المهام الموكلة إليه وتتعلق بتوفير الأمن والدفاع عن البلاد، وكل دور يتجاوز ذلك يعنى هيمنة غير مطلوبة.
ولدى المتظاهرين موقف جازم من هذه المسألة ويتم التشديد عليه فى جميع المناقشات، لأنهم يخافون من إعادة إنتاج نظام البشير، فلا يزال هناك الكثير من العناصر الوفية له فى الجيش، بما جعل نتائج التجارب السابقة أشد حذرا فى التعامل مع المؤسسة العسكرية التى تمتلك أدوات متشعبة تمكنها، من وجهة نظر المعارضة، من الالتفاف على مطالب المتظاهرين، وربما إجهاض الأحلام التى تولدت للتخلص من الطبقة التى حكمتهم على مدى ثلاثة عقود، وتركت خلفها روافد فى الجهاز الإدارى للدولة، أو ما يسمى الدولة العميقة.
وتطغى على رؤية القيادات الفاعلة وسط المعتصمين تقديرات مسكونة بشكوك حول علاقة المجلس العسكرى بجهات خارجية، ويرون أنها تلعب دورا مؤثرا فى توجهات الجيش، مع أن هذه التدخلات، إن وجدت، تصب فى مصلحة المعتصمين، لأن الإشارات والتلميحات والتصريحات ذهبت إلى دوائر عربية معروف أن لها مواقف صارمة من الإرهاب والجماعات التى يتدثر بها، وهو ما يهدف إلى تجنب الوقوع فى فخاخ إسلامية سابقة. تم تسخير المخاوف بصورة زادت من الاحتقان فى صفوف المعتصمين، لأن هناك دوائر تريد إرباك قوى إعلان الحرية والتغيير، وتعميق الشقوق بينها والمجلس العسكرى الذى ينظر إليه بعض المتظاهرين على أنه لا يريد ديمقراطية للبلاد، وإن أرادها حاليا أو شدد عليها فى خطاباته السياسية سوف ينقلب عليها لاحقا.
ويدفع الشعب السودانى ثمنا باهظا لفترات خضع فيها للحكم العسكري، وكانت أكثرها قسوة الحقب الثلاث التى أحكم فيها البشير قبضته الأمنية، وأحدث فيها شرخا بين المواطنين وجيشهم الوطني، الأمر الذى ظهرت معالمه فى تعثر المفاوضات بين ممثلى الحرية والتغيير والمجلس الانتقالى وتأخر الوصول إلى المربع الذى يقود للتفاهم الشامل بينهما..
تمتد الخيوط القاتمة إلى المجلس العسكري، حيث لا يثق بشكل كامل فى قدرة قيادات المعتصمين على إدارة المرحلة الانتقالية بنزاهة وشفافية وديناميكية ليعبر السودان التحديات التى تواجهه ويصل لمرحلة الاستقرار التام، لأن المقومات العملية المطلوبة تنقصهم، والكفاءة والحنكة والحكمة لن تسعفهم، حيث تشكل تحالف المعارضة بسرعة ومن تجمعات مهنية وأحزاب سياسية متنوعة، بعضها لا يحمل ودا لآخرين، ما يعنى أن اللحمة الوطنية قد تتحجر أمام المصاعب.
كما أن الطيف الواسع قد يحوى بين صفوفه مندسين ومتآمرين على الثورة، وشخصيات لها مآرب فى التخريب. وليس من السهولة أن يسلم المجلس العسكرى إدارة جميع الأمور لقادة يفتقرون إلى الخبرة الكافية فى زمن تواجه فيه البلاد أزمات متراكمة فى الداخل ومع الخارج.
وتستند مخاوف المجلس العسكرى إلى عدم استبعاد قيام فئة سياسية للعمل على اختطاف الثورة ومنجزاتها، وتفويت الفرصة على المواطنين الذين تمنوا بناء دولة على أسس جديدة تضمن لهم الحرية والوحدة والأمن والاستقرار. ووسط التربص الظاهر من قبل حزب المؤتمر الوطنى وذيول الحركة الإسلامية من الممكن أن تحدث مفاجآت غير سارة تقضى على المكاسب التى تحققت من وراء عزل البشير، وتضع المجلس الانتقالى فى مأزق صعب، قد يفرض عليه خيارات قاسية.وتسبب عدم الثقة فى اقتناع المجلس العسكرى بأن الحكومة المدنية المتسرعة لن تستطيع مواجهة مشكلات تحتاج إلى قوة مادية ومعنوية، وقدرة على إدارة شبكة معقدة من العلاقات فى الخارج، ناهيك عن تسكين الخلافات مع الجهات الناقمة على التغيير، وتطويرها مع الدوائر المتفائلة بترسيم البوصلة الجديدة للسودان.
وإذا تجاوزت القوى السياسية والعسكرية محنة الثقة من الممكن حل الكثير من الأزمات، والتوصل إلى تفاهمات تزيل عقبات أدت إلى انسداد قنوات كانت قادرة على تحقيق الاستقرار، وتشكيل الحكومة، وتوفير الإدارة القوية للدفاع عن البلاد.
لمزيد من مقالات محمد أبوالفضل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.