سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور حجاجى إبراهيم رئيس الجمعية العربية للمحافظة على التراث: المصرى يتكلم بلسان هيروغليفى - قبطى - عربى - يونانى - تركى
البصل عند المصرى القديم كان لطرد الأرواح الشريرة وتميمة للتفاؤل
حينما نعيش فى زمن الجهل والظلام المعرفى وتجد من يكفرك ليل نهار ويحرمك من أن تهنئ إخوانك وشركاءك فى الوطن والأرض بعيدهم وتحاصرك لعنات شيوخ الفتاوى وفضائيات المتاجرة بالدين فى كل شىء من أول حرمانية أن تقول لجارك المسيحى الذى يعيش بجوارك تحتمى به ويحتمى بك ويفرح ويحزن كل منكما من تصاريف القدر وشئون الحياة فتأتى الصحبة والعشرة والونسة التى تعين كل منكما على تقلبات حياته ومعيشته أن تقول لهذا الجار المسيحى كل عام وأنت بخير إلى آخر فتاوى الحلال والحرام التى لا تنتهى ولا تتوقف. هنا أترك ذكريات صباك وشبابك التى كنت تحتفل فيها بعيد «شم النسيم» فتأكل البيض الملون والفسيخ والبصل وتهنئ جارك المسيحى بعيد القيامة المجيد وتذهب إلى الحدائق وتخرج إلى النيل فى طقس سنوى لا يتغير عندك وعند غيرك من المصريين دون أن تهتم بأصل الأشياء وأسباب احتفالك بها، أقول لك لابد أن تسأل عن عظمة هذا الترابط العبقرى بين المصريين مسلمين ومسيحيين والذى تكمن فيه عبقرية مصر كمكان يحتفى بكل الأديان بفلسفة التسامح والحب الإنسانى لهذا يجىء الدكتور والأثرى الكبير «حجاجى إبراهيم» كشاهد عيان على هوية المصريين وعبقريتهم بما يمتلكه من معرفة بتاريخنا وهويتنا، فالدكتور «حجاجى إبراهيم» أثرى كبير كانت رسالته لنيل درجة الماجستير فى الدراسات القبطية عن (القلاع والحصون فى الأديرة المصرية)، ثم رسالته للدكتوراة عن (صناعة الأصباغ والألوان والأحبار فى مصر) والتى أثبت فيها أن المصريين القدماء كانوا يعرفون الحبر السرى والذى يستخدم فى عالم الجاسوسية فى العصر الحديث، ثم توالت دراساته وأبحاثه، فحصل على دبلوم فى الآثار المصرية القديمة من جامعة روما ودبلوم فى الآثار اليونانية والرومانية، ثم دبلوم فى الآثار الإسلامية وأخيراً دبلوم فى ترميم الفخار والبرونز، وقد حصل الدكتور «حجاجى إبراهيم» على وسام الفارس من الحكومة الإيطالية ووسام القائد من وزارة الخارجية الإيطالية، والدكتور حجاجى إبراهيم تربو مؤلفاته على أربعين مؤلفاً منها: «أصباغ مصر وأحبارها عبر العصور»، «مقدمة فى العمارة القبطية»، «بأى لسان نتكلم»، «العمارة الإسلامية فى شرق أفريقيا»، «الاختصار فى علاج التحف والآثارى، وغيرها مما يجعله بحق موسوعة عشق فى حب مصر وهذا نص الحديث معه. هناك فتاوى دينية تخرج علينا تحرم الاحتفال والتهنئة لإخواننا المسيحيين بعيد القيامة المجيد والذى يواكب احتفال المصريين جميعاً بعيد «شم النسيم» كيف ترى هذه الفتاوي؟ - عيد «شم النسيم» طقس احتفالى مصرى هام وله دلالات ومعان باللغة المصرية القديمة وباللغة القبطية وعند المسلمين أيضاً حينما كان الحب والوئام هما من أهم سمات الشعب المصري. و«شم النسيم» ليس هى الكلمة المصرية القديمة «شمو» ومعناها الصيف فهذا مفهوم دارج وخاطئ ولكن اللفظ الصحيح بالمصرية القديمة هى «شم ونس ايمي» حرف الشين هنا يكتبه المصرى القديم على شكل مستطيل ويضيف له أرجل ومعنى الشين أخرج، أما حرف الميم فهى البومة ثم «نس» معناها نادى و«اي» معناها الزهرة أى اخرج نادى على الزهرة و«مي» الأخيرة معناها تريض أو تنزه أى اخرج نادى على الزهرة واتفسح. أما فى اللغة القبطية فينطق «شم النسيم» هكذا «شوم السيم» وشوم معناها بستان و«ان» معناها الورود أو الربيع أى هون شوم أى هانشم الربيع. أما مأكولات المصريين فى «شم النسيم» ليست وليدة الصدفة ولكنها ضاربة بجذورها فى التاريخ المصرى القديم وكل صنف من هذه المأكولات له مدلول عند المصريين، فالبصل يتم غسله جيداً لأنه يعتقد فى أنه يطرد الأرواح الشريرة وكانت توضع تحت الوسادة ليلة «شم النسيم» تفاؤلاً بها، أما فى المعتقد القبطى الذى يعد وريث الثقافة والحضارة المصرية القديمة نجد «للفسيخ» مدلولات عديدة، فالملح عند المصرى القديم هو إشارة لايزيس لأنه لم يجعل الأشياء تفسد، وعند الديانة المسيحية نجد عبارة «انتم ملح الأرض» أى أنتم شباب المؤمنين، ثم نأتى إلى وجبة الفسيخ أو السمك نجد أن السمكة هى المخلوق الوحيد الذى نجاه الله دون أن يركب سفينة سيدنا نوح، أيضاً السمكة تفسد من رأسها ولذلك نجد فى الديانة المسيحية أن السيد المسيح هو رأس الكنيسة والسمكة طاهرة بمعنى أنها تضع بيضها دون أن تلقح من الذكر ولكن يأتى الذكر ويلقح البيض بعيداً عن السمكة الأنثى والسمكة هى الكائن الوحيد الذى يجمع بين طبيعتين فهو الميت الحى وهو حينما يخرج من المياه ويموت محلل للجميع أى للمسيحيين والمسلمين أن يأكلوه كذلك السيد المسيح فى الديانة المسيحية ذات طبيعتين (لاهوتية وناسوتية). نأتى إلى البصل وهو ذات دلالات كثيرة فى المعتقدات المسيحية، من بينها أن البصلة مستورة بمعنى أنك لو انتزعت قشرة من البصلة ظهرت القشرة التى تحتها أفضل وأجمل كذلك السيد المسيح رغم كل التعذيب والآلام التى عانى منها لا توجد صورة واحدة فى التاريخ تعرى السيد المسيح وتظهر سوءته، وأخيراً البيض والذى تتدرج ألوانه بين الأبيض الناصع دليل على الطهر، والأحمر الخفيف أى أن وجه السيد المسيح كان أبيض مشرب بالحمرة أو الأحمر القانى دليل على الفداء والاستشهاد، وفى نشيد الأناشيد هناك فقرة تقول: حبيبى السيد المسيح أبيض وأحمر دليل على الطهر والنقاء وحمرة الوجه ونحن كمسلمين وحتى نهايات الدولة الأموية كان يعد الاحتفال بعيد «شم النسيم» طقساً مصرياً خالصاً لا يفرق بين مسيحى ومسلم حتى جاءت علينا هبة من الدولة العباسية انتهت عام 132 هجرياً و750 ميلادياً جعلت الخليفة مروان بن محمد يحرق مدينة الفسطاط بأكملها بما فيها من مسيحى ومسلم ويهودى ظناً منه ألا ينال خير مصر الجيش العباسى القادم مما جعل الآباء الرهبان يلجأون إلى دير المحرق فى القوصية بعد هذه الكارثة التى حلت بالجميع والذى ذهب اليه السيد المسيح والعائلة المقدسة فى نهاية رحلته بمصر على جبل قوسقام، وحينما جاء العباسيون لم تتغير الاحتفالات المصرية بما فيها الاحتفال «بشم النسيم» ولكن أكثر العصور الإسلامية بهجة وتسامحاً كانت فى العصر الفاطمى وأكثر عصر تم فيه زواج مختلط بين المسلمين والمسيحيين ويكفى أن تعرفى أن الخليفة الأعظم «المعز لدين الله الفاطمي» له زوجة يهودية والتى أنجبت له ابنها «العزيز» والذى تزوج بمسيحية والتى أنجبت له ابنها «الحاكم بأمر الله» والذى تزوج بمسيحية والتى أنجبت له «الظاهر» الذى تزوج بيهودية من يهود الفلاشا والتى أنجبت له «المستنصر»، وهكذا أيضاً كان معظم الوزراء الفاطميين خليطاً من المسلمين والمسيحيين واليهود لأن ليس المهم ديانة الوزير بقدر تحقيق الرخاء والخير لمصر وكان الفاطميون يقتربون من العامة فى كافة الاحتفالات الشعبية والدينية ومنها الاحتفال «بشم النسيم». ولكن ما تتهم الدولة الفاطمية بمصر أنها جاءت فقط للتشيع ونشر المذهب الشيعى ببناء الأزهر الشريف ولا أحد يذكر مآثر هذه الدولة التى ظلت فى مصر سنوات طويلة تصل لأكثر من ثلاثمائة سنة؟ - من الخطأ التاريخى الشائع أن الجامع الأزهر بناه الفاطميون لنشر المذهب الشيعى وهذا غير صحيح تاريخياً بالمرة لعوامل عديدة أولها: أن الصلاة كانت تقام فى جامع ابن طولون أو جامع عمرو بن العاص وبالتالى ليس للمصريين حاجة بالجامع الجديد، لأن مدينة القاهرة التى بناها الفاطميون حينما جاءوا إلى مصر كانت تقفل بأبواب أربعة ولا يدخلها بعد ميعاد غلق الأبواب إلا صاحب مهنة أو حاجة للضرورة فقط ولكن بنى الأزهر لكى يصلى فيه الخليفة الفاطمى ووزراؤه وحاشيته، وإذا كانوا جميعاً من أهل التشيع فمن منهم سوف يعلمونه المذهب الشيعى الذى هو يعتنقه فى الأساس!! ولكن جامع الأزهر كان وسيظل هو الجامع والجامعة وهو من مآثر الدولة الفاطمية والتى استطاعت تذوب فى عادات وتقاليد الشعب المصرى وتتجاوب معه، ويكفى أن تعرفى أن نشيد «حلو يا حلو.. رمضان كريم يا حلو» ألفه المصريون حينما قدم الخليفة «المعز لدين الله الفاطمي» إلى مصر ليلاً وفى شهر رمضان فاستقبله المصريون بالفوانيس مرددين «خلو يا خلو» وهى كلمة قبطية تعنى الشيخ أو الإمام وكان يقال للوافد من شمال أفريقيا من المغاربة شيخ أو إمام، وهناك أيضاً الأغنية الشعبية الشهيرة التى تمثل صفة من صفات مصر وهى «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلواني»، وهذه الأغنية ترجع للعصر الفاطمى أى الذى يسكن القصر وهو الخليفة الفاطمى والذى بنى مصر أى القاهرة يحب الحلويات ويجيد صنعها وهى صفة مشهورة حتى الآن عند المغاربة وأهل الشام ثم ينتهى العصر الفاطمى ويأتى من بعده الإخشيديون والمماليك والطولونيون والعثمانيون والحملة الفرنسية وأسرة محمد على والإنجليز ومصر راسخة لا تتغيير ولا تفرق فى احتفالاتها بين مسلميها ومسيحيها. ربما هنا تكمن عبقرية الشخصية المصرية التى استطاعت قروناً عديدة أن تصهر كل وافد اليها ولا تنجرف وتتلون مع كل عصر وحكم جديد؟ - العبقرية تجىء من كل ما هو مصرى وعلى قمته «النيل» الذى قال عنه المؤرخ اليونانى القديم هيردوت «مصر هبة النيل»، وأنا أقول إن النيل هبة المصريين أيضاً فنحن على سبيل المثال فى القصير مدينتى التى تقع على شاطئ البحر الأحمر كان أهم عيدين لدينا هما عيد النصف من شعبان وفيه طلعة المحمل إلى الأراضى الحجازية أى كسوة الكعبة محمولة إلى الأراضى الحجازية وعيد «شم النسيم» وكلا العيدين يشارك فيهما بحب وتسامح ومودة المسلمون والمسيحيون، وإذا ذهبت إلى القصير لن تستطيعى أن تعرفى أن هذا مسيحى أو مسلم إلا إذا ذهب إلى الكنيسة أو ذهب إلى الجامع!! كيف صمدت مصر بعد احتلالها لأكثر من 25 قرناً من الزمن وتغيير لغتها مرتين من الهيروغليفية إلى القبطية إلى العربية ثم تغيير ديانتها إلى المسيحية ثم الإسلام بعد الديانة المصرية القديمة والتى ليست ديانة سماوية.. ربما هذا سر عظمة مصر أم نكبتها؟ - سأقول لكِ عبارة نرددها جميعاً نحن المصريين نتكلم فيها بكل لغات العالم كدليل وسر أن مصر بوتقة لكل الحضارات والثقافات فهى بلد التسامح والتجانس وألوان الطيف الحضارى من الطراز الرفيع، وهذه العبارة هي: (زول راح كفر الشيخ عدا على بربخ القرادة ركب أوتوستوب لصوعن نزل عند خفر الآثار فى الزمالك أكل معاهم رنجة وبصارة.. جاله تلبك عمل أورنيك دخل البيرمستان وعلشان هو شنة ورنة أخذ معاه بيجامة ومنتوفلى وكان كل علاجه سرنجة). هذا الكلام ليس عربياً فكلمة زول هى رجل باللغة القبطية والتى أخذها عنا السودانيون (راح كفر) وكفر هى كلمة فينيقية بمعنى قرية (عدا على بربخ القرادة) وبربخ هى كلمة آردية معناها البالوعة (ركب أوتوستوب) وأتوستوب كلمة إنجليزية معناها الركوب مجانى للواقف على الطريق من أى سيارة عابرة بجواره (لصوعن نزل) لصوعن كلمة عبرية تعنى الكنيسة (الزمالك) كلمة البانية تركية معناها العشش والأكشاك (رنجة) كلمة إيطالية معناها السمك المدخن (بصارة) كلمة قبطية (تلبك) كلمة قبطية تعنى تعب بالمعدة (عمل أورنيك) كلمة معناها نموذج عيادة باللغة التركية (البيرمستان) هو مكان لعلاج المرضى باللغة الفارسية (وعشان هو شنة ورنة ) شن كلمة هيروغليفية معناها برواز ومنها كلمة (شان) باللغة القبطية و(شأن) باللغة العربية و(رن) كلمة هيروغليفية و(ران) بالقبطى ومعناها اسم أى شايف نفسه أو اسمه متبروز (أخذ معاه بيجامة ومنتوفلي) وكلتا الكلمتين فرنسية (وكان معاه سرنجة) وسرنجة كلمة يونانية معناها إبرة. أقول هنا تكمن عظمة مصر فأى غازى إليها دحره الله سبحانه وتعالى لتبقى هى مهبط الأنبياء والرسل جاءها نبى الله سيدنا إبراهيم عليه السلام فى الدولة الوسطى وتزوج من السيدة هاجر ابنة منطقة الفرما المصرية القريبة من مدينة السويس ثم دخلها سيدنا يوسف عليه السلام فى عصر الانتقال الثانى أيام الهكسوس ثم سيدنا موسى عليه السلام ولد هنا بمصر فى الدولة الحديثة أيضاً سيدنا سليمان عليه السلام تزوج فى الأسرة الثانية والعشرين من مصرية حتى إن والد زوجته أى حماه مدفون فى تانيس فى صن الحجر حسينية بمحافظة الشرقية وجاء سيدنا عيسى عليه السلام مصر وهو طفل وأخيراً سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام تاجر بأموال السيدة خديجة على ووصل إلى حدود الفرما المصرية لذلك مصر محمية من الله سبحانه وتعالى ومذكورة فى كل الأديان السماوية.