أثار الإعلان الأمريكى بضم إسرائيل هضبة الجولان السورية التساؤل عما هو القانون الذى يحكم المجتمع الدولى فى الآونة الحالية وما هى قواعده؛ هل هى القواعد التى جرت تسميتها بالقانون الدولى الذى نرجع إليه فى العلاقات والمنازعات الدولية، أم أنَّه قانون من إخراج الولاياتالمتحدة الأمريكية؟. نشأت قواعد القانون الدولى دون أن تصحبها قوة ردع فعالة تلزم الدول بالخضوع لها. وقد استبشر العالم خيرا لدى إنشاء منظمة الأممالمتحدة وإنشاء الآلية الكفيلة بالتصدى لأى دولة تخالف هذه المبادئ، أى مجلس الأمن، والنص على وجوب التزام الدول بقراراته. بيد أن الولاياتالمتحدة لم تلبث أن فرضت سلطتها على المنظمة المذكورة إلى حد وصل إلى عدم سماحها لمجلس الأمن بإصدار قرارات تخالف مصالحها، أو تقف فى وجه أطماع إسرائيل، وذلك سواء باستعمال حق الفيتو أوبالضغط على الأعضاء بمختلف الوسائل. والواقع أنه لا عجب فى ذلك لأن الولاياتالمتحدة هى المساهم الأكبر فى ميزانية الأممالمتحدة، وتستطيع بذلك أن تشل عملها إذا حجبت عنها مساعدتها المالية. وقد دأبت الولاياتالمتحدة على الادعاء بأنها تستند فى مواقفها إلى قواعد القانون الدولى، غير أنها كانت تحولها الى مبادئ تتفق مع مصالحها وتتغير بتغير هذه المصالح. من ذلك على سبيل المثال موقف الولاياتالمتحدة من القضاء الجنائى الدولى. فقد كان للولايات المتحدة دورأساسى فى إنشاء أولى المحاكم الجنائية الدولية وهى محكمة جرائم الحرب فى يوجوسلافيا السابقة. وإنشاء هذه المحكمة كان بمثابة خلق قوة ردع لأى دولة تخرق أحكام القانون الدولى مما جعل الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة الدكتور بطرس بطرس غإلى يعلن بمناسبة إنشاء هذه المحكمة أن القانون الدولى قد أصبح له أنياب. وذلك غير أنه على عكس الموقف الإيجابى للولايات المتحدة بشأن إنشاء المحكمة السابقة الذكر فإنها اتخذت موقفا سلبيا من الانضمام لهذه المحكمة التى بدأت عملها أول القرن الحالى، بل إنها حظرت محاكمة أى أمريكى بحجة أن الجيش الأمريكى هو الذى يمثل البوليس الذى يحمى العالم. كذلك قامت الولاياتالمتحدة فى الأيام الأخيرة بإلغاء التصريح للنائب العام للمحكمة الجنائية الدولية للدخول إلى أفغانستان للتحقيق بشأن جرائم الحرب المرتكبة من جانب الجنود الأمريكيين. وبالتالى لا غرابة فى إعلان الولاياتالمتحدة شرعية ضم إسرائيل لهضبة الجولان، وذلك وفقا لمبادئ القانون الدولى الأمريكي. وقد برر وزير خارجية الولاياتالمتحدة هذا القرار بحجة أن هذا الضم ماهو إلا استجابة للأمر الواقع. وهذا المنطق القانونى الشاذ هو الذى تستند إليه الولاياتالمتحدة فى تأييدها لما ترتكبه إسرائيل من جرائم القتل الجماعى وتخريب القرى والمدن التى آوَّت الشعب الفلسطينى منذ فجر التاريخ. وقد أجمع رؤساء الدول العربية فى تونس على رفض القرار الأمريكى بشأن ضم إسرائيل هضبة الجولان بأشد العبارات، مؤكدين أن: أى قرار أو إجراء لتغيير الوضع القانونى والديموجرافى للجولان غير قانونى، كما لا يترتب عليه أى أثر قانونى. كذلك اجتمع مجلس الأمن فى جلسة طارئة فى 28 من شهر مارس الماضى لاتخاذ قرار بشأن احتلال إسرائيل هضبة الجولان. غير أن المجلس لم يتمكن من إصدار أى قرار رغم اتفاق جميع أعضائه على عدم الاعتراف بإعلان الولاياتالمتحدة بضم إسرائيل هضبة الجولان، وذلك بسبب اعتراض ممثل الولاياتالمتحدة بمجلس الأمن. كذلك قامت وكيلة الأمين العام للشئون السياسية بالتذكرة ببيان الأمين العام المتمثل فى أن: موقف الأمين العام معروف وواضح وينعكس هذا الموقف فى قرارات ذات صلة صادرة عن مجلس الأمن ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة قرارى مجلس الأمن رقم 242 ورقم 497. كذلك أصدرت الدول الاوروبية الأعضاء بمجلس الأمن بيانًا بأنها: لا تعترف بسيادة إسرائيل فى المناطق التى تحتلها منذ يونيو 1967 بما فى ذلك هضبة الجولان، وأن أى إعلان بشأن تغيير الحدود من جانب واحد يتعارض مع النظام الدولى وميثاق الأممالمتحدة، كما أنه من واجب الدول عدم الاعتراف بأى وضع غير قانوني. ولا شك أن ما صدر من إدانات من جانب الرؤساء العرب فى تونس وكذلك من غالب أعضاء مجلس الأمن ومن مندوبة الأمين العام للأمم المتحدة، فضلا عن رفض الدول الكبرى سالفة الذكر ومن مختلف دول العالم استيلاء إسرائيل على أرض الجولان وتأييد أمريكا لهذا يحمل وزنًا لا يستهان به فى التصدى لهذا العدوان. إن خروج المجتمع الدولى من صمته هذه المرة للتعبير عن رفضه الإعلان الأمريكى هو أمر يبشر بصحوة المجتمع الدولى للوقوف ضد إهدار مبادئ القانون الدولى وحقوق الانسان. غير أن قوة الرأى العام الدولى الناشئة ليست بعد بالقادرة على القيام وحدها بهذا الدور فى مواجهة الثنائى الإسرائيلى الأمريكى الذى يملك من الأسلحة ما يرهب العالم أجمع. لذلك فان العبء الحقيقى لمواجهة استيلاء إسرئيل على هضبة الجولان المحتلة بمباركة الولاياتالمتحدة يقع على عاتق أصحاب القضية أنفسهم أى على جميع الدول العربية . إن كل دولة عربية لا تملك وحدها بطبيعة الحال صد العدوان عليها من جانب دولة عظمى أو من جانب من هو فى حمايتها .غير أن الأمر يختلف اذا ما أجمعت الدول العربية على الوقوف صفًا واحدًا فى مواجهة هذا العدوان. كذلك يتعين على العديد من الدول العربية وضع حد للعجز عن الوصول إلى الرأى العام العالمى عن طريق الإعلام القائم على الحقائق التى لايمكن إخفاؤها اليوم عن العالم. ولا شك أن التوجه لإصلاح الذات هو الخطوة الأولى للإصلاح .ولعل من افضل الطرق للوصول إلى الرأى العام فى مختلف الدول اللجوء إلى عرب المهجر المستقرين فى هذه الدول، إذ هم يشكلون قوة ضاربة فى تعديل الصورة المشوهه للعرب فى العالم وتوجيههم التوجيه الصحيح ودعم الصلة بينهم وبين دولهم الأصلية, وقد حان الوقت لكى يكون للعرب صوت مسموع يواجه الصوت الإسرائيلى ويضاهيه فى التأثير على من يتولى الحكم فى الولاياتالمتحدة. لمزيد من مقالات د. فؤاد عبد المنعم رياض