عفوا زميلى المصحح وعزيزى القارئ، أرجو ألا تتصور أن «شم ونس ايمي» أو «هون شوم» نتيجة خطأ مطبعى أو أن فيروسا ضرب حاسبى الشخصى كالعادة!! أو أن «ونيس» محمد صبحى، أو إيمى سمير غانم أو «هون» أمى أو «شومة» حسب الله زوج سفاحة الإسكندرية، قفزوا من حيث لا أدرى ليغيبوا عقلى عندما بدأت كتابة هذه السطور!! الموضوع وما فيه أننى على سبيل التجديد ومن منطلق أن العرق يمد لسابع جد، وفى حالتنا نحن المصريون يمد لما هو ابعد من مينا موحد القطرين، قررت أن أهنئك على طريقة ستى «حتشبسوت»!.. فالأيام الأخيرة فى هذا الشهر لها عبق خاص، يسلمنا فيه الواحد للآخر وكأنه يذكرنا بحلقات تاريخنا المتصلة.. فمن ليلة النصف من شعبان لأحد الزعف، لذكرى تحرير سيناء، لعيد القيامة وشم النسيم، ومن بعدهم يهل علينا رمضان بكل ما يحمله من روحانيات وعادات، باتت جزءا من كل بيوت المحروسة بغض النظر عن الملة، يستدعى كل ما تختزنه الجينات المصرية من حالة استمرارية وتواصل، أظننا جميعا فى حاجة لاسترجاعها.. يحكى المؤرخون عن احتفال المصريين بشم النسيم منذ ما يعرُف بعصر ما قبل الأسرات،فلقد اعتقد الأجداد أن اليوم الذى يتساوى فيه الليل والنهار ويبدأ فيه فصل الربيع فعليا هو أول الزمان، فاتخذوه رمزا للبعث وتجدد الحياة. ولقد وثقت الرسوم على جدران المعابد المصرية الاحتفاليات التى شارك فيها الملوك والأمراء وكانت تتزين فيه الفتيات بزهور الربيع وبالملابس الجديدة ويرقصن على أنغام الهارب والطبلة. ويحكى «هيرودوت» عن خروج المصريين للطبيعة للاحتفال بشم النسيم والتنزه فى الحقول فى كل أقاليم مصر القديمة وعواصمها. وبعد أكثر من عشرين قرنا من الزمان، وصف المستشرق الإنجليزى «إدوارد وليم لين» الذى زار القاهرة عام «1834م»، احتفال المصريين بهذا العيد بقوله: «يُبَكِّرون بالذهاب إلى الريف المجاور، راكبين أو راجلين، ويتنزهون فى النيل، ويتجهون إلى الشمال على العموم؛ ليتَنَسَّموا النسيم، أو كما يقولون ليشموا النسيم. وهم يعتقدون أن النسيم فى ذلك اليوم - ذو تأثير مفيد، ويتناول أكثرهم الغذاء فى الريف أو فى النيل». ويعود أصل تسمية عيد الربيع بشم النسيم للكلمة المصرية القديمة «شمو». وفى أوراق الأثرى د. «حجاجى إبراهيم» ما يشير إلى أن اللفظ الصحيح بالمصرية القديمة هو «شم ونس ايمى» وأن حرف الشين الذى كان يكتبه المصرى القديم على شكل مستطيل ويضيف له أرجل يعنى أخرج، وأن «نس» معناها نادى و«اى» معناها الزهرة ، و«مى» الأخيرة معناها تريض أو تنزه، أى أن مجمل هذه الحروف يعنى «اخرج نادى على الزهرة وتنزه» أما فى اللغة القبطية فينطق «شم النسيم» «هون شوم » وشوم معناها بستان وبالتالى فإن «هون شوم» تعنى» شم الربيع». ومع التحول للغة العربية تم تحوير الكلمة لتصبح شم وأضيفت لها كلمة النسيم للتعبير عن اعتدال الجو. ولقد ارتبط الاحتفال «بشمو» أو بفصل النماء بالأرض المصرية بمعتقدات المصرى القديم الذى حرص أن يصنع فى شم النسيم مائدة من أطعمة لها رمزية خاصة ودلالة بعينها. فالبيض يرمزً لبداية الحياة واستمرارها وللتكاثر، فكان تناوله وتزينه بالدعاء وتثبيته فى شرفات المنازل وعلى أغصان الأشجار أحد الشعائر المقدسة، كذلك فإن للسمك والملح دلالة مقدسة فى الأديان عموما والموروث الشعبى المصرى تحديدا.وكان المصريون يضعون البصل تحت رؤوسهم ليلة شم النسيم ويتناولونه صبيحته اعتقادا منهم أن رائحته النفاذة تطرد الأرواح الشريرة. وفى صباح شم النسيم يهرعون للنيل ليغتسلوا ويتنسموا الهواء كأنهم يتخلصون من الأعباء ومن ليالى الشتاء القاسية. بقى أن تعرف عزيزى القارئ أن الخس والحلبة والحمص الأخضر الملانة - والترمس الذى حرص أجداد امتلكوا « سلة غذاء العالم»، أن تزين موائدهم فى شم النسيم، أثبت العلم فوائدها لتقليل التأكسد وزيادة الخصوبة والعلاج .. وكل «شم ونس ايمى» «شم نسيم» وأنتم طيبون . لمزيد من مقالات سناء صليحة