الخيار ب 30 جنيهًا.. أسعار الخضراوات والفواكه بأسواق كفر الشيخ    مصر تؤكد دعمها لدور وكالة الطاقة الذرية بموجب معاهدة منع الانتشار النووي    مصر ترحب بتجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين    مروان حمدي يقود هجوم منتخب مصر في التشكيل المتوقع أمام الإمارات    مدرب نيوزيلندا يتحدث عن مواجهة مصر بكأس العالم (ريل)    الليلة.. منتخب مصر يواجه الإمارات في مباراة مصيرية بكأس العرب    اليوم.. طقس معتدل نهارا بارد ليلا علي أغلب الأنحاء وأمطار متفاوتة الشدة    نائب وزير الصحة تدعو إلى إطلاق مبادرة عربية مشتركة لتعظيم الاستفادة من الألف يوم الذهبية لبناء جيل صحي    بيل غيتس: الابتكار والذكاء الاصطناعي أمل لإنقاذ حياة ملايين الأطفال    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 6 ديسمبر 2025    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 6 ديسمبر 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 6-12-2025 في محافظة قنا    أسعار الأسماك اليوم 6 ديسمبر.. «البلطي» يبدأ من 30 جنيهًا    أسعار الخضروات اليوم السبت 6-12-2025 في قنا    مفاجأة طبية لدواء جديد يبطئ تطور مرض الزهايمر 8 سنوات    استكمال محاكمة 32 متهما في قضية اللجان المالية بالتجمع.. اليوم    أولى جلسات محاكمة عصام صاصا فى مشاجرة ملهى ليلى.. اليوم    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    "قتل اختياري".. مسلسل يفتح جرحًا إنسانيًا عميقًا ويعود بقضية تهز الوجدان    ميرتس يدعو لتقاسم أوروبي موحّد لمخاطر الأصول الروسية المجمدة    مروة قرعوني تمثل لبنان بلجنة تحكيم مهرجان الكويت المسرحي بدورته 25    «توخيل» يطمئن جماهير إنجلترا: جاهزون لمواجهة كرواتيا وغانا وبنما في المونديال    رئيس وزراء الهند يعلن عن اتفاقية مع روسيا ومرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي    ليفربول يسعى لتصحيح مساره في الدوري الإنجليزي أمام ليدز يونايتد    هل عادت سوريا إلى عصور الظلام، إلغاء حفل الموسيقار مالك جندلي في حمص يثير غضب السوريين    كشفتها الأجهزة الأمنيةl أساليب جديدة لغسيل الأموال عبر المنصات الرقمية    إجراءات صارمة بعد فيديو السخرية من مدرسة الإسكندرية    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    «آخرساعة» تكشف المفاجأة.. أم كلثوم تعلمت الإنجليزية قبل وفاتها ب22 عامًا!    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    حفل توقيع كتاب «حوارات.. 13 سنة في رحلة مع البابا تواضروس» بالمقر البابوي    رغم العزوف والرفض السلبي .. "وطنية الانتخابات" تخلي مسؤوليتها وعصابة الانقلاب تحملها للشعب    «تصدير البيض» يفتح باب الأمل لمربي الدواجن    قائمة أطعمة تعزز صحتك بأوميجا 3    خبير اقتصادي: الغاز الإسرائيلي أرخص من القطري بضعفين.. وزيادة الكهرباء قادمة لا محالة    منافس مصر – لاعب بلجيكا السابق: موسم صلاح أقل نجاحا.. ومجموعتنا من الأسهل    كأس العالم - دي لا فوينتي: ترشيح إسبانيا للفوز باللقب خطر عليها    شاهد لحظة نقل الطفل المتوفى بمرسى المعديات فى بورسعيد.. فيديو    أولى جلسات محاكمة مسؤول الضرائب وآخرين في قضية رشوة| اليوم    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب    رويترز: تبادل إطلاق نار كثيف بين باكستان وأفغانستان في منطقة حدودية    قوات الاحتلال تعتقل عددا من الشبان الفلطسينيين خلال اقتحام بلدة بدو    أحمد مجاهد ل العاشرة: شعار معرض الكتاب دعوة للقراءة ونجيب محفوظ شخصية العام    "بيطري الشرقية" يكشف تفاصيل جديدة عن "تماسيح الزوامل" وسبب ظهورها المفاجئ    نتنياهو بعد غزة: محاولات السيطرة على استخبارات إسرائيل وسط أزمة سياسية وأمنية    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    وفاة عمة الفنان أمير المصري    عالم مصريات ل«العاشرة»: اكتشاف أختام مصرية قديمة فى دبى يؤكد وجود علاقات تجارية    أزمة أم مجرد ضجة!، مسئول بيطري يكشف خطورة ظهور تماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    الصحة تفحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة    وزارة الداخلية تحتفل باليوم العالمي لذوى الإعاقة وتوزع كراسى متحركة (فيديو وصور)    القاصد يهنئ محافظ المنوفية بانضمام شبين الكوم لشبكة اليونسكو لمدن التعلم 2025    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان .. إلى أين؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 04 - 2019

هيأت الأقدار للرئيس السوداني المعزول عمر البشير أكثر من فرصة لكى ينسحب من الساحة السياسية فى هدوء، ولكنه أصر أن يكابر رافضا كل المؤشرات التى أحاطت به وكانت تتطلب أن يترك السلطة لغيره وأن يلبى نداء شعبه فى ضرورة الرحيل.. كان الرئيس البشير يستطيع أن يضع نهاية أفضل بكثير مما وصلت إليه نهايته معتقلا فى سجن «كوبر» بالخرطوم محاصرا بجيشه الذى انقلب عليه أمام طوفان من البشر خرج إلى الشوارع مطالبا الرئيس بأن يرحل.. كان يكفى أن يقتنع الرئيس البشير بثلاثين عاما قضاها فى الحكم وهذه السنوات أخذت أعمار ثلاثة أجيال لأن من كان عمره عشر سنوات أصبح على أبواب الأربعين ومن كان عمره ثلاثين عاما دخل إلى سن المعاش ومن كان عمره أربعين عاما اقترب من رحاب الله.. كان البشير لا يريد التغيير ولهذا فأن أحلام هذا الشعب لم يتحقق شىء منها..
منذ أربعة أشهر خرج الشعب السوداني إلى الشوارع مطالبا الرئيس البشير بأن يرحل ولم يستمع الرئيس لكل هذه الصرخات.. كانت هناك مؤشرات كثيرة تؤكد قسوة الحياة على الشعب السودانى.. إن الشعب لا يجد ما يعينه على مواجهة مطالب الحياة، سواء فى نقص السلع وسوء أحوال الخدمات وإهمال الصحة والتعليم، والأخطر من ذلك هبوط الجنيه السودانى إلى أسوأ حالاته أمام الدولار.. إن السودان يعانى ظروفا اقتصادية صعبة رغم انه من أكثر الدول العربية ثراء فى موارده وثرواته.. إن قطعة من الأرض تسمى مشروع الجزيرة تكفى لتوفير الغذاء لنصف العالم العربى.. وفى السودان ثروة حيوانية لا تقدر بثمن وقبل هذا هناك مياه النيل التى كثيراً ما حطمت شطآنه وتحولت إلى فيضانات أغرقت القرى والمدن.. وفى السودان يوجد البترول بكميات كبيرة لا أحد يعرف أين تذهب.. وهناك مساحات من الاراضي الخصبة التى تصلح لزراعة كل شىء.. والسودان من أكثر الشعوب العربية وعيا وثقافة وذكاء، وفى السودان كوادر بشرية على أعلى مستوى من الكفاءة والتميز.. هذه الكفاءات هربت أو سافرت إلى بلاد أخرى بحثا عن عمل أو فرصة أو حياة كريمة..
كل هذه الموارد لم تجد من يحاول استغلالها عبر عصور مختلفة من الرؤساء والحكام.. لقد عانى الشعب السوداني صراعات ومعارك كثيرة البعض منها انتهى نهايات مؤسفة كما حدث فى انفصال الجنوب بعد حروب استمرت عشرين عاما.. وكانت مأساة دارفور أيضا واحدة من الكوارث التى تورطت فيها حكومات مختلفة.. ثم كانت أزمة كردفان وكلها أحداث دامية تركت آثارا سيئة على الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للشعب السوداني..
إن الأحداث الأخيرة التى جرت فى السودان لم تتكشف أبعادها بعد ولا أحد يعلم هل يستطيع الجيش السوداني حسم الأشياء وإعادة الاستقرار والأمن بعد اربعة أشهر من الاضطرابات والمظاهرات، خاصة أن الشعب السودانى صاحب تاريخ طويل فى العمل السياسى.. هناك قوى سياسية فى السودان وهناك تيارات مختلفة.. وهناك تراث طويل من الصراعات بين أحزاب سياسية اختفى بعضها ومازال البعض الآخر يعمل فى الظلام.. إن فى السودان كتلة ضخمة للإسلام السياسي، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.. وفى السودان أيضا نزعات قبلية وعائلية مازالت لها جذورها وفى السودان أيضا روافد كثيرة للصوفية.. وقد شهد السودان يوما ميلاد واحد من اكبر الأحزاب الشيوعية فى العالم العربى.. إن كل هذه التكتلات التى تبدو فى ظاهرها حزبية إلا إنها لا تنفى وجود واقع قبلى مازال يسيطر على مناطق كثيرة، بل إن هناك خلافات عنصرية مازالت تحكم العلاقة بين أبناء الوطن الواحد..
إن العاصفة التى يعيشها السودان الآن لم تكن الوحيدة ولن تكون الأخيرة.. نحن أمام شعب وصل إلى درجة من الوعى السياسى والثقافي تجاوز بها أقطارا عربية كثيرة فمازالت فى السودان نخبة ثقافية وفكرية لها توجهاتها السياسية التى لم تفرط فيها رغم قسوة الظروف الاقتصادية والواقع الاجتماعي العنيف، إلا أن السودان الشعب والمواطن مازال يحتفظ بمجموعة من الثوابت الفكرية والثقافية فى لغته ووعيه، فمازالت اللغة العربية تعيش فترة من أفضل فتراتها فى السودان رغم تراجعها الشديد فى معظم الدول العربية..
إن ما يحدث فى السودان الآن ليس جديدا فقد عاش الشعب السوداني فترات أصعب ما بين صراعات فكرية ودينية وسياسية وقد تناقضت أساليب الحكم ما بين نماذج رفيعة قدمها سوار الذهب الجنرال الذى ترك السلطة للشعب راضيا ليكون الوحيد فى تاريخ الحكام العرب وما بين سلطة قرار أخرى استباحت موارد الشعب وحرياته بالبطش والقوة.. لقد مرت على الشعب السودانى أنظمة مختلفة ما بين تيارات فكرية وسياسية عاصفة أو عاقلة ومضيئة.. شهد السودان نزعات الترابى وعقلانية الميرغنى والازهرى ثم فترات جعفر نميرى وعبود ثم فى آخر المطاف عمر البشير الذى لم يستوعب دروس من سبقوه فى حكم السودان و فى عواصم عربية اخرى..
على المستوى الشخصى أنا احمل مشاعر خاصة للشعب السودانى لأسباب كثيرة أهمها أن السودان ليس مجرد امتداد جغرافي أو سكاني لمصر ولكن السودان هو العمق الحقيقي لاستقرار مصر وأمنها، وأن الشعب السوداني جزء من جنوب مصر، وأن صعيد مصر كاملا امتداد للسودان، وأن فى مصر أكثر من أربعة ملايين مواطن سوداني يعيشون بيننا منذ عشرات السنين وأصبحوا جزءا منا لقد انفصل السودان عن مصر فى لحظة تاريخية افتقدت الكثير من الحكمة وأن كان الانفصال فرضته ضرورات سياسية إلا أن العلاقات بكل جذورها كان ينبغى إلا تنفصل أبدا أمام ظروف أو خلافات سياسية عابرة .. لقد لعبت السياسة دوراً سيئا فى بعض مراحل التاريخ بين مصر والسودان.. وكانت هناك ملابسات كثيرة أحاطت بهذه العلاقات إلا أن الشىء المؤكد أن مصلحة مصر والسودان شىء واحد.. إننا نتمنى أن يخرج السودان من هذه المحنة العابرة على يد قادته الجدد برئاسة الفريق أول رئيس المجلس العسكرى عبدالفتاح البرهان وبقية القيادات وهم كما قالوا ووعدوا أنهم ابناء سوار الذهب الحاكم العربى الوحيد الذى سلم السلطة مختارا ومقتنعا بحق الشعب فى أن يفرض إرادته..
إن ما حدث فى السودان شأن داخلي بحت.. هناك شعب خرج ورئيس رحل وقيادة جديدة قدمت وعودا كثيرة نرجو أن تفى بها ولكن يبقى استقرار الشعب السودانى هو الهدف والغاية..
هناك دروس كثيرة جدا عاشها السودان وهناك أخطاء تحتاج إلى من يعدل مسارها، وهناك شعب يطالب بحريته منذ أزمنة بعيدة، ولا شك أن خروج الملايين يمكن أن يفتح صفحة جديدة لحياة الشعب السودانى.. لقد تدخل الجيش السودانى بعد أن حدثت مصادمات بين رجال الأمن والمتظاهرين ووقف الجيش يمنع هذا الصدام الذى سقط فيه عدد من الشهداء.. وكان إصرار الرئيس البشير على البقاء فى السلطة رغم إرادة شعبه قضية تحتاج إلى حسم حتى لا تتحول إلى مواجهة بين الشعب والسلطة، وقبل ذلك كله فإن القادة الجدد وعدوا بحكم مدني هذا الحلم الذى راود الشعب السوداني عشرات السنين..
إن السودان دولة لها أهمية خاصة فى علاقات مصر الخارجية وهى تأتى فى مقدمة الدول التى تكمل مصر فى جوانب كثيرة أرضا وسكانا، ولهذا يجب أن يكون هناك حرص متبادل على حماية استقرار السودان وأمنه وهذا يدخل فى أولويات السياسة المصرية.
إن أمام القيادة السودانية الجديدة عدة مهام أساسية..
أن تنتهى المعارك التى يخوضها الجيش السودانى فى أكثر من مكان خاصة أن أحوال دولة الجنوب لم تهدأ حتى الآن رغم مرور سنوات على هذا الانفصال التعسفى الذى أطاح بوحدة السودان واستقرار شعبه..
إن يتم الإفراج عن السياسيين فى السجون والمعتقلات، خاصة هؤلاء الذين القى القبض عليهم فى الأحداث الأخيرة من الأطباء والمهنيين والنشطاء السياسيين وأصحاب الرأى والشباب..
أن هذا يتطلب فتح صفحة جديدة بين القوى السياسية وهى صاحبة دور ومسئولية من أجل الوصول إلى صيغة من التفاهم حول مستقبل السودان فى كل المجالات بحيث لا ينجح تيار من التيارات فى السيطرة على الشارع السودانى تحت شعارات براقة أو دعوات دينية للإسلام السياسى خاصة جماعة الإخوان المسلمين.
هناك قضايا فساد كثيرة تحتاج إلى حكم عادل يعيد للشعب حقوقه الضائعة أن ثلاثين عاما من الفساد فى ظل سلطة جائرة يتطلب مراجعات كثيرة، وهذا ما بدأت به القيادات الجديدة فى السودان فى ظل إجراءات ومحاكمات عادلة..
انا شخصيا من محبى السودان الشقيق الشعب والأرض والدور.. وأرى أن مصر والسودان وطن واحد وشعب واحد أو هكذا ينبغى أن نكون.. ولقد مرت صفحات كثيرة مؤلمة على الشعب السوداني أحداثا وأشخاصا وتاريخا وأرجو أن يكون الشعب السوداني أمام صفحة جديدة فى تاريخه أكثر حرية وأمنا ورخاء.


ويبقى الشعر

مَا زالَ يرْكضُ بَيْنَ أعْمَاقى
جَوادٌ جَامحٌ..
سَجنوهُ يوما فى دُروبِ المسْتحيلْ..
مَا بَيْنَ أحْلام الليَالى
كانَ يَجْرى كلَّ يَوْم ألفَ مِيلْ
وتكسّرتْ أقدامُهُ الخضراءُ
وانشَطرتْ خُيوط ُالصُّبح فى عَيْنيهِ
وَاختنق الصَّهيلْ
مِنْ يومها وقوافِلُ الأحْزان تَرتعُ فى رُبُوعى
والدّماءُ الخضْرُ فى صَمتٍ تسيلْ
من يَومهَا.. والضَّوءُ يَرْحلُ عنْ عُيونى
والنّخيلُ الشّامخُ المقهُورُ
فِى فَزع ٍ يئنٌ.. ولا يَمِيلْ..
مَا زالتِ الأشْبَاحُ تسْكرُ مِنْ دمَاءِ النيلْ
فلتخبرينِى.. كيف يأتى الصُّبْحُ
والزمَنُ الجمِيلْ..
فأنا وَأنت سَحَابتَان تُحلقَان
على ثَرى وطن ٍبخيلْ..
من أينَ يأتِى الحُلمُ والأشْباحُ تَرتعُ حَوْلنا
وتغُوصُ فى دَمِنا
سِهَامُ البطْش.. والقَهْرُ الطَّويلْ
مِنْ أينَ يأتى الصبْحُ
واللَّيْلُ الكئيبُ عَلى نزَيف عُيُوننَا
يَهْوَى التَسَكُّعَ.. والرَّحيلْ
من أينَ يَأتى الفجْرُ
والجلادُ فى غُرف الصّغَار
يُعلمُ الأطفالَ مَنْ سَيكونُ
مِنْهم قاتلٌ ومَن ِالقتيلْ ..
لا تسْألينى الآنَ عن زَمن ٍجميلْ
أنا لا أحبُّ الحُزنَ
لكن كلُّ أحزانِى جراحٌ
أرهقتْ قلبى العَليلْ..
ما بيْنَ حُلم ٍخاننى.. ضاعتْ أغَانِى الحُبّ..
وانطفأتْ شموسُ العُمر.. وانتحَرَ الأصِيلْ..
لكنه قدَرى بأن أحيا عَلى الأطْلالْ
أرسمُ فى سَوادِ الليل
قِنديلا.. وفجرًا شاحبًا
يتوكَّآن على بقايَا العُمر
والجسدِ الهزيلْ
إنى أحبُّك
كلما تاهت خُيوط ُالضَّوء عَنْ عَيْنى
أرى فيكِ الدَّليلْ
إنى أحبُّك..
لا تكونِى ليلة ًعذراءَ
نامت فى ضُلُوعى..
ثم شرَّدَها الرَّحِيلْ..
أنى أحبُّك...
لا تكُونى مثلَ كلِّ النَّاس
عهدًا زائفًا
أو نجْمة ًضلتْ وتبحثُ عنْ سبيلْ
داويتُ أحْزان القلوبِ
غرسْتُ فى وجْهِ الصَّحارى
ألفَ بسْتان ٍظليلْ
والآن جئتك خائفًا
نفسُ الوُجوه
تعُودُ مثلَ السّوس
تنخرُ فى عِظام النيلْ..
نفْسُ الوُجوُه..
تُطلُّ من خلف النَّوافذِ
تنعقُ الغرْبانُ.. يَرتفعُ العَويلْ..
نفسُ الوجُوه
على الموائِد تأكلُ الجَسدَ النَّحيلْ..
نَفسُ الوجوهِ
تُطلُّ فوق الشاشَةِ السَّوداءِ
تنشرُ سُمَّها..
ودِماؤنَا فى نشْوة الأفْراح
مِنْ فمهَا تسيلْ..
نفسُ الوجوهِ..
الآن تقتحِمُ العَيُونَ..
كأنها الكابُوس فى حلم ٍثقيلْ
نفسُ الوجوه..
تعُودُ كالجُرذان تَجْرىَ خلفنَا..
وأمَامنا الجلادُ.. والليلُ الطويلْ..
لا تسْألينى الآن عَنْ حُلم جَميلْ
أنا لا ألومُ الصُّبحَ
إن ولَّى وودّعَ أرضنَا
فالصبحُ لا يَرضى هَوَان َالعَيْش
فى وَطن ٍذليلْ
أنا لا ألومُ النارَ إن هَدأتْ
وصَارتْ نخوة عرجاء
فى جَسَد عليلْ..
أنا لا ألُوًمُ النهرَ
إن جفتْ شواطئُه
وأجدَبَ زرْعُه..
وتكسَّرتْ كالضَّوء فى عَيْنيهِ
أعناقُ النخيلْ..
مادَامَتِ الأشْباحُ تسْكرُ
منْ دمَاء النيلْ..
لا تسَألينى الآنَ..
عن زمن ٍ جميلْ

قصيدة جاء السحاب بلا مطر سنة 1996
[email protected]
لمزيد من مقالات يكتبها فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.