يدرك قادة الولاياتالمتحدة مدى خطورة نشوب حرب عالمية أطرافها تمتلك ترسانة نووية قادرك على إفناء البشرية، وأن أى دولة لا يمكن أن تقبل الهزيمة والاستسلام وبأيديها سلاح نووي، وهذا يعنى استحالة النصر، لكن لا يعنى استحالة الفناء، فالولاياتالمتحدة تتوجه إما طوعا أو كرها نحو المزيد من الصدامات والحروب، وكان خطاب الرئيس الأمريكى ترامب فى مقر الأممالمتحدة مليئا بعبارات التهديد، وأقرب إلى إعلان حرب، حتى إن وزير الخارجية الكورى الشمالى قال إن الولاياتالمتحدة أعلنت الحرب علينا، ومن حقنا إسقاط أى طائرة أمريكية خارج مجالنا الجوى، وهو ما أثار مخاوف واشنطن التى سارعت إلى نفى أن يكون خطاب ترامب إعلان حرب على كوريا الشمالية. هكذا يمكن لكلمة أن تشعل شرارة الحرب، بل ستكون الحرب حتمية لو استمرت الولاياتالمتحدة فى دفع كوريا الشمالية إلى خيار الحرب تحت وطأة عقوبات اقتصادية لا يمكن أن تتحملها، فليس من الحكمة حصار نمر فى الزاوية ليس له مخالب نووية فقط بل قنبلة هيدروجينية قوتها التدميرية تبلغ ألفى مرة قوة القنبلة الأمريكية التى دمرت هيروشيما فى الحرب العالمية الثانية. لم تقتصر التهديدات الأمريكية المباشرة على كوريا الشمالية، بل شملت إيران وفنزويلا مرورا بكوبا، لكن ترامب تجنب التهديد المباشر للصين وروسيا، رغم أنهما على رأس قائمة الاستهداف لتهديدهما العرش الأمريكي، ولهذا لا يمكن للولايات المتحدة أن تتعايش مع أى منهما، فالصين تمثل التهديد الاقتصادى، وروسيا تمثل التهديد العسكرى والسياسي. ويأتى التوسع الأمريكى فى إنتاج قنابل نووية تكتيكية صغيرة، ليشكل أكبر تهديد بنشوب حرب نووية، لأن هذه القنابل منتجة للاستخدام وليس للردع، فهى قادرة على تدمير كامل لمواقع صغيرة، مثل أماكن إخفاء الصواريخ النووية والمبانى المحصنة تحت الأرض، المخصصة لغرف القيادة والعمليات وغيرها من المواقع الاستراتيجية شديدة التحصين، لكن ما الذى يضمن أن الطرف الآخر تم تجريده من القدرة على الرد؟ وما الذى يدفع العالم إلى حافة حرب من هذا النوع الخطير؟. تدرك واشنطن أن الوقت لن يطول حتى تفقد عرشها على اقتصاد العالم، وبالتالى ستتقلص قوتها العسكرية، لتصبح مثل باقى الدول العظمي، وهو ما لا يمكن للولايات المتحدة أن تقبل به بعد نحو 7 عقود من تربعها على القمة، وعندما مرت بالأزمة الاقتصادية فى الثمانينيات لم تتمكن من إصلاح العطب وتجاوز الأزمة، ولجأت إلى المسكنات، لكن لا يبدو أن الأزمة قابلة للعلاج التقليدي، وعندما جربت غزو أفغانستانوالعراق لتسيطر على مناطق إنتاج النفط، وتطويق أو تطويع روسيا والصين وإيران لم تحقق سوى المزيد من الخسائر الاقتصادية والعسكرية، فلجأت إلى الحروب بالوكالة فى مأساة الربيع العربى، ولم تتمكن أيضا من تحقيق أهدافها، رغم الفاتورة الضخمة من الضحايا والدمار، ورغم أنها لم تدفع من أموالها أو دماء جنودها، لكنها فقدت الكثير من هيبتها، بينما زادت ثقة خصومها. انعكست الأزمة الأمريكية على نخبتها السياسية، واهتزت ثقة الشعب الأمريكى فى نخبته، لهذا سقطت هيلارى كلينتون وجاء دونالد ترامب الشعبوي، لكنه كان بمثابة اختيار مريض للتدواى بالسحر والشعوذة بعد أن فقد الثقة بالأطباء التقليديين، فاليمين العنصرى لا يمكن أن يقدم علاجا، إنما تعبير يائس عن جماهير فقدت الثقة بالنخبة الرأسمالية ، ولهذا نجد ترامب متخبطا كمن يحاول إجراء جراحة لمريض فى غرفة العمليات، وهو لا يعرف كيف يمسك بمشرط الجراحة، فليس لديه فكرة عما يمكن أن يفعله، ولا قادرا على التنبؤ بما قد يفعله. يدرك الأمريكيون من مختلف المستويات أن ترامب لا يمكنه فعل شيء، وأن بيع الكثير من السلاح لا يكفى لسد الفجوة الواسعة فى الاقتصاد الأمريكى، لكن لا يبدو أن أطراف الحكم لديهم مجرد تصور عن سبيل الخروج من الأزمة والاحتفاظ بعرش يزداد ترنحه بمضى الوقت. إسرائيل لا تكف أيضا عن الكلام عن حرب لبنان الثالثة المقبلة، وكأنها حتمية، ويجرى تهيئة الرأى العام الإسرائيلى لها، لأنها قد تجرى لأول مرة داخل إسرائيل، مع تعاظم القدرات القتالية والتسليحية لحزب الله اللبناني، وخبراته المتراكمة فى الحرب السورية، وقدرته على اقتحام المدن، ولهذا أجرى الجيش الإسرائيلى أضخم مناورة منذ نحو 19 عاما، شملت تدريبات لتحرير مستوطنات سيطر عليها حزب الله. تشعر إسرائيل بأزمة مشابهة لأمريكا، فهى لا يمكن أن تتعايش مع التهديد القادم من إيران، التى بإمكانها إطلاق الصواريخ عليها من كهوف محصنة ومنتشرة فى جبالها، كما لا يمكنها احتمال استمرار وجود حزب الله اللبنانى على حدودها الشمالية، خاصة أنها انسحبت أمامه من لبنان عام 2000، وعجزت عن هزيمته فى حرب استمرت 37 يوما عام 2006، وفشلت داعش والنصرة وباقى الجماعات التكفيرية فى إسقاط سوريا وبالتالى لبنان، وهو ما زاد من مخاوف قادة إسرائيل باندلاع حرب على أراضيها، لتكون الهزيمة التى قال عنها بن جوريون إنها ستكون الهزيمة الأولى والأخيرة. هكذا تتحول كوابيس الولاياتالمتحدة وإسرائيل إلى حروب لا تكاد تتوقف، وفى كل مرة تجرف الكثير من البشر والحجر، ورغم أن الدماء والدمار الذى خلفته داعش والنصرة وباقى الجماعات التكفيرية مازال شاهدا على حجم المأساة، يجرى تفجير أزمة جديدة باستخدام أكراد العراق، ربما نتلوها حروب وحرائق أخرى قد تجلب الأمن والطمأنينة للولايات المتحدة وإسرائيل. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد