اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 19 أبريل    تسنيم تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان    الطيران الحربي الإسرائيلي يستهدف منطقة شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة    موعد مباراة جنوى ولاتسيو في الدوري الايطالي    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مباريات اليوم الجمعة 19- 4- 2024    بعد تعليمات الوزير.. ما مواصفات امتحانات الثانوية العامة 2024؟    مخرج «العتاولة»: الجزء الثاني من المسلسل سيكون أقوى بكتير    شريحة منع الحمل: الوسيلة الفعالة للتنظيم الأسري وصحة المرأة    رد فعل صادم من مصطفى يونس على واقعة إخفاء الكُرات فى مباراة القمة    الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المتحدة    عيار 21 يرتفع لأعلى مستوياته.. سعر جرام الذهب بالمصنعية اليوم الجمعة 19 إبريل 2024 بالصاغة    طلب إحاطة في البرلمان لإجبار أصحاب المخابز على خفض أسعار "الخبز السياحي"    أصعب أيام الصيف.. 7 نصائح للتعامل مع الحرارة الشديدة    «ستاندرد أند بورز»: خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    حظك اليوم برج العذراء الجمعة 19-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سوزان نجم الدين تتصدر تريند إكس بعد ظهورها مع «مساء dmc»    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    تقارير أمريكية تكشف موعد اجتياح رفح الفلسطينية    ملف رياضة مصراوي.. ليفربول يودع الدوري الأوروبي.. أزمة شوبير وأحمد سليمان.. وإصابة محمد شكري    "ليست أول فرصة يهدرها في حياته".. كلوب يعلق على الانتقادات ضد صلاح    عز بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 إبريل بالمصانع والأسواق    وعد وهنوفي بيه، الحكومة تحدد موعد إنهاء تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    3 ليال .. تحويلات مرورية بشارع التسعين الجنوبي بالقاهرة الجديدة    أسعار العملات الأجنبية اليوم الجمعة.. آخر تحديث لسعر الدولار عند هذا الرقم    الجامعة العربية تطالب مجلس الأمن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية باعتبار ذلك سبيلاً للسلام    حزب الله اللبناني يعلن استهداف جنود إسرائيليين في محيط موقع الراهب بقذائف المدفعية    صدمة .. إصابة أحد صفقات الأهلي في الميركاتو الصيفي    هدف قاتل يحقق رقما تاريخيا جديدا في سجل باير ليفركوزن    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    شاهد.. نجوم الفن في افتتاح الدورة الثالثة ل مهرجان هوليود للفيلم العربي    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    البابا تواضروس خلال إطلاق وثيقة «مخاطر زواج الأقارب»: 10 آلاف مرض يسببه زواج الأقارب    «علاقة توكسيكو؟» باسم سمرة يكشف عن رأيه في علاقة كريستيانو وجورجينا (فيديو)    متحدث الحكومة: دعم إضافي للصناعات ذات المكون المحلي.. ونستهدف زيادة الصادرات 17% سنويا    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    انطلاق برنامج لقاء الجمعة للأطفال بالمساجد الكبرى الجمعة    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    جريمة ثاني أيام العيد.. حكاية مقتل بائع كبدة بسبب 10 جنيهات في السلام    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    النشرة الدينية.. هل يجوز تفويت صلاة الجمعة بسبب التعب؟.. وما هي أدعية شهر شوال المستحبة؟    الصين: العضوية الكاملة لفلسطين بالأمم المتحدة أكثر إلحاحًا في الوقت الحالي    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    طريقة عمل الدجاج سويت اند ساور    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    بسبب أزمة نفسية.. فتاة تنهي حياتها بالحبة السامة بأوسيم    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهيد ابن الشهيد
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 07 - 2014

طلع البدر بدرى والأيام بتجرى ووالله لسّه بدرى يا شهر الصيام.. شهر أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان..
شهر فيه ليلة خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر.. شهر الشهداء الذى امتزجت فيه دماء أبناء الوطن الواحد على رمال الفرافرة عندما لم تفرق رصاصة الغدر التى أراقت دماء خيرة أجناد الأرض، بين بطرس ابن سوهاج، وأندرو ابن قنا وعدنان ابن أبنوب وإلهامى ابن البدارى، ومينا ابن طهطا.. وبين عبدالحميد وهاشم ومحمد وخالد ومحمود.. الرب واحد والأب واحد والتراب واحد والكل لآدم وآدم من تراب، والأكثر من هذا قول محمد صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة، الأنبياء أخوة، أمهاتهم شتى ودينهم واحد»..
شهر التلاوة والتهجد والاعتكاف وصلاة التراويح والعشر الأواخر وعُمرة رمضان وموائد الرحمن والسباق المحمود فى عدد مرات ختم المصحف الشريف..
شهر الشهيد ابن الشهيد يحيى بن زكريا.. ويا لرفعة تلك المنزلة التى لا يدانيها مقام. أن يكون المرء دونا عن كل البشر من يسميه الله باسمه. يحيى. ليحيا.. من تمنحه الذات الإلهية اسما لم يحمله أحد من قبل.. يحيى ليحيا. من يسلم عليه الخالق يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا.. من يُحيى حياة لوالديه وبرا بوالديه، وأعظم البر بالوالدين أن تشعرهما بالحياة.. من يعرف اسمه وصفاته من قبل مولده: سيدا كريما مؤمنا مصدقا بكلمة تأتيه من الله، ونبيا فى موكب الصالحين.. من مات شهيدا، والشهداء عند ربهم يرزقون، فعندما نُحر يحيى عاش ليحيا.. من أتى به الخالق معجزة للخلق من شيخ تجاوز المائة وهَنَ العظم منه واشتعل الرأس شيبا.. ابن لشيخ تفككت عظامه، وأم شاخت عبر قرن من الزمان عاشته عاقرا.. شيخان فانيان منهما يأتى الطفل المعجزة.. يحيى. ليحيا.. الخصوبة به تعود لوهن زكريا فيكون اهتزازها غضا نديا، وينسكب بفورته إكسير الشباب فى عروق «الياصابات» وقيل عنها «إيشاع» فيعتدل الظهر المحنى ويشرئب القد المحنى سامقاً عفيًا، وتتمشى الحياة رحبة تفرد طيات الرحم المغضَّن «وأصلحنا له زوجه».. بدلنا الأفول بالقبول، وشفا النهاية لنهج البداية، والكمون للبعث، وغدت الأم العجوز صبية غضّة متأهبة للإنجاب.. حياة من بعد موات كذلك قال ربك هو على هيّن وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا.. الناس تحيا مرة ثم تموت. تحيا شبابا وتفنى شيخوخة إلا.. إلا زكريا وزوجه. أحياهما الله فى الدنيا مرتين. الأولى بلغا فيها من السن عتيا، والثانية عندما أحياهما بيحيى.. ولأن الاسم يحيي، فالفعل يحيا، والفعل هنا بصيغة المضارع يفيد الاستمرار.. وقد قتل يحيى ليحيا، لينفرد باسمه «يحيى»، وينفرد بصفة الحنان التى كان لها وبها، حيث لم ترد الكلمة «حناناً» سوى مرة واحدة بكتاب الله المجيد ليكون الأوحد الذى نسب إليها. إلى حنان من وراء العقل، لأنه حنانا من لدنا.. رأسا من الخالق للمخلوق. مشاعر وأخلاق غير مكتسبة ولا مملاة، بل صفة تحكم يحيى فى جميع تصرفاته، لقد تجلى الله باسمه الحنّان على عبده يحيى ليمتلئ بحنان يفيض به على كل من آمن به، وكل من رآه، وكل من استمع إليه، كما كانت الرحمة صفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى كلماته وأفعاله «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»..
ذبح الابن يحيى فى سجن هيرودس وفُصل الرأس عن الجسد ليحمل السياف الرأس على طبق يقدمها فى بلاط ملك ظالم مقابل رقصة آثمة، ومن قبل ذُبح الأب زكريا فى المحراب بين الهيكل والمذبح لتهدر حرمة البيت المقدّس، قتل فى المحراب الذى طالما عطَّره بأنفاسه الشريفة وتراتيله المقدسة.. قتل زكريا فى المحراب الذى نادته فيه الملائكة.. قتل زكريا الشيخ الذى تجاوز المائة.. وهكذا يفعل المجرمون حين يحكمون ويتسلطون.. وذنبه أنه لم يرشد إلى مكان طفله الرضيع يحيى كى يذبح ضمن آلاف الأطفال دون العامين بعدما توهم هيرودس خطراً على ملكه من ميلاد طفل سينازعه ملكه كما قالت له نبوءة الهندوس.. ويأتى المسيح قائلا: «أنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء. يأتى عليكم كل دم زكى سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذى قتلتموه بين الهيكل والمذبح.. يا أورشليم يا قتلة الأنبياء وراجمة المرسلين»..
من زمان ونبى الحنان يحيى.. له فى نفسى منزلة خاصة.. من زمان وحاجة ملحة بداخلى تقول لى وماله لما تسألى وتستفسرى لتوصلى. وأبدا لن تنهدّ الدنيا إذا ما صرختُ فى البرية يا عالم أضيفوا لى عن يحيى وما قيل فى يحيى لتكتمل عندى صورة يحيى لأضع جميع النقاط على الحروف بشأن يحيى الذى اقتات على الجراد وأوراق الشجر، وكان يدخل المغارة فى الجبل فيلقى وحشا ينظر إليه فيعرف أنه نبى الله فيغادر المكان برفق دون أن يحس به يحيى.. لكننى دائما وأبدا كنت أكابد الإحجام عن الإقدام كى لا أسمع عن يحيى من كافة السادة الأفاضل عندما آتى على ذكره عرضا إلا تعليقا مقتضبا منهم يظنون أنهم يفحموننى به، ما هو إلا جملة واحدة من سورة مريم فقط لا غير «يا يحيى خذ الكتاب بقوة» وأنتظر وأنتظر لما بعد القوة حتى يشفى غليلى.. وأنتظر دون جدوى حتى تهن قواى.. من زمان ونفسى أتعرف على أصول وجذور تلك الرابطة ما بين النبى يحيى عندنا كمسلمين، ويوحنا المعمدان عند إخواننا المسيحيين.. من زمان لم أدرك دافعا لدخول زكريا على السيدة مريم المحراب.. من زمان ونفسى أعرف من هم الأنبياء ومن هم المرسلون الذين يجب أن نصلى عليهم يوميا فى الخمس صلوات إلى يوم الدين.. من زمان ولدى إحساس مقيم بأن النبى يحيى لم ينل كغيره من الأنبياء والرسل حقه من الدراسات والبحوث.. وقعدت لها.. وعرفت الكثير..
عدد الأنبياء كما جاء على لسان خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فى قوله لأبى ذر الغفارى أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون، وعدد المرسلين ثلثمائة وخمسة عشر، أما الفارق ما بين النبى والرسول فالأول قد أوحى الله إليه وبعثه هادياً وداعياً وبشيرا ونذيرا، لكنه لم يؤمر بتبليغ الرسالة والرسول من أرسله بما أوحى إليه من كتاب ليدعو الناس به إليه ويعلمهم ما أراد سبحانه أن يبلغهم به، وقد أمرنا الله وكرر فى قرآنه ألا نفرق بين أنبيائه ورسله «والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما».. ولأنه الرؤوف الرحيم العليم بذاكرة البشر وما يتسرب من مسامها فى الكبر، حيث لا يمكنها استيعاب العدد الهائل من الأنبياء والرسل حتى فى الصغر، وحتى الكتب السماوية ذاتها لا تتسع لمجرد الإشارة إليهم كلهم، فقد أورد القرآن أسماء بعضهم فقط دون غيرهم لحكمة عنده «إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا. رسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما»، ولقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم فى صيغة التشهد التى نتلوها تسع مرات على الأقل يوميا فى الصلاة أن نصلى عليهم جميعا بقولنا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، والأنبياء والرسل جميعهم قد جاءوا من بعد سيدنا إبراهيم وهم آل سيدنا إبراهيم فكأنهم جميعا عليهم من الله الصلاة والسلام، كما أننا ونحن نطلب الصلاة والسلام على آل سيدنا محمد أفلا نكون نطلبها لأنبياء الله ورسله، والله سبحانه يقرر أنه يصلى هو وملائكته علينا جميعا بالنص الشريف فى سورة الأحزاب «هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما».. وإذا ما كان من السابقين من امتلأت بذكره الصفحات فهناك من لم ينل حقه من التريُّث أمام بابه رغم منزلته المتفردة بأن يكون نبى الحنان. يحيى. الملاذ والملجأ والمنهل والمسعى من جدب الجفاف.. سيدنا يحيى الذى سيَّده ربه مصدقا بكلمة منه حين جاء النداء لزكريا «فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيدًا وحصورًا ونبياً من الصالحين».. ويطالبنا المغالون بأن نكتفى بذكر اسم رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم فى صلاتنا كمسلمين دون أن نسيده.. كيف؟!!!.. كيف وهو سيد المرسلين وسيد الخلق وسيد ولد آدم؟!
و.. تأكدت من أن النبى يحيى كما جاء فى القرآن الكريم هو يوحنا المعمدان كما أوردته النسخ المتداولة من الأناجيل.. كلاهما شخص واحد.. يوحنا المعمدان النبى يحيى عليه الصلاة والسلام.. إذ يقرر القرآن الكريم فى النص الشريف من سورة الأنبياء «وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين. فاستجبنا له ووهبنا له يحيى».. وتقرر الأناجيل هذه الحقيقة كما جاء فى الإصحاح الأول من إنجيل لوقا فى اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبى وسموه باسم أبيه زكريا. فأجابت أمه وقالت لا بل يسمى يوحنا.. هذا وقد ذكرت بعض الأناجيل اسم يوحنا فقط مثل إنجيل مرقس فى الإصحاح الأول حيث يقول: كان يوحنا يعمد فى البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا، ومثل إنجيل يوحنا فى الإصحاح الأول وهذه هى شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ليسألوه من أنت.. ويتأمل العالم الجليل عبدالرزاق نوفل لفظة المعمدان فيجدها اسم الفاعل من الفعل عمد بمعنى اغتسل. إذ كان الرسول النبى يحيى يغسل أتباعه بالماء، ويطلق على أتباعه اسم المعمدين أو المغتسلين. ومن هنا يقال يوحنا المغتسل أو يوحنا المعمَّد، وزيادة الألف والنون تلاحظ دائما فى الصيغة السريانية المعروفة والمتداولة حتى الآن حيث تضاف الألف والنون لنهاية الاسم، كما نجد فى هاجوبيان بدلا من هاجوب، وعندما يكتب يعقوب فى السريانية نجده يعقوبيان، أما لفظ يوحنا فلو رجعنا إلى تركيب حروفه كما جاءت فى اللغات الأجنبية نجدها كلها تذكره على أنه يوحان JeanBaptisteJohannesdesJaifers ومعنى هذه الصفات الواردة مع الاسم هى المغتسل أو المعمد، مما يقطع أنها لاسمه وصفته، لاسيما وأنها بهذا التركيب اللغوى مطبوعة على صور توزع فى أنحاء العالم لرأس الرسول النبى بعد قتله، وأنها تتداول بهذه الصفة وهذه الأسماء من مئات السنين، فالاسم إذا طبق لما جاءت به المصادر الأجنبية هو يوحان واختلف وضع الألف والنون وتبادلا لتصبح يوحنا بدلا من يوحان، وكما اتضح أن الألف والنون بلاشك زائدتان كما فى لفظ المعمدان فيكون صحة الاسم يوحى بما يشى بيحيى ولاشك بأن تسمية الإنسان بالحياة لم تكن متداولة ولا معروفة وذلك ما يقرره إنجيل لوقا: فأجابت أمه وقالت لا بل يسمى يوحنا. فقالوا لها ليس أحد فى عشيرتك تسمى بهذا الاسم، وفى النص الكريم: «يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً»..
سورة مريم تأخذنى. تأسرنى. تنصتنى. تشجينى. تطربنى. تزكينى. ترهبنى سمعا وبصرا وحبا وشغفا.. أتلوها فيلمسنى نورها بما لها من جو خاص يظللها ويشيع فيها.. سورة يغلبها الحنان والرحمة والرضا والاتصال والدعاء والاستجابة. سورة ينادى فيها المخلوق خالقه بلا واسطة حتى ولا بحرف النداء: رب.. سورة لها إيقاع موسيقى خاص، وجرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء ونماء وعمق. رضيا. سريا. حفيا. نجيا. ولم أكن بدعائك رب شقيا. فهب لى من لدنك وليا.. لم نجعل له من قبل سميا.. بلغت من الكبر عتيا.. آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا.. سبحوا بكرة وعشيا.. وكان تقيا.. ولم يكن جبارا عصيا.. ويوم يبعث حيا.. وكان أمرا مقضيا.. قد جعل ربك تحتك سريا.. تساقط عليك رطبا جنيا.. فلن أكلم اليوم إنسيا.. شيئا فريا.. مادمت حيا.. سورة يُسدل فيها الستار على المشهد لتفتح صفحة جديدة تتجاوز التفاصيل على طريقة القرآن فى عرضه الفنى للقصص ليبرز أهم الحلقات والمشاهد وأشدها حيوية وحركة، فبعدما يترك السياق القرآنى زكريا صائما عن الكلام مسبحا للرحمن يأتى القول يا يحيى خذ الكتاب بقوة.. فى تلك القفزة وذلك الاختزال قد ولد يحيى ونضج وغدا صبيا، وكل هذا فى ذلك العبور القرآنى الفذ الذى تركه السياق المقصود بعدم التوقف عند البديهيات للوصول إلى جوهر الأحداث فيما بين المشهدين.
سورة بدايتها كاف.. ها.. يا.. عين.. صاد.. فاتحة سورة مريم.. وكأنما صفوف من الملائكة المكرمين قد جاءوا من عليين فى مواكب تترى قادمين من حول العرش العظيم يرنمونها أبدع ترنيم.. حروف يتألف منها القرآن فى نسق جديد لا يستطيعه بشر، مع أنهم يملكون الحروف ويعرفون الكلمات لكنهم يعجزون أن يصوغوا منها مثل ما تصوغه القدرة المبدعة لهذا القرآن المعجز «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها».. سورة فيها قصة زكريا ويحيى وعيسى ومريم وإبراهيم وإسماعيل، وإشارات إلى قصص النبيين ومن اهتدى بهم ومن خالفهم من الغواة، ومصير كل من الجانبين.. سورة تعرض قضية البعث ويوم القيامة واستنكار الكون كله لدعوى الشِّرك.. سورة نهايتها النهاية.. الصمت العميق فى واد لا يكاد يحده البصر يسبح الخيال فيه مع ذكرى حياة كانت تنبض وتمرح، وأمان ومشاعر كانت تحيا وتتطلع، وعروش وشيوخ ودول وحروب كانت تدور رحاها فمات الغالب والمغلوب.. ثم إذا الصمت يخيم.. إذا النبض توقف والسريان تجمد.. لا صوت ولا حس ولا حركة.. السكون العميق والصمت الرهيب.. «وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا».. ما من أحد إلا الواحد الحى الذى لا يموت..
ذكر رحمة ربك عبده زكريا.. وهو فى العبرانية «زخريا» المكون من مقطعين ذكر ويا التى هى اختصار «يهوا» اسم الله فى العبرية، وعلى هذا يكون معنى زكريا هو ذكر الله أى الذى يذكر الله، وقد ورد اسم زكريا فى القرآن الكريم سبع مرات فى سور آل عمران، والأنعام، والأنبياء، وكان زكريا ممن يخدمون فى الهيكل فى أورشليم معاصراً لعمران، أحد شيوخ بنى إسرائيل ووالد مريم أم المسيح عليه السلام التى لم تأت قبلها أنثى لخدمة الهيكل.. وقد خرجت القرعة على زكريا ليكفلها وهو زوج أختها لكون يحيى وعيسى عليهما السلام ابنى خالة كما جاء فى حديث المعراج من قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أنا بابنى الخالة عيسى ابن مريم ويحيى ابن زكريا».. وروى عن الحكم بن عبدالرحمن عن أبى سعيد قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابنى الخالة يحيى وعيسى عليهما السلام».. وتفانت مريم فى العبادة تعتكف فى المحراب، فكان زكريا إذا دخل عليها المحراب وجد عندها طعاما كثيرا مع أنه لم يكن يراها تخرج لإحضاره فسألها: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.. ولما لمس زكريا كرم ربه مع مريم أراد أن يناله أيضا مثل هذا الكرم فدعا ربه أن يكون له ولد يرث النبوة التى آلت إليه من ذرية يعقوب عليه السلام واجعله رب رضيا، فاستجاب الله دعاء زكريا بن برخيا ابن مسلم بن صدوق بن حشبان بن داوود بن سليمان بن مسلم ابن صديقة بن برخيا بن بلعطة بن ناحور بن شلوم بن بهفاشاط بن اينامن ابن رحيعام بن سليمان بن داوود.. أبو يحيى النبى من كان أكبر من عيسى بستة أشهر، والذى عينت الكنيسة يوم ميلاده في24 يونيو أى عندما يأخذ النهار فى النقصان، وعيد ميلاد المسيح فى 25 ديسمبر أى عندما يأخذ النهار فى الزيادة استنادا إلى إنجيل يوحنا التى يقول ينبغى أن ذلك يزيد وأنا أنقص، وأرجح الأقوال إن الياصابات قد ولدته فى قرية عين كارم إحدى ضواحى أورشليم ناحية الجنوب، ولا يعلم شيء عن حداثته، وإنما نراه فى سن الرجولة ناسكا وزاهدا يقتات بطعام النسَّاك، ويجوب القرى والمدن يدعو إلى التوبة ويعمِّد التائبين فى نهر الأردن، ليس لحكمة خاصة تمس هذا النهر، وإنما مجرد ماء كان يكفى للتطهر والاغتسال.. ولهذا وكما جاء بنص إنجيل يوحنا فى الإصحاح الثالث إشارة إلى أنه كان يعمَّد فى جهة أخرى لتوافر الماء فيها: وكان يوحنا أيضا يعمد فى عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة وكانوا يأتون ويتعمدون، وهكذا كان يحيى يغسل أجسام المذنبين ليدفعهم إلى التوبة لتغفر لهم خطاياهم وهو أمر يماثل الوضوء والصلاة حيث يتوضأ المسلم خمس مرات فى اليوم والليلة.. وكان التعميد الذى يقوم به يحيى خاصا بالتوبة لأن مجيء المخلص قد قرب وهو يقوم بتمهيد الطريق لمجيئه.. ويسألونه من أنت؟ فيأتى رده: أنا صوت صارخ فى البرية.. ويسألونه: فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح؟.. فيجيبهم: يأتى بعدى الذى صار قدامى.. وقد ولد يحيى قبل المسيح بستة أشهر، أى أن المسيح كان بعده ثم صار قبله فى المكانة.. ويعمِّد يحيى المسيح الذى قدم إليه من الجليل إلى الأردن، ويرى الكثير من أهل الكتاب أن المسيح لم يكن فى حاجة لهذا التعميد لكنه أوضح أنه يتعمد لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر.. ويُسأل عيسى عن يحيي: أنبياً هو؟ فيقول: نعم. وأفضل من نبى.. وتروى السنة أن يحيى وعيسى التقيا، فقال له عيسي: استغفرلى أنت خير منى. فقال يحيي: استغفر لى أنت خير منى. فقال له عيسي: أنت خير منى سلمت على نفسى وسلم الله عليك. ويجلس الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يوما يتذاكرون فضل الأنبياء فقال قائل: موسى كليم الله، وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته، وقال آخر: إبراهيم خليل الله، فقال الرسول: «أين الشهيد ابن الشهيد يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب» وكان يقصد يحيى بن زكريا كما قال ابن وهب.. وعن ابن العاص ما سمعه عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: كل ابن آدم يأتى يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا..
يحيى.. الأشعث الأغبر المتبتل.. ثوبه شعر وطعامه جراد ومنامه كهف وتجواله البراري
يحيى.. يوحنا أتى ليرث تراث الأنبياء يعقوب ويوسف وموسى وهارون وسليمان وداود
يحيى. يوحنا.. أعلى درجات الرضا
يحيى.. يوحنا.. حنانيك..
يحيى.. يوحنا.. حياتى هى صلاتي
يحيى.. يوحنا.. يمشى على أرض ازدهرت عليها سدوم ذات يوم فبغت فخسف بها الله لتغدو عبرة
يحيى.. يوحنا.. ينظر خلفه فيرى تلالا من خطايا
يحيى.. يوحنا.. بشارة الله ابن زكريا مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً
يحيى.. يوحنا.. لم يكن جباراً عتياً ولا عصياً
يحيى.. يوحنا.. قال له الصبيان هيا بنا نلعب فأجاب ما للعب خُلقنا
يحيى.. يوحنا.. حفر دمع الخشية من الله فى كل من خديه أخدوداً
يحيى.. يوحنا.. أخذ الكتاب بقوة وأوتى الحكم صبيا
يحيى.. يوحنا.. إشارة البدء وأولى الخطى ونزع الغطاء عن القوة الحبيسة المنتظرة
يحيى.. يوحنا.. لست المسيح.. أنا أعمدكم بماء، ولكن يأتى من هو أقوى مني، من لست أهلا لأن أحل سيور حذائه
يحيى.. يوحنا.. ألقت سالومى بنفسها تحت أقدامه تسأله حبا فأجابها: ليس فى قلبى مكان لحب غير حب الله
يحيى. يوحنا..
الشهيد.. ابن الشهيد..
جاءت البشرى به مفاجأة لأبوين بلغا من الكِبر عتيا..
وجاءت البشرى بعيسى مفاجأة لمن اصطفاها ربها على نساء العالمين..
معجزتان تحدثان فى نفس الزمان..
فبأى آلاء ربكما تكذبان..
يحيى.. يوحنا..
قالها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم «الأنبياء إخوة أمهاتهم شتى ودينهم واحد»..
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.