فتحت الكلمة التى قالها البليونير الصينى «جاك مو» المؤسس المشارك لموقع «على بابا» الإلكترونى الباب على مصرعيه لانتقادات غربية لثقافة العمل فى الصين، والمعروفة ب 996، كناية عن جدول العمل الصينى الذى يبدأ فى التاسعة صباحا وينتهى فى التاسعة مساء-ستة أيام فى الأسبوع. دافع «مو»عن ثقافة العمل فى بلاده، وقال إن العمل ساعات طويلة فرصة لاتتوفر لكثيرين، وإذا لم يعمل الإنسان فى شبابه ساعات طويلة، فمتى يعمل؟! وجاءت كلمته ردا على حملة شُنت مطلع الشهر الحالى عبر موقع «جت هوب» الذى نشر شكاوى الصينيين من العمل ساعات إضافية، كما نشر قائمة بأسماء الشركات الصينية التى تطالب موظفيها بالعمل وفق 996، ومنها شركة «على بابا». واصل «مو» الدفاع عن رأيه فى مدونة قال فيها إنه يتفهم وجهة نظر منتقديه، لكن كثيرين يصمون آذانهم عن الحقيقة ولا يفكرون. صحيح أن العمل ساعات طويلة قد يبدو لاإنسانيا، ولكن إذا افترضنا أنك تعمل فى مهنة تحبها، فالعمل فى هذه الحالة سيكون متعة، والساعات الطويلة لن تكون مشكلة. يشارك كثير من رجال الأعمال الناجحين «مو» إيمانه بضرورة العمل ساعات طويلة، من هؤلاء المبتكر الأمريكى «إيلون مسك» المعروف بأنه شخصيا ينام قليلا ويعمل كثيرا. قال «مسك» فى تغريدة له قبل أشهر إن العمل 40 ساعة فى الأسبوع (وهو جدول العمل الرسمى للحكومة الأمريكية) لايجدى لمن يرغب فى التفوق، مضيفا أنه يتعين على من يحلمون بتحقيق انجازات مهمة أن يعملوا ساعات أطول تتراوح بين80 و 100 ساعة أسبوعيا. وتتزامن حملة انتقاد ثقافة العمل الصينية مع صدور دراسة أجرتها مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكارات الأمريكية، وتشير إلى أن الصين استطاعت خلال العقد الماضى أن تقلل الفجوة فى مجال التقدم العلمى والتكنولوجى بينها وبين الولاياتالمتحدة، وأنها لم تعد تعتمد على تقليد مبتكرات الدول المتقدمة، بل صارت صاحبة مبتكرات واختراعات. اعتمدت الدراسة فى تقييم ماحققته الصين من تطور على عدة مؤشرات، منها الإنفاق فى مجال البحث والتنمية، وبراءات الاختراع، ودور الجامعات فى مجال الابتكارات العلمية. فى مجال البحث والتنمية، كانت الصين تنفق مايوازى 33 فى المائة مما تنفقه أمريكا، لكن النسبة زادت أخيرا لتصل إلى 76 فى المائة، ولتتفوق بذلك على الاتحاد الأوروبي. وفيما لم تكن براءات الاختراع الصينية المسجلة فى أمريكا عام 2006 تربو كثيرا عن ألف براءة اختراع، زادت خلال عشر سنوات لأكثر من 11 ألف براءة اختراع. وتمد الجامعات الصينية النهضة التكنولوجية فى البلاد بما تحتاج إليه من عقول مبتكرة، حيث تُخرج الجامعات الصينية نحو سبعة ملايين خريج سنويا، ثلاثون فى المائة منهم يتخصصون فى مجالات الهندسة، بالمقارنة مع خمسة فى المائة فقط من خريجى الجامعات الأمريكية. كما تنشط الصين فى اجتذاب العقول والمهارات الأجنبية من الدول الأسيوية الأخري، بل من الولاياتالمتحدة للعمل فيها. حذر التقرير من ريادة الصين فى مجال الابتكار والتكنولوجيا، فالتفوق هنا يستتبعه انخفاض الدخل القومى وتدنى مستوى المعيشة فى الدول الأخرى المنافسة، كما يشكل تهديدا للأمن القومى لهذه الدول. وتبدو ثقافة العمل الصينية، التى ينتقدها الغرب، إحدى الوسائل المهمة لتقدم الصين. ورغم أنها تمضى على النهج نفسه الذى سبقتها إليه كل من اليابان وكوريا الجنوبية، فإن الخطورة تكمن فى امتلاك الصين مقومات القوة العملاقة، بما يجعلها أكثر تهديدا لأعظم قوة فى العالم.