برزت علي سطح الحياة السياسية أخيرا توجها جديدا مع إعلان العديد من الأحزاب الدخول في تحالفات مثل التحالف الوطني المصري وحزب المؤتمر المصري الذي يضم أكثر من خمسة عشر حزبا, وإعلان التيارالشعبي وهذا الاتجاه يعد تحولا مهما في تفاعلات الحياة السياسية والحزبية في مصر ويعكس نضجا فكريا واقتناعا واضحا أنه لا مستقبل للديمقراطية في مصر إلا بوجود أحزاب سياسية قوية تتنافس فيما بينها علي عملية تداول السلطة. كما أن الديمقراطية القوية تقوم عبر جناحين متكاملين هما وجود حزب حاكم أو أغلبية قوية وكذلك معارضة قوية وهو الأمر الذي يثري الحياة السياسية ويجعلها تسير في الطريق الصحيح, ولذلك فإن مثل هذه التحالفات بدأت تنقل التساؤل من لماذا نجح حزب الأغلبية وهو الحرية والعدالة, ومن ثم الاتهام بالهيمنة ومحاولة التكويش رغم أنه جاء عبر الارادة الشعبية والصندوق, إلي سؤال لماذا فشلنا نحن, ثم الأهم هو كيف ننجح, وهذا بدوره لن يكون إلا بأن تغير تلك الأحزاب من منهجها وتقوم بإصلاح شامل سواء في هياكلها أو برامجها أو طريقة عملها, خاصة أن الأحزاب المصرية قبل الثورة كانت تعاني من أمراض مزمنة جعلتها عديمة الفاعلية في العملية السياسية, وكانت بمثابة أحزاب ورقية تتكون من حزب وصحيفة معبرة عنها وتفتقد إلي الديمقراطية داخلها حيث تدور في فلك شخص واحد, إضافة إلي تمركزها فقط في العاصمة وبعض المدن الكبري دون أن تمتد إلي بقية المحافظات والمدن والقري, كذلك ضعف برامجها وتشابهها وابتعادها عن الواقعية. لكن هذه التحالفات تواجه إشكاليات كبيرة أبرزها أن تلك الاحزاب وإن كانت تلتقي علي هدف واحد وتجتمع تحت مظلة واحدة لبناء تحالف لمواجهة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في الانتخابات البرلمانية المقبلة والحفاظ علي مدنية الدولة, إلا أنها تتباين فيما بينها تباينا شديدا في توجهاتها السياسية ومنطلقاتها الفكرية والأيديولوجية, حيث نجد أحزابا ليبرالية ويسارية وناصرية ضمن هذا التحالف, وهو ما يثير التساؤلات حول هل هو تحالف مؤقت ينتهي بانتهاء الانتخابات أم هو تحالف دائم, خاصة في تجربة التحالف الوطني الذي يقوم علي الائتلاف, وكيف يمكن التمازج بين الإيديولوجيات السياسية المتباينة في برنامج سياسي واحد يعكس توجه هذا التحالف, خاصة في حالة حزب المؤتمر الذي يقوم علي الاندماج الكامل, كذلك تظل مشكلة الزعامة والقيادة ومن سيقود ومن سيتنازل عن قيادته لحزبه في ظل ثقافة أن كل فرد يري في نفسه مقومات الزعامة والكاريزما كما حدث في تجربة الانتخابات الرئاسية السابقة. ومن ناحية اخري كيف يمكن لتلك الأحزاب أن تحدث إصلاحا جذريا داخلها قبل الدخول في تلك التحالفات سواء بترسيخ الديمقراطية داخلها أو بالعمل علي الالتحام مع المواطن وتقديم برامج عملية قابلة للتطبيق في كل مجالات الحياة لأن العملية الانتخابية في نهاية الأمر هو كيف تكسب ثقة المواطن لكي ينضم إلي هذا الحزب السياسي ولكي يصوت له في الانتخابات. وإذا كانت ثورة 25 يناير قد فتحت الباب أمام إنشاء أحزاب جديدة حتي وصل عددها الآن أكثر من ستين حزبا ومتوقع أن يصل إلي أكثر من مائة بعد أن أصبح إنشاء الحزب بمجرد الاخطار, فإن هذا الأمر يعد ظاهرة صحية, لكنه غير واقعي خاصة أن الديمقراطيات العريقة ترتكز علي وجود حزبين أو ثلاثة أحزاب رئيسية تتداول السلطة فيما بينها مع وجود أحزاب أخري قليلة العدد ليست بذات الثقل, ومن ثم مع مرور الوقت وانتشار ثقافة الديمقراطية وزيادة وعي المواطن فإن الكثير منها سوف يتحلل أو يتجه للاندماج مع آخرين وفقا لقاعدة البقاء للأصلح القادر علي طرح المبادرات وتقديم البرامج وجذب المواطن وممارسة العمل السياسي بصورة حقيقية وليس مجرد ديكور سياسي, ولذا فإن هذه التحالفات تمثل تحولا مهما باتجاه إنشاء معارضة سياسية حقيقية للأغلبية الحاكمة, بما تمتلكه من البرامج والكوادر السياسية التي تمكنها من قيادة الدولة في حالة وصولها إلي الحكم وهذا التداول السلمي للسلطة هو الذي سيثري ويكرس العملية الديمقراطية باعتبار أن الأحزاب القوية هي أحد أضلاع المنظومة الديمقراطية في وجود رئيس منتخب وبرلمان فاعل ودستور حديث ومجتمع مدني قوي وإعلام حر وهذه المنظومة هي الإطار لتقدم مصر ونهضتها, لأن الديمقراطية تمثل البيئة المواتية لانطلاق عملية التنمية والتطور في ظل وجود الشفافية وتزايد دور المواطن في صنع القرار ووجود آليات للمراقبة والمحاسبة عبر صندوق الانتخابات, كما أن المعارضة الحقيقية البناءة والفاعلة هي التي تقوم علي انتقاد ومعارضة السياسة الخاطئة وليس المعارضة في حد ذاتها ضد الأشخاص نتيجة للتعارض الايديولوجي, بل يمتد دور المعارضة إلي تقديم سياسات بديلة تستهدف مصلحة الوطن. المزيد من مقالات احمد سيد احمد