* المشرف علي المشروع: نستهدف إنتاج 5 ملايين متر من النجيل الصناعي المعتمد من «الفيفا» * «الأهرام» تعيش مع العمال والمهندسين رحلة الإنتاج اليومية
مع أذان الفجر، يستيقظون علي صيحة واحدة: «حي علي التصنيع.. حي علي العمل»، الوقت لديهم يحسب بالدقيقة والثانية، من الثامنة صباحاً تجدهم يقفون بجوار ماكينات لا تهدأ علي مدى ال24 ساعة، يعملون بلا كلل أو ملل، وأمام خطوط إنتاج هذه الماكينات يقف العامل والمهندس من أغلي أولادنا، يعملون بهمة وحماس، يكسون الرمال بقطع من اللون الأخضر مكتوب عليها «صنع في مصر» من إنتاج مصنع «81 الحربي». علي بعد 50 كم من وسط العاصمة الصاخبة، وبالتحديد في منطقة شرق القاهرة، هناك عشرات العمال والفنيين والمهندسين يعملون كخلايا نحل بمصنع 81 الحربي- شركة هليوبوليس للصناعات الكيماوية، يسابقون الزمن من أجل إخراج 5 ملايين متر مربع من النجيل الصناعي المعتمد من الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» في العام الواحد. الحكاية بدأت منذ 3 سنوات عندما وقعت وزارتا الإنتاج الحربي والشباب والرياضة وشركتان أخريان بروتوكول تعاون لإنتاج النجيل الصناعي لملاعب كرة القدم الخماسية والكبيرة بمواصفات وجودة عالمية معتمدة ومطابقة للمواصفات الدولية. النجيل الصناعي كما يؤكد المهندس هيثم عبد الفتاح شلبي المشرف علي تنفيذه بمصنع 81 الحربي يعد الأول من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط رغم وجود 3 مصانع أخري في المنطقة، لكن الفكرة كما أوضحها المهندس هيثم أن مصانع النجيل الصناعي الموجودة في المنطقة إنتاجها غير مطابق للمواصفات العالمية وغير معتمد، هذا ما يميز المصنع المصري عن باقي المصانع الأخري. كان من اللافت للنظر أن جميع العاملين بالمشروع من المهندسين والفنيين والعمال والإداريين في أعمار الشباب، لا يتجاوزون ال40 عاما علي أقصي تقدير، حتي المهندس هيثم الذي استقبلنا والمشرف علي المشروع ملامح وجهه تشير إلي أنه مازال في منتصف العقد الثالث من العمر، وجميع العاملين بالمصنع يتمتعون بالفكر، وثقافة العمل لديهم ليست مجرد أداء وظيفي أو عدد ساعات يقضونها فقط، بل الموضوع لديهم أرقي وأكبر من ذلك، فهم يعملون بعقيدة الجهاد والمقاتل علي الجبهة، الذي لا يعترف إلا بخيار النصر، هذا المعني عكسته كلمات كل من تحدثنا معهم، الذين أكدوا أن هدفهم الرئيسي هوتحقيق الهدف الذي أنشئ من أجله المصنع وهو التصدير لجميع الدول الافريقية والعربية ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، وتوفير العملة الصعبة. واضاف المهندس هيثم شلبي أن جميع بلدان العالم تتجه في تحويل ملاعبها وحدائق الفيلات والقصور إلي النجيل الصناعي بسبب أزمة نقص المياه التي يعاني منها العالم وسيعاني منها أكثرخلال السنوات المقبلة، لهذا فكرت الدولة المصرية - ونفذت من خلال وزارة الإنتاج الحربي- في الدخول إلي عالم تصنيع النجيل الصناعي وغزو الأسواق العالمية، فمصر منذ فترة كانت تستورد النجيل الصناعي، لكن للأسف ما كان يتم استيراده لم يكن معتمدا أو مصنعا طبقاً للمعايير العالمية وبدون ضمان، لكن بعد تشغيل مصنع 81 الحربي، وإخراج أول إنتاجه في منتصف فبراير الماضي فإن الوضع سيختلف، فنحن في المصنع نستهدف إخراج 5 ملايين متر مربع من النجيل الصناعي في العام، منتجا مصحوبا بضمان 5 سنوات، خاماتنا مستوردة من ألمانيا الدولة الأولي عالمياً في تصنيع مستلزمات النجيل الصناعي، ايضا لدينا شركة تابعة لنا تقوم بتركيب النجيل وأعمال الصيانة، كل هذا غير متوافر في المنتج المستورد سواء العربي أو التركي، وأسعارنا لا تختلف كثيرا عن المستورد، ونظير الضمان نقدم خدمات ما بعد البيع. وفي زيارة الاهرام للمصنع وقعت أعيننا علي أول خط إنتاج كبير حيث ماكينات الغزل التي تعمل بمنتهي التناغم، تلك المرحلة التي شرحها لنا المهندس وائل عجاج مدير الإنتاج والتخطيط هي المرحلة التي يتم فيها غزل الخيوط المعتمدة من شركة ألمانية شهيرة في هذه الصناعة، فعملية الغزل تتم علي مرحلتين أو طبقتين، طبقة أولي سوداء وثانية بيضاء، ويتم ما يسمي بضبط عملية الخيط علي حسب طلب العميل من حيث طول الخيط والكثافة وعدد الغرز في المتر المربع الواحد. وعندما اقتربت من العاملين بالمصنع لمحت التحدي والتركيز في عيونهم،وأخذ محمد عبد اللطيف عامل الغزل والنسيج السابق والمشرف علي خط اللصق والتغليف حاليا يتحدث قائلا :نحن الآن في ثاني مراحل إنتاج النجيل الصناعي، مشيرا إلي أنه يوجد بالمصنع منذ السابعة صباحا برفقة فريق الماكينة التي يعملون عليها، حيث يقومون بتشغيلها وتحتاج الي ساعة كاملة قبل بدء عملية التشغيل، ثم يبدأون في تحضير «اللاتكس» أو مادة الغراء اللاصقة. محمد يشعرك في حديثه عن الماكينة التي يشرف عليها أنه يتحدث عن معشوقته، يتكلم بحب وفخر وانتماء غير عادي، ويفسر ذلك بأنه يشارك في إحداث تنمية صناعة وطنية، وأنه وزملاءه من الجيل الأول الذي افتتح المصنع، ولم ينس أن يشير إلي عبقرية وذكاء العامل المصري الذي استوعب كيفية تشغيل الماكينات الألمانية في 3 أسابيع فقط، حتي إن «الخواجة» كما يلقبونه عمال المصنع أبهره ذكاء العمال المصريين وتعلمهم السريع، وبدء تشغيل خطوط الإنتاج في مدة لم تتجاوز ال30 يوماً. محمد أشار الي ان ماكينة اللصق والتغليف بها 3 مراحل، الأولي هي مرحلة طلاء رول النجيل ب «اللاتكس» أو الغراء، ثم المرحلة الثانية وفيها تتم ما تسمي بعملية إنضاج المادة اللاصقة ونزع المياه، من داخل الرول وذلك عن طريق فرن به مرحلتان معروفتان باسم «الإنضاج والتجفيف»، والمرحلة الثالثة تتم فيها عملية التخريم، وفيها يتم ثقب الرول لإحداث فتحات خاصة لتصريف الخيط. أحمد يوسف أحد عمال الخط الثاني حاله لا تختلف كثيرا عن باقي عمال المصنع، ومبرره في هجر عمله السابق يكاد يكون نفس مبرر أغلبية العمال، أحمد كان يعمل بشركة ثلاجات «عرض»، لكنه عندما سمع عن طلب مصنع 81 الحربي عمالا تقدم أملا في الاستقرار الوظيفي والمادي ليس أكثر، ولم يكن يتوقع قبوله بالمصنع وكانت المفاجأة أنه بعد التحاقه بالعمل تغيرت كل مفاهيمه وطموحاته وكما يقول: «أنا الآن أعمل في المصنع الأول المعتمد لإنتاج النجيل الصناعي بإفريقيا والشرق الأوسط» وأكمل أحمد حديثه وسط عدد من زملائه قائلا : هنا أجد الاستقرار المادي والوظيفي حيث يوجد الطموح والحلم في الترقي وتعلم أشياء جديدة، واكتساب خبرات لم تكن موجودة لدينا، أنا عامل في مصنع وطني يصدر منتجا مصريا لكل إفريقيا والبلاد العربية، وكما تشاهد نحن نعمل كخلايا النحل ، والتقط اطراف الحديث زميله قائلا لا مجال بيننا لكلمة «أنا»، الجميع يعمل تحت كلمة «نحن»، فمثلا وظيفتي هي مراجعة غرز الخيط غير السليمة والتعليم عليها باللون الأحمر، ومهمتي تبدو بسيطة وصغيرة، لكن بدونها يمكن أن يخرج المنتج به الكثير من عيوب التصنيع التي تجعل إدارة المبيعات والتسويق تبيعه بأسعار أقل من ثمنه الحقيقي لأنه منتج به عيوب. أحد المهندسين بمعمل الجودة المرحلة الأخيرة كما يقول المهندس أحمد عبد القادر مدير الصيانة، هي مرحلة التغليف، تلك المرحلة يتم فيها تغليف «الرول» ولفه علي عمود من الكرتون، وطباعة كارت الصنف الذي يكون مدونا عليه جميع بيانات «الرول»، لكن قبل المرحلة الأخيرة توجد مرحلة ملازمة لجميع مراحل الإنتاج، ويطلق عليها «الجودة»، تلك المرحلة يتم فيها اختبار جميع المواد علي حسب كلام المهندس أحمد البنداري مهندس الاختبار والجودة : نحن نتعامل مع منتجنا مثل قطع «الألماس»، فيجب أن يكون كل جزء فيه معتمدا ومختوما، بداية من استقبال المواد الخام الداخلة في مركب التصنيع واختبار جودتها مرورا بجميع مراحل التصنيع من حيث اختبار قوة تحمل الخيط والغرز ودرجة الحرارة القصوي التي يتحملها النجيل الصناعي، وعمليات الشد والجذب للخيط، واختبار البكتيريا، ومواد اللصق، ودرجة اللزوجة، وبعد ذلك نأخذ عينة من المنتج النهائي ونضعه في فرن درجة حرارته 120 درجة مئوية حتي نشاهد ما إذا كان متحملا درجة الحرارة المعتمدة من الشركة العالمية. ماكينة الغزل
بويان سبوت المدير الصربى: العامل المصرى متعطش إلى النجاح «العامل المصري متعطش إلي النجاح».. هذا الوصف الدقيق والمثير إطلقه المدير الصربي « بويان سبوت» عن العامل المصري بمصنع 81 الحربي، سبوت الذي تصل خبرته إلى 25 عاما في مجال الغزل والنسيج وصناعة النجيل الصناعي ونقل تكنولوجيا الملاعب الرياضية من كبري الشركات العالمية، بدأ حديثه قائلا: عملت في كثير من الدول الاوروبية والعربية فلم اجد مثل العامل المصري، والذي أشعر منذ اللحظة الأولي بتعطشه إلي النجاح، فهو يعمل تحت أي ظرف ويتأقلم سريعا مع أي وضع، لديه قدرة غريبة علي هضم المعلومات، لتجده بعد فترة بدأ يفكر في التطوير، ليبدأ في التعديل علي أصحاب الماكينات، فقد كان تشغيل خط الانتاج بعد شهر واحد من تدريبهم وأن يستقر الإنتاج علي مدي الورديات الثلاث مفاجأة غير متوقعة من العمال المصريين خاصة انه لم يكن لديهم سابق خبرة في مجال صناعة النجيل الصناعي، كما لاحظت أن المهندسين والعمال لديهم روح جميلة فجميعهم يعملون بروح الاسرة وفريق العمل الواحد. وأضاف المدير الأجنبي قائلا : كل هذه المقومات والمميزات ستجعل مصنع 81 الحربي هو الأكبر وربما يتضخم خلال السنوات المقبلة، وأتوقع له أن يحتكر سوق النجيل الصناعي بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وذلك لجودة منتجه وسعره التنافسي نظير الخدمات التي يقدمها بعد بيع المنتج، فمصر الوحيدة في هذه المنطقة التي لديها مصنع للنجيل الصناعي معتمد من الفيفا ويمنح شهادة ضمان خمس سنوات، كما أنكم في هذا البلد تملكون القدرة والكفاءة علي تطوير المنتجات التي تتلاءم مع احتياجات السوق وفقا لاشتراطات الفيفا، وما لامسته في مصر منذ قدومي علي جميع المستويات أكد لي أنكم تريدون أن تفعلوا شيئا، وأنكم تصرون علي تحويل بلدكم إلي دولة رائدة صناعية.