انتهت الانتخابات الإسرائيلية بفوز تحالف الليكود والأحزاب اليمينية بخمسة وستين مقعدا، وبما يشكل أغلبية مريحة تتيح للحكومة الجديدة برئاسة نيتانياهو أن تُصدر العديد من القوانين التى تفرض واقعا جديدا بالنسبة للضفة الغربيةالمحتلة، ومن ثم توجه الضربة القاضية لاتفاقيات أوسلو التى يعول عليها الفلسطينيون فى استمرار وجود السلطة الوطنية الفلسطينية كخطوة رئيسية فى اتجاه قيام الدولة المستقلة. ويبرز هنا حديث الضم للسيادة الإسرائيلية الذى يخلط ما بين ضم المستوطنات وحدها، وضم أجزاء واسعة من الأرض الفلسطينية بمن فيها من سكان فلسطينيين ومستوطنين معا، وفى المقدمة ما يعرف وفقا لاتفاقيات أوسلو بالمنطقتين ب وج. وكلاهما خاضع لسيطرة أمنية إسرائيلية. والمرجح أن تزداد عمليات الاستيطان بحيث يصبح ضم تلك المستوطنات للسيادة الإسرائيلية أمرا عاديا وليس استثنائيا. والحديث هنا ليس عن مستوطنات كبيرة وأخرى صغيرة، بل عن كل المستوطنات والتى يصل عددها الى 132 مستوطنة توصف بالقانونية ونحو106 مستوطنات عشوائية غير مصرح بها، ولكنها تحظى بحماية الجيش، ويصل عدد المستوطنين إلى نحو650 الف مستوطن وفقا لإحصاءات حركة السلام الآن الإسرائيلية. الذين ينادون بضم المستوطنات يرون أن الظروف الحالية فلسطينيا وعربيا وإسرائيليا وأمريكيا هى الأكثر مناسبة من أى ظروف سبق لإسرائيل أن مرت بها، لاسيما وأن الانحياز الأمريكى قد وصل إلى السماء دون عقبات حقيقية أو اعتراضات جادة، بل إن هذا الانحياز رتب قواعد جديدة فى علاقة إسرائيل بالأراضى العربية المحتلة، والتى يصفونها بالأرض المحررة، وأبرزها قاعدة جواز الاستيلاء على الأراضى التى تم احتلالها فى ظل حرب دفاعية، وما طبقته إدارة ترامب على الجولان السورى المحتل ومن قبل القدس يمكن تطبيقه على أراضى الضفة الغربية، التى لها مكانة خاصة فى العقيدتين اليهودية والصهيونية، وتمثل بالنسبة لهم جزءا عضويا من أرض إسرائيل لا يجوز التنازل عنه او قبول سكن الغير فيه، وهم الفلسطينيون. تقارير إسرائيلية محدودة تتحدث عن أن وعد نيتانياهو بضم المستوطنات هو مجرد وعد انتخابى لضمان تأييد الأحزاب الدينية وجماعات المستوطنين، وهو ما حدث بالفعل، أما تحقيقه واقعيا فيمكن تأجيله والتذرع بعدم توافر الظروف الملائمة. وفى المقابل تقارير أخرى تتحدث عن مساومات تجرى بين نيتانياهو الذى سيكلف وفقا للتقاليد الإسرائيلية بتشكيل الحكومة الجديدة مع أحزاب دينية ويمينية، وجل تركيزها على جعل ضم المستوطنات فى الضفة مهمة رئيسية للحكومة الجديدة. وما بين الموقفين يمكن تصورإقرار عملية الضم كهدف ومهمة رئيسية للحكومة الجديدة، وفى الآن ذاته ترك القرار والتطبيق لرئيس الحكومة وفقا لما يراه مناسبا. وهنا لابد من الوضع فى الاعتبار ما يتردد عن صفقة القرن الأمريكية، والتى رغم عدم توافر معلومات رسمية عن محتواها، لكن ما تتوافر لدى الفلسطينيين من معلومات عنها يصب فى عدم الاعتداد بحل الدولتين المدعوم عربيا، وأقصى ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون فى الضفة الغربيةالمحتلة نوع من الإدارة الذاتية للتجمعات الفلسطينية باعتبارهم مقيمين تحت السيادة الإسرائيلية، مع تسهيلات اقتصادية لتحسين شروط الحياة جزئيا ولمنع أى انتفاضة محتملة. أما قطاع غزة فله تصور إسرائيلى مختلف، لكنه يكمل مبدأ الضم للضفة، والثابت أن سياسة نيتانياهو تهدف الى اعتبار القطاع بديلا للوطن الفلسطينى، وفصله تماما عن الضفة الغربية وعن سيادة السلطة الفلسطينية، والتى يبدو مصيرها غامضا إلى حد كبير. ولكن هذا الفصل ليس حلا ذهبيا، لاسيما وأن من يسيطر على القطاع هى حركة حماس بفكرها وقناعاتها الايديولوجية التى تتناقض جذريا مع وجود إسرائيل ذاته، ويقابلها قناعات الأحزاب اليمينية جميعا بضرورة القضاء على حركة حماس، وهو أمر متعذر حدوثه، ولذا يظل إضعافها إلى أقصى درجة هو الرهان العملى لدى الحكومة الجديدة. لكن هذا الإضعاف حتى وإن حدث وفقا للترتيبات الإسرائيلية فإنه لا يخلو من عقبات كبرى، لاسيما وأن أوضاع الفلسطينيين فى القطاع وصلت إلى مستوى متدن جدا، وأى تكثيف لهذه الأوضاع معناه اليأس من المستقبل، والتحول إلى العنف والمواجهة المفتوحة مهما تكن القيود التى يمكن أن تضعها حماس على حركة الناس، وأيا كانت الضربات التى يقوم بها الجيش الإسرائيلى فلها مردود محدود فى إسكات الناس حين يصلون إلى نقطة اللاعودة. والواضح أن سياسة نيتانياهو تجاه القطاع اعتمدت عدة مبادئ, كتكريس الفصل بين القطاع والضفة من خلال إفساد جهود المصالحة الفلسطينية، والثانى عدم التورط فى حرب مفتوحة مع القطاع، والاكتفاء بتوجيه ضربات عقابية ردا على ما يعتبر تجاوزا من قبل حركة حماس والحركات الفلسطينية الأخرى. والثالث السماح بدعم إنسانى بين الحين والآخر وتمويلات مالية بعيدة عن السلطة الفلسطينية لاسيما من قطر لتهدئة نسبية للأوضاع الإنسانية. وإجمالا تمهيد القطاع أن يكون مستقلا فى ذاته ونواة لكيان فلسطينى. المدخلات السابقة تعنى أن الخيارات الفلسطينية الخاصة بمفاوضات تحت رعاية دولية أو حتى أمريكية أصبحت أقل كثيرا مما كانت عليه من قبل، إن لم تكن معدومة. والمؤكد أن المصالحة بين حركتى فتح وحماس هى شرط أساس لتغيير الكثير من معادلات اليأس الضاغطة على المصير الفلسطينى. ولكن حسابات الأطراف الفلسطينية تبدو بعيدة تماما عن تفعيل هذا الشرط. والمؤكد أيضا أن خيار الدولتين ليس هو الخيار الوحيد، نظريا على الأقل، وهناك خيار الدولة الواحدة لشعبين وقوميتين متساويتين فى الحقوق والمسئوليات. وهناك خيارات المواجهة السلمية على الأرض والخروج من دائرة الصمت الميدانى إلى الفعل المحسوب. وكما رأينا فى الجولان فإن صمت أصحاب الأرض الأصليين عن تعزيز المطالبة بتحرير الجولان بعمل مقاومة ميدانية تغير معادلات الصمت أدى الى تغيير واقع الجولان وزيادة جرعة الاستيطان الإسرائيلى، وأغرى ترامب إلى اعتراف بسيادة إسرائيل عليه. ورغم عدم قانونية القرار الأمريكى فإنه يعكس حقيقة واحدة، وهى أن توقف المقاومة لزمن طويل يؤدى إلى ضياع الحقوق. وهو ما يجب على الفلسطينيين البحث فيه بجديه وتحويله إلى فعل محسوب كمقدمة لكسر الصمت. لمزيد من مقالات د. حسن أبوطالب