عندما نحتاج أن نتعلم كيف نغزل الكلمات، رقيقة ناعمة، وأن تغوص فى عمق التراث فيرضى القارىء الباحث عن البساطة الآثرة، فليس أمامنا إلا سيدة البساطة والعمق سناء البيسى، التى يأتى كتابها «عالم اليقين» ليأخذنا فى رحلة ساحرة وعميقة مع التراث رحلة تنتصر للقيمة والاخلاق، دون الوقوف عند الاختلافات أوالخلافات.. رحلة تنتصر للدين فى منابعه الأولى، وبساطته الرحيبة التى تعلى من مكانة الإنسان، وقيم العدل والخير والحب والجمال. وكيف لا.. وهى تأخذنا إلى حياة اولئك العظماء الذين أخذوا بيديها إلى عالم اليقين والايمان، منهم الأنبياء إبراهيم ويحيى وأيوب ورسولنا محمد، ومنهم الصحابة أبوبكر وعمر وعثمان وعلى، ومنهم الحسن والحسين وسيدات بيت النبوة، ومنهم الائمة والمفكرون والقراء والمتصوفة؟. ومن التفاصيل الإنسانية البسيطة، تكشف لنا الكاتبة سناء البيسى عظمة الإنسان الكبير، فالرسول عندما يسمع بكاء الحسن أوالحسين يقول يا فاطمة ما بكاؤه؟ ألا تعلمين أن دموعه تؤذينى؟!. وعندما كان يصلح بين فاطمة ابنته وزوجها على، يقول سعيدا: لقد أصلحت بين أحب الناس إلىّ. وتأخذنا إلى ندم السيدة عائشة عندما تقول: قبض رسول الله بين سحرى ونحرى، ومن سفهى وحداثة سنى أن وضعت رأسه على وسادة، وقمت أصرخ مع النساء.. وكيف حزنت السيدة زينب بنت الامام على وراحت تسأل أنس بن مالك: كيف مكنك قلبك أن تسلم الأرض جثة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويفاجئنا الحسن بن على بحكمته فى فهم النساء: المرأة تكتم الحب أربعين سنة، ولا تكتم البغض سنة واحدة. وتربط كاتبتنا الكبيرة سناء البيسى بين ماضينا التليد وحاضرنا مستشهدة بقول زعيم الهند غاندى «إن الهند إذا ارادت إحراز النصر، فلابد لها من اقتفاء سيرة الحسين». وتقترب من صلابة السيدة نفيسة وحكمتها: على المؤمن أن يستبشر بالمشاق التى تعترضه، والتى امتدحت الإمام الشافعى بعد رحيله! كان رجلا يحسن الوضوء. والإمام الشافعى الذى تكتب عنه سناء البيسى بحب كبير مثل كل رجال كتابها تحدثنا عن: حيرته كأى إنسان : أقمت أربعين سنة اسأل اخوانى الذين تزوجوا عن أحوالهم فى تزاوجهم، فما منهم أحد قال: إنه رأى خيرا. وتعرض علينا نصيحة أحمد بن حنبل تزوج ببكر واحرص ألا يكون لها أم. وإذا كان الرسول رفض أن يتزوج على بن ابى طالب على فاطمة، فإن سناء البيسى تذكر فى كتابها الصادر عن نهضة مصر أن الإمام على تزوج بعد وفاة فاطمة بسبع ليال، كما تزوج أحمد بن حنبل فى اليوم الثانى لوفاة زوجته قائلا: أكره أن أبيت عازبا. ولا تكتفى الكاتبة الكبيرة سناء البيسى برجال الشرق العظماء، ولكنها تعرج على بعض فلاسفة الغرب الذين سحرهم الشرق، فجوتة يقول: أود أن أرحل إلى الشرق النقى، حيث الطهر والحق والصفاء، أود أن أنفذ إلى أعماق الأصل السحيق، حيث كانت الاجناس البشرية تتلقى من لدن الرب وحى السماء بلغة الأرض، أما روجيه جارودى فيحذرنا «رأيت النار تنشب فى الجوار، وتدفعها الريح باتجاهكم، ولما لم اشأ أن أموت دون أن أصرخ صرخة الإيقاظ.. افتحوا أعينكم.. ينبغى أن تكون عيونكم ثاقبة حتى ترى الأفق علينا أن ندير ظهورنا للماضى وننظر للمستقبل انتبهوا لايقاف المسيرة المتجهة نحوالفوضى. كتاب سناء البيسى ليس كتابا واحدا، ولكنه عدة كتب فى الفلسفة والفكر والتصوف وأيام النبوة ورجال الرسالات، ومنه نختم بهذه الطرفة العميقة المغزى لفريد العطار: أن رجلا مهموما قصد الصحراء حتى وصل إلى رجل صوفى هناك، فقال أيها الصوفى كيف بالله تملك زمام أمرك؟ فأجابه الصوفى لقد عشت فى ضنك هذه الدنيا حتى ضاقت بى فى هذا الزمان.. فقال الرجل: هل ضاقت بك كل هذه الصحراء الشاسعة؟! وفقال الصوفى: إن لم يكن هذا المكان ضيقا ما عثرت على هنا. لمزيد من مقالات محسن عبدالعزيز