بمناسبة مرور سبعين عاما علي تأسيس منظمة حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، خرج المتظاهرون المناهضون لهذه المنظمة في عدد من العواصم حول العالم، بما في ذلك واشنطن التي توافد عليها ممثلو الناتو للاحتفال بجمعهم التاريخي العتيد. تأسس الناتو في الرابع من أبريل 1949، إثر توقيع مندوبي اثنتي عشرة دولة معاهدة للدفاع المشترك. والشائع تاريخيا، أن هذا الكيان خرج للوجود بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وكأداة فعالة للمعسكر الرأسمالي في الحرب الباردة. من هنا يتساءل البعض عن جدوي بقاء هذا الكيان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي. ويعتقد الباحث الكندي إيف انجلر، الذي أجري دراسة من عدة أجزاء حول الناتو، أن مواجهة الاتحاد السوفيتي لم تكن الهدف الحقيقي لنشأة الناتو. بحسب انجلر، فإن الاتحاد السوفيتي لم يشكل يوما تهديدا لأوروبا الغربية، بل كان الخطر الحقيقي هو وصول الأحزاب الأوروبية اليسارية والشيوعية إلي السلطة بالطرق الديمقراطية. وقد واجه الحلف هذا الخطر من خلال الردع، بنشر عشرات الآلاف من القوات الأمريكية والكندية في فرنسا وألمانيا وأنحاء أخري من أوروبا الغربية. وبحسب الباحث الكندي، فإن الهدف الآخر لنشأة الناتو هو إخضاع العالم للهيمنة الغربية من خلال تعزيز سيطرة القوي الأوروبية الاستعمارية في كل من إفريقيا وآسيا تحت المظلة الأمريكية، بمعني تعزيز هيمنة العالم الرأسمالي بقيادة واشنطن علي دول العالم. فإذا كانت تلك هي الغايات التي لايزال الغرب يسعي لتحقيقها، فلماذا يتصور البعض أن دور الناتو انتهي أو في سبيله للانتهاء؟! العكس تماما هو الصحيح. ويسوق انجلر عدة أمثلة تؤكد وجهة نظره، من ذلك دور الناتو فيما يسمي بثورات الربيع العربي في ليبيا والإطاحة بمعمر القذافي. يقول انجلر إن دور الناتو لم يقتصر علي قصف ليبيا، بل كانت هناك قوات كندية وبريطانية علي الأرض أسهمت في تحويل هذه البقعة من العالم إلي مستودع لعمليات الاتجار بالبشر ومنطقة فوضي عارمة، وزعزعة الاستقرار في دول الساحل الإفريقي. من الأمثلة أيضا دور الناتو في مواجهة عمليات القرصنة في القرن الإفريقي، وانتشار سفن الناتو في بحر ايجه لمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية القادمة من سوريا وشمال إفريقيا هربا من الأهوال التي ربما أسهمت دول الناتو ذاتها في خلقها في تلك المناطق. ويمثل انجلر تيارا من المثقفين الغربيين المناهضين للناتو لأسباب أخلاقية وبدافع المصالح، حيث يري هؤلاء أن زيادة مساهمات دولهم في ميزانية الدفاع المشترك للناتو تُستقطع من المخصصات المالية التي ينبغي أن تنفقها حكوماتهم علي مايحقق رفاهية مواطنيهم من خدمات تعليمية وصحية واجتماعية وغيرها. يري انجلر أن الناتو لن يشهد سوي مزيد من التوسع في سبيل تحقيق الأهداف ذاتها الني قام لأجلها. فقد كانت النشأة باثنتي عشرة دولة، وبانضمام دول من أوروبا الشرقية وصل عدد أعضائه اليوم إلي تسعة وعشرين، بل وقد تنضم لعضويته دول من أمريكا اللاتينية، مثل كولومبيا والبرازيل اللتين تتمتعان حاليا بوضع خاص. وإذا أخذنا في الاعتبار تزايد مخاطر التوسع الصيني في أوروبا الغربية عبر طريق الحرير الجديد، حزام واحد طريق واحد، فإن احتفال الناتو بخمسة وسبعين عاما من الوجود ربما يمثل مولدا جديدا لهذا الكيان في ظل حروب باردة متجددة.