«البتاو» و«العيش الشمسى».. أقدم نوعين من الخبز فى العالم شم النسيم هو مناسبة سنوية للتركيز على الفسيخ ما بين عشاق لهذه الأكلة المصرية التراثية وما بين كارهين و«قرفانين» ومحذرين من خطورته على الصحة ولكن ان كان الفسيخ قد صمد عبر التاريخ فللأسف اندثرت العديد من الاكلات المصرية التراثية واخرى فى سبيلها للاندثار لعدم وجود اى مشروع قومى لتوثيق وتسجيل واحياء الاكلات المصرية التراثية فكثيرون لا يعرفون ان لدينا فى مصر أقدم نوعين من الخبز فى العالم هما البتاو فى الدلتا والعيش الشمسى فى الصعيد ولدينا ايضا أقدم ثلاث اكلات فى العالم وهى الفول المدمس والبصارة والفلافل. وفى الوقت الذى تتسابق فيه دول العالم لتسجيل آكلاتها التراثية مثل البيتزا الايطالية او السوشى اليابانى او الطاجين المغربى ومحاولة إسرائيلية للسطو على الفلافل الشامية المصنوعة من الحمص مازالت الآكلات المصرية خارج التصنيف. الدكتور خالد عزب رئيس قطاع المتاحف والباحث التاريخى له جهد واضح فى الدعوة الى تسجيل وتوثيق الطعام المصرى عبر التاريخ وتسجيل اكلات محددة باسم مصر بما يساعد على حفظها ومنعها من الانقراض وله عدة كتب صادرة فى هذا الشأن، يقول د.عزب نحن نتعامل مع الآثار عن الثقافة واعتبرنا ان التراث هو الاثار المادية فقط وأغفلنا التراث الثقافى والطعام مكون رئيسى لهذا التراث ولم يتم استغلاله الى اليوم، ففى مصر الى جانب الفسيخ لدينا آكلات متعددة يمكن توثيقها وتسويقها عالميا والاستفادة منها بمردود سياحى كبير، فلا يعرف كثيرون ان مصر بها أكثر من 300 نوع من الخبز بما يفوق المطبخ الدنماركى المسجل بانه أغنى المطابخ العالمية فى المخبوزات. فالخبز المصرى اكثر تنوعا لكن ما حدث اننا اهملنا التعامل مع ربة المنزل التى تصنع الخبز فى بيتها ولم نعتبر عمل المرأة فى البيت عملا حقيقيا ودعامة اقتصادية للبيت والدولة فتوقفت الفلاحات عن انتاج الخبز واندثر معظم الانواع. ويضيف د.عزب: تعدد أشكال الخبز وأنواعه فى مصر القديمة، جعلت منه حقلاً واسعاً للعديد من الدراسات وإن كانت بعض الأنواع ما زالت تصنع فى ريف مصر بالدلتا اليوم وفى صعيد مصر، بل إن بعض أسماء هذه الأنواع ما زالت تستخدم حتى اليوم، مثل خبز البتاو واصلها بات أو باتو، أى الخبز الطازج وخبز «البكاكيم» فى شمال الدلتا، واما الفول فهو ليس فقط طعام المصريين الرئيسى ولكنه جزء من تراثهم تماما مثل المعابد الفرعونية والتماثيل الاثرية فقد أبدع المصرى القديم فى استخدم الفول وطور منه عدة اصناف من الطعام مثل المدمس والبصارة والنابت والفلافل، وعلى عكس ما يتصور كثيرون فالكشرى الذى يتربع على مائدة المصريين جنبا الى جنب مع الفول ليس مصريا خالصا بل ظهر فى مصر مع الحرب العالمية التانية وكان طعام الجنود الهنود فى معسكرات الجيش الانجليزى والكلمة تعنى «ملخبط» وكان الجنود الهنود يضيفون الارز الى المكرونة التى يحصلون عليها من بواقى طعام الجنود الانجليز ويتناولونها «ملخبطة» فأخذها عنهم المصريون العاملون فى المعسكرات واضافوا اللمسة المصرية وهى «الدقة والصلصة» واصبحت أكلة مصرية من اصل هندي. اما الكشرى المصرى الاصيل فهو الكشرى الاصفر المكون من الارز والعدس ويلفت نظرنا د.عزب الى وجود نوعين منه فاذا زاد الارز عن العدس يؤكل مع السمك كما فى بلدان شرق الدلتا اما لو زاد العدس كما فى منطقة غرب الدلتا يؤكل معه البيض والبطاطس. يدعو د. خالد عزب الباحث التاريخى البارز الى الاهتمام بتوثيق الطعام المصرى وتسجيله عالميا لان ذلك يعنى ببساطة تصدير عمالة الى الخارج ومواد خام لتصنيع الطعام المصرى فى الخارج مثل البيتزا الايطالية تماما وفى نفس الوقت الترويج السياحى لمصر وللطعام المصرى كجزء من الهوية الثقافية لمصر. يطرح د. خالد فكرة مهمة وجديرة بالنظر هو ان يتم إفتتاح مطعم فرعونى داخل المتحف المصرى الكبير تعتمد فكرته على ان السائح بعد انتهاء زيارته يتناول طعاما فرعونيا ويمكننا بسهولة إعادة احياء الآكلات الفرعونية فاغلبها موجود فى المخطوطات القديمة.