بدأ فى مصر القديمة، ومنها انتقل إلى باقى دول العالم. عيد الربيع، أو شم النسيم كما يسميه المصريون، هو اليوم الذى يحتفل به المصريون والعالم كإعلان لبداية فصل الربيع وقد ارتبط الاحتفال به فى مصر بطقوس مختلفة منها تناول الأسماك المملحة خاصة الفسيخ، والبيض الملون، وتبادل الزهور والخروج إلى الأماكن الطبيعية للاستمتاع بطقس الربيع.ولكن كيف بدأ الاحتفال بشم النسيم وما أصل التسمية وكيف تحتفل به بقية دول العالم؟ كل هذا ما يرويه المؤرخ إبراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب فيقول إن الأجداد اعتقدوا أن اليوم الذى يتساوى فيه الليل والنهار ويبدأ فيه فصل الربيع فعليا أول الزمان فاتخذوه رمزا للبحث وتجدد للحياة، ويعود أصل تسمية عيد الربيع بشم النسيم لكلمة (شمو) المصرية القديمة، علما بأن اللفظ الصحيح بالمصرية القديمة هو (شم ونس ايمى)، كما أن حرف الشين يكتبه المصرى القديم على شكل مستطيل ويضيف له أرجل، ومعنى الشين ( اخرج )، أما حرف الميم فهى البومة، ثم (نس) ومعناها نادى، و(أى) ومعناها الزهرة أى (اخرج نادى على الزهرة)، ومى الأخيرة معناها تريض أو تنزه أى (اخرج نادى على الزهرة وتنزه). أما فى اللغة القبطية فينطق شم النسيم (هون شم) وشوم معناها بستان وأن معناها الورد أو الربيع، وبالتالى فإن هون شم تعنى (هنشم الربيع) ومع التحول للغة العربية تم تحوير الكلمة لتصبح شم، وأضيفت لها كلمة النسيم تعبيرا عن اعتدال الجو. البيض رمز الحياة قال إبراهيم العنانى إن الاحتفال بشمو أو فصل النماء بالأرض المصرية ومعتقدات المصرى القديم الذى آمن باستمرار الحياة وتجددها فحرص أن يصنع فى شم النسيم مائدة من أطعمة لها رمزية خاصة ودلالة بعينها فالبيض يرمز لبداية الخلق وللتكاثر واستمرار الحياة وتجددها وقوة عطاء الخالق، وقد صورت بعض برديات منف المعبود (بتاح) معبود الخلق عند الفراعنة وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة ولذلك فإن تناول البيض فى هذه المناسبة كان إحدى الشعائر المقدسة عند قدماء المصريين، وضمانا لحماية العين من الالتهابات الربيعية. وأشار المؤرخ إلى أن المصرى القديم اعتاد أن ينقش على البيض دعواته وأمنياته للعام الجديد ثم يضع البيض فى سلال من سعف النخيل يعلقها فى شرفات المنازل أو فى أغصان الأشجار لتحظى بالبركات عند شروق الشمس، موضحا أن تناول البيض يرجع إلى الاعتقاد بأن العالم كان على شكل بيضة كبيرة انقسمت إلى قسمين السماء نصفها العلوى والأرض نصفها السفلى، كما أن البيض رمز الحياة والموت فالبيضة من الخارج ميتة لكنها تحوى داخلها نفسا حية، وكان يتم نقشه بالألوان المستخلصة من الطبيعة (الزهور والطفلة والجير والحديد) وهذه الألوان هى الأصفر والأحمر والأخضر والأبيض. السمك المملح والدلالة المقدسة: وأضاف أما السمك المملح فيحمل دلالة مقدسة فى الأديان فكان بالنسبة للمصرى القديم رمزا للمعبود (اوزير) أما الملح فكان يعنى الحياة، ويطلق المسيحيون اسم ملح الأرض على رجال الكنيسة، وتسمى السمكة فى اللغة القبطية (اخسيس) وهى الحروف الأولى للسيد المسيح بنفس اللغة، أما البصل فكان المصريون يضعونه تحت رءوسهم ليلة شم النسيم ويتناولونه صبيحته اعتقادا منهم بأنه يطرد الأرواح الشريرة لرائحته النفاذة، وعندما يستيقظون مبكرا ويذهبون إلى الأنهار أو الترع لينعموا بشم الهواء العليل كانوا يلقونه فى النيل وكأنهم يتخلصون معه من كل الأعباء ومن ليالى الشتاء الطويلة. أما الخس فقد ارتبط بالإله المصرى القديم (مين) الذى اعتبره المصرى القديم رمزا للإخصاب فحرص على تناوله فى المناسبات المرتبطة باستمرار الحياة وهو ما أثبته العلم الحديث عندما كشف عن فوائد زيوته التى تقوى الخصوبة وتقلل التأكسد، فضلا عن فوائد الحمص الأخضر (الملانة) والحلبة والترمس، وكانت الاحتفاليات يشارك فيها الملوك والأمراء فى مختلف الأقاليم المصرية حيث تتزين الفتيات بزهور الربيع ويرتدين ملابس جديدة ويرقصن على أنغام الهارب والطبلة، وقد وصف المستشرق الانجليزى ادوارد وليم لين الذى زار القاهرة عام 1834 بعد أكثر من عشرين قرنا من الزمان احتفال المصريين بشم النسيم بقوله (يبكرون فى الذهاب إلى الريف المجاور راكبين أو راجلين ويتنزهون فى النيل، ويتجهون إلى الشمال على العموم لينسموا النسيم أو كما يقولون ليشموا النسيم وهم يعتقدون أن النسيم فى ذلك اليوم ذو تأثير مفيد ويتناول أكثرهم الغذاء فى الريف أو فى النيل. وقال العنانى إنه بالنسبة للملانة (الحمص الأخضر) فقدت اشتق اسمها من امتلائها وتصبح شبه رأس الصقر، وقالوا إنها الأجراس التى تعلن قدوم الربيع عندما يهزها نسيم الصباح فيسمع صوت حبات الحمص وهى تتراقص وتدعو الناس لاقتطافها. وأشار إلى أنه ومن سطح الأرض إلى أعماق البحر يبدأ موسم تزاوج الأسماك فى الربيع ويبدأ الغزل السمكى، ومن مظاهره اكتساب الزهور الألوان الزاهية وإصدار أصوات قرقرة الدجاج والرفرفة والصرير والصفير والخشخشة والطبل وإصدار حركات راقصة وأنواع وهزات كهربائية، وتعد أصوات الضفادع أعلى الأصوات والمعروف أن لهذه الأصوات مكتبة سمعية فى جامعات أمريكا منذ أكثر من 50 عاما. العالم وشم النسيم وقال المؤرخ إبراهيم العنانى إن مصر كانت البداية فى الاحتفال بشم النسيم ،ثم تناقلت الشعوب المختلفة فكرة الاحتفال بأعياد الربيع ولكن كل بطريقته. ففى الهند: يطلقون على أعياد الربيع اسم عيد الهولى، فيحتفل الهندوس به على طريقتهم الخاصة حيث إنهم يشتهرون باستخدام الألوان فى جميع المناسبات، لذلك فهم يستقبلون الربيع بألوان البهجة والسعادة والمرح، فيجتمعون فى المعابد الهندية كتقليد دينى قديم ويبدؤن فى تراشق الألوان المائية المجهزة خصيصا لهذا الغرض،كما تنتعش الأسواق التجارية بصورة ملحوظة فى هذا الموسم بسبب الإقبال على شراء الملابس المزخرفة والملونة بألوان لا الربيع وكذلك الماسكات والألوان المائية التى تستخدم فى تزيين الشوارع، هذا بالإضافة إلى المساحيق الملونة التى يتراشق بها المحتفلون والمصنوعة من النباتات والأزهار، ويعتبر الهندوس (هولى) بمثابة انتصار الحق على الباطل فيستعد الجميع للاحتفال به بتنظيف المنازل وشراء الملابس الجديدة وشراء السلع الغذائية المحببة لديهم، وفى عشية الاحتفال يقومون بإشعال النيران التى ترمز فى اعتقادهم إلى القوة القادرة على تدمير القوى الشيطانية والهدامة وذلك بالرغم من انتقادات حماة البيئة لهم، أما الأطفال فهم اسعد المحتفلين حظا حيث يطلق لهم العنان فى حرية اللهو والتراشق بالبالونات المملوءة بالألوان المائية، بالإضافة إلى الرسم على وجوههم وتناول أنواع الحلوى المختلفة. وأضاف فيما يطلق الأتراك اسم (توروز)على هذا اليوم المميز وهى تعنى كلمة الزينة أو يوم العيد، كما أنه يعتبر أول يوم فى السنة الشمسية لدى الفرس، لذلك فهو يكاد يكون العيد القومى الوحيد الذى يجتمع على الاحتفال به جميع طوائف الشعب بلا تفرقة أو عنصرية وربما يكون ذلك هوسبب اعتبار هذا اليوم رمز الأخوة والحياة الجديدة، فتجتمع العائلات على سفرة واحدة مهما بلغت شدة الخلافات بين بعض أعضائها، كما تزين واجهات المحال والمنازل بصورة مبهجة. أما الاحتفالات القومية فهى عادة ما تكون ذات طابع وطنى يتسابق خلالها كبار الفنانين فى تقديم عروض تمثيلية غنائية تمثل ذكرى بطولات وأمجاد اسلافهم. وتابع المؤرخ الكبير أما فى الصين فيحتفل الشعب الصينى بأعياد الربيع بأزهى ألوان المهرجانات حيث إنهم يبدأون بالإعداد لهذا الاحتفال الضخم قبل شهر من حلول موعده الرسمى فتنتشر الهدايا فى الأسواق ويتم جنى محاصيل الزهور المختلفة التى تكون قد تمت زراعتها خصيصا لهذا الغرض. لذلك فإن هذا العيد يعتبر من أهم المناسبات التى ينتظرونها بفارغ الصبر لما له من أهمية وما يتخلله من فرح ومرح ولقاءات، وتقديم أفضل وأشهى أنواع الطعام، ولا يخلو الاحتفال فى الصين من تبادل الهدايا المختلفة التى فى كثير من الأحيان ذات قيمة مادية مبالغ فيها مثل السيارات والمجوهرات والساعات ذات العلامات التجارية المميزة. أما الغريب فى الأمر والذى يثير دهشة المهتمين بدراسة تقاليد وعادات الشعوب فهو أن هذا الشعب الدءوب والعاشق للعمل يستحل لنفسه إجازة طويلة تقترب من الأسبوع الكامل احتفالا بتلك المناسبة.