عن الأستاذة سناء البيسى أتحدث بمناسبة إصدارها رائعتها الجديدة عالم اليقين . بدا لى وأنا أطوف بصفحات الكتاب الرائع، أنها استخرجت فيه عصارة فكرها وأدبها وفنها، وشعلة وفائها النادر ، التى تمثلت فى حياتها الشخصية وفى مبادئها العامة ، وبدت واضحة جلية فى وفائها لمن حولها وفى تناولها شخصيات خالدة فى تاريخ الإنسانية، على قمتها الرسول عليه الصلاة والسلام . نعم هى أيقِّونة الفن أيضًا، فهذا الفن هو الذى قارب بينها وبين زوجها الفنان الكبير منير كنعان، واستمرت حتى اليوم تمارس الرسم بعد حياته، وكرمته فى مجلد قشيب ضخم أخرجته عنه وعن لوحاته الرائعة ، ولم يكن هذا الفن بمعزل عن الأدب الذى أبدعت فيه، فبين الريشة والقلم مصاهرة حميمة لدى سناء البيسى . الكتاب المدهش يضم اثنى عشر فصلاً كبيرًا، ضم كل منها ومضات ومباحث عميقة للكاتبة المبدعة.. محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنبياء ورسل: إبراهيم الخليل، وأيوب الصابر ويحيى الحصور والبيت النبوى وأعلامه: الأم والزوجة والابنة والحفيدة، والصحابة وآل البيت: الصديق ونيس الغار، والفاروق سراج أهل الجنة، وعلى أمام المتقين، والحسن والحسين، دون أن يهمل عمرو بن العاص ومعاوية، ويختم بعمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين. وكبار الأئمة: مالك الذى لا يفتى وهو فى المدينة، وأبو حنيفة إمام أهل الرأى، والشافعى الذى أحرق قديمه ليشيد جديده، وابن حنبل الذى لم يكن حنبليًا، والليث مفتى الديار، والبخارى أصح كتب السنة. أما الأزهر الشريف، الذى تنكر له بعض أبنائه، فخصصت له سناء البيسى فصلاً، تحدثت فيه عن: عمر مكرم الشريف النبيل الذى فجر الحركة الوطنية ومحمد عبده إمام التجديد والإمام مصطفى عبد الرازق البحر الزاخر والإمام مصطفى المراغى وكرامة الاستقالة وعمامة الفتى طه حسين، والباقورى إمام التيسير، والعارف بالله عبد الحليم محمود والشيخ الذهبى أول شهداء الإرهاب، والغزالى سيد الدعاة، والشعراوى إمام الدعاة. أما المفكرون، فقد زينوا الفصل الثامن. أصحاب السعادة الفلاسفة، وجوته الذى صار قاب قوسين أو أدنى من الإسلام، وبنت الشاطئ ورحلتها العريضة، والسيرة العطرة بعين توفيق الحكيم، وجارودى والصرخة الأخيرة، وخالد محمد خالد حافظ القرآن الكريم الذى كان إعصارًا ثقافيًا لاستنهاض الهمم. والقراء: الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء، والشيخ مصطفى إسماعيل سلطان التلاوة. والأنعام فى القرآن. والإسرائيليات التى أطفأها الله. وأخيرًا الحديث القدسى والطواسيم والحواميم فى بدايات السور القرآنية. على أن سناء البيسى لم تكتب لمجرد التكريم أو السرد أو الحفاوة وإنما لاستكناه جوهر الشخصية والموضوع، ونفض الغبار الذى عساه يحجب اليقين عن عيون الناس.. ومن بحثها الفريد وجدت فيه يقينها ، فكان عالم اليقين. ليس فى وسعى أن أنقل لك فى هذا الحيز ، ما فى هذا السفر الرائع الضخم البالغ ستمائة وخمسين صفحة، تتابعه مدهوشًا مأخوذًا كيف تأتى كل هذا البحث العريض الذى يستغرق فى جمعه أعمار رجال. عالم اليقين حصاد رحلة طويلة أنفقتها الأستاذة سناء فى قراءة السيرة العطرة ومن تحلقوا حولها ومن اهتدوا بها فى زمن الدعوة وبعد زمانها. لا عبادة كالتفكر، ومحمد صلى الله عليه و سلم الأسوة الحسنة حيًّا وميتاً، والرحمة المهداة والقرآن الذى يمشى على الأرض. أما اللؤلؤ المنثور فهو ما صدر عنه فى سيرته العطرة. اختارت بعده من الأنبياء والرسل إبراهيم الخليل أبا الأنبياء، وخليل الرحمن، الذى تفجرت منه شجرة الأنبياء المعطرة. وأيوب أنشودة الصبر، الذى احتمل ما لا يتحمله بشر، باعت امرأته الوفية الصابرة ضفيرتها وتحملت عناء العمل لتقيم أودهما هى وزوجها العليل، فلم يزد على أن نادى ربه: «أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فأجابه ربه فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ». ويحيى الحصور الشهيد ابن الشهيد الذى يلبس الوبر ويأكل الشجر، والذى عمد السيد المسيح عليه السلام، وبشر به وله. أما البيت النبوى فتناولت فيه الأم والزوجة والابنة والحفيدة. آمنة بنت وهب أم الأمين سيد الخلق والورى، ترملت قبل مولده ، وعاشت من أجله حتى لقيت ربها، ودفنت بالأبواء حيث قبضت، وعلى قبرها بعد سنين بكى الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم فبكى المسلمون لبكائه وهو يقول: أدركتنى رحمتها فبكيت. وخديجة أم الأمين والزوجة والرفيقة والصاحبة والحبيبة والعون والسند والمشيرة وأم الذرية النبوية.. ودعها المصطفى إلى الرفيق الأعلى وهو يقرئها ما نزل به جبريل رسالة إليها من ربها، فيأتيه ردها: الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام. والزهراء أم أبيها، وفى هذا اللقب الذى ظل الرسول يناديها به، لب شخصيتها التى كانت بمنزلة الأم لأبيها بعد رحيل السيدة خديجة. والسيدة زينب، بنت الزهراء والإمام أم الصابرين، التى شغلت مكان الأم وهى فى العاشرة، صاحبة العلم الغزير والنفس الأبية الصامدة. من أئمة الصحابة: الصديق، ثانى اثنين إذ هما فى الغار، ونيس الغار والهجرة، ورفيق العمر كله، الخليفة الأول الذى وقى المسلمين مخاطر الفرقة، وجمعهم على قلب واحد. والفاروق سراج أهل الجنة، الذى فرق بين الحق والباطل، الخليفة المتبع والمجدّد، والأمين الواثق العادل، وأول حاكم فى التاريخ كفل للناس حرية الفكر والعقيدة وأول من سن فى التاريخ قاعدة من أين لك هذا؟. وعلى بن أبى طالب الفدائى الأول وإمام المتقين: الذى كرم الله وجهه، من أعاد إحياء الخلافة الراشدة. عبقرية الصدق والاستقامة والأمانة، الذى قال له النبى إنك منى بمنزلة هارون من موسى، لولا أنه لا نبى بعدى. ومن هذه الشجرة الطيبة الحسن بن على الذى زهد الخلافة وتنازل عنها حقنًا للدماء وأخذ عهودًا على معاوية لم يحترمها. والإمام الشهيد الحسين بن على، صريع كربلاء فى مشهد يفطر القلوب والضمائر. ليس من المهم أين دفن رأسه، فالحسين فى القلوب.. مثال أبدى للطهر والتزام الحق حتى النهاية، حتى ولو كان الثمن حياته التى بذلها إعلاءً لمبدأ... وبعد، فهذا مجرد تعريف بالكتاب، أما الكتاب فيحتاج وصاحبته إلى حديث آخر طويل!. لمزيد من مقالات رجائى عطية