لا يمكن للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن يحظى بفرصة ولاية ثانية فى البيت الأبيض ما لم يتمكن من ربح معركة خارجية مهمة، تعزز فرصته الصعبة وسط الحملات الشرسة والمتواصلة التى تلاحقه منذ إعلان فوزه المفاجئ على هيلارى كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي، فالرئيس الذى لم يتوقف عن قرع طبول الحرب منذ اعتلائه سدة الرئاسة أصبح الآن مجبرا على خوض الحرب، ولن تكون مجرد حرب اقتصادية، لأن ترامب استنفد كل ما فى جعبة الولاياتالمتحدة من عقوبات وحروب تجارية واقتصادية، حتى ظهرت آثارها السلبية على الاقتصاد الأمريكي، بل إن هذا الإفراط بدأ يدفع الدول إلى رفض مشاركة الولاياتالمتحدة فى فرض العقوبات، وإذا اتسع هذا التمرد فلن يكون لسلاح العقوبات الأمريكى تأثير كبير، لتفقد الولاياتالمتحدة أحد أهم عناصر قوتها. أمام ترامب ساحة عريضة للمعارك بعرض الكرة الأرضية، من كوريا الشمالية إلى القرم وأوكرانيا مرورا بإيرانوالعراقوسوريا وحتى فنزويلا، لكن ليست جميعها سهلة، فهناك معارك سبق أن جربتها الولاياتالمتحدة وخرجت منها مكسورة وخاسرة، مثل الحرب الكورية التى اندلعت عام 1950، واستمرت 3 سنوات وخلفت نحو مليون و200 ألف قتيل من جميع الأطراف، وقبل أن تتسلح كوريا الشمالية بالقنابل النووية، وراهن ترامب على إقناع رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون بأن يتخلى عن السلاح النووي، وعقد جولتين من المباحثات، وأعلن نجاحه المبكر، لكنه سرعان ما انقلب إلى فشل ذريع، عندما طلب الرئيس الكورى عدم إرسال وزير الخارجية الأمريكى للمباحثات مجددا، وشرع فى استئناف تجارب تطوير الصواريخ. كما جربت الولاياتالمتحدة غزو العراق بعد هزيمته فى حرب الكويت، وفرض حصار قاس عليه، وتجريده من صواريخه، ومع ذلك لم تصمد القوات الأمريكية الغازية فى العراق طويلا، وأصبحت حرب العراق نموذجا للحرب الخاسرة، والتى انتقدها ترامب كثيرا فى أثناء حملته الانتخابية لتكبيدها الولاياتالمتحدة خسائر بلغت نحو 3 تريليونات دولار، لكن القوات الأمريكية عادت إلى العراق تحت غطاء المشاركة فى تحريره من جماعة داعش الإرهابية، وتريد أن تبقى فى العراق من باب الصداقة وليس الاحتلال، وأن تنافس إيران فى حجم النفوذ والتأثير، لكن الإعلام الأوروبى والأمريكى يحلو له مقارنة زيارة ترامب للعراق منذ أربعة أشهر مع زيارة الرئيس الإيرانى حسن روحانى بعدها بأسبوعين، فزيارة ترامب جرت سرا تحت جنح الظلام، ونزل فى قاعدة عسكرية أمريكية فى الصحراء، ورفض قادة العراق اللقاء معه فى القاعدة، وعاد دون لقاء مسئول واحد، بينما استمرت زيارة روحانى لثلاثة أيام التقى فيها معظم الشخصيات السياسية العراقية، وعقد الكثير من اتفاقيات التعاون. أما العودة إلى سوريا فهى تذكر الجميع بمأساة يصعب تكرارها أو إعادة جمع المشاركين فيها، كما أن مجرد تفكير إدارة ترامب فى تسخين الساحة الأوكرانية لمنازلة روسيا هناك فهى مقامرة جنونية. هناك معركتان يصعب على الولاياتالمتحدة أن تتجنبهما، الأولى مع إيران التى لم تكف عن الصدام مع الولاياتالمتحدة طوال 40 عاما، وهى الآن منتشية بما حققته من انتصارات إلى جانب سورياوالعراق فى الحرب على الإرهاب، والتى لا تكف عن استعراض قدراتها الصاروخية وتصنيع الكثير من المعدات العسكرية، إلى جانب برنامجها النووى الذى يمكن أن يتحول من السلمى إلى الحربى بسرعة فائقة، وأعلنت الولاياتالمتحدة بدء المرحلة الأخيرة من الحرب الاقتصادية مع إيران، بهدف منعها من تصدير النفط والغاز تماما، وهى خطوة خطيرة قد تؤدى إلى اشتعال حرب عسكرية إذا عرفت الطريق إلى التنفيذ، لأنها تعنى اختناق إيران، وبالتالى يمكن أن تغلق مضيق هرمز، ليصبح الصدام العسكرى مع أمريكا لا مفر منه، وهو ما لا تريده لا إيران ولا الولاياتالمتحدة ولا دول المنطقة التى يمكن أن يضربها الحريق الهائل الناجم عن الصدام العسكرى فى تلك البقعة الخطيرة، ولهذا سيكون من مصلحة الطرفين تجاهل خرق الدول لهذا الحظر، وقد أعلنت كل من الصين وتركيا والعراق عدم الالتزام إلى جانب الاتحاد الأوروبي، وبالتالى ستكون النتيجة تراجعا فى الصادرات النفطية الإيرانية وليس منعها، وهو ما يمكن أن تحتمله إيران لفترة طويلة، خاصة أنها اعتادت العقوبات والحصار. أما المعركة الثانية والتى تقترب فيها ساعة الصفر فهى الحرب على فنزويلا، والتى اجتازت الحصار والعقوبات القاسية والتى بلغت حد تخريب محطات إنتاج الكهرباء ومياه الشرب، ومع ذلك لم تسقط حكومة مادورو، ولا يمكن لإدارة ترامب المتحفزة أن تصمت طويلا على تمرد فنزويلا فى حديقتها الخلفية، خاصة أن الوقت ليس فى مصلحتها، لأن دولا مثل الصينوروسيا وحتى إيران تقدم الدعم لحكومة مادورو بل تنشئ صناعات تجعلها أكثر قدرة على تحمل الحصار. هناك معركة ثالثة يسميها ترامب صفقة القرن، يعتزم تفجيرها بعد عيد الفطر المبارك، فى ظل مخاوف من أن يواصل ترامب عطاياه لإسرائيل على حساب الحقوق العربية والفلسطينية، مستغلا حالة الانقسام العربى غير المسبوق، لكن ترامب وصقور إدارته لن يجدوا الأرض العربية ممهدة لصفقة القرن، التى قد تتحول إلى لغم يدمر مخططات ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبالتالى تصبح عقبة جديدة فى طريقه الصعب إلى ولاية جديدة فى البيت الأبيض. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد