توقفت عيونى من فرط الدهشة وأنا أرقب على اليوتيوب اعتراف السيدة ناريمان صادق مطلقة الملك فاروق الذى خلعته ثورة يوليو . كانت ناريمان تتحدث مع من لم يشك أحد فى مصداقيته وهو الإعلامى الراحل طارق حبيب، قالت السيدة ناريمان ضمن ما قالت إن الملك فاروق أخرج من مصر مبلغ مائتى مليون جنيه، جاء ذلك فى الجزء الخامس من محاولة طارق حبيب لتتبع ملفات الضباط الأحرار وثورة يوليو 1952. كان السبب فى مشاهدتى ذلك الشريط هو دهشة حفيدى من قولي: مصر قبل يوليو 1952 تزدحم بضجيج الحلم فى الاستقلال الوطنى لكن البندقية الحارسة للتخلف هى بندقية المحتل وطبعا كانت مصر مجرد بقرة حلوب تعطى أفضل خيراتها بنصف فى المائة من تعداد سكانها أما البقية فهم صرعى الثالوث البشع الفقروالجهل والمرض، وطبعا كنا نملك برلمانا يزدحم بكلمات ضخمة عن أحلام مستحيلة التحقق. فلا توجد قوة تسعى لتحقيقها فالجيش لا يظهر إلا فى أيام خروج المحمل حاملا كسوة الكعبة المشرفة. وجاء جيل مصرى التحق بالجيش فى غفلة من القصر والمحتل ليكون منه جمال عبد الناصر ورفاقه . ضحك حفيدى قائلا: أعلم أنك متحمس تاريخى لثورة يوليو وما تعتبره إنجازاتها وتنسى المثالب التى ملأت الصفحات عن غياب الديمقراطية وانتشار المعتقلات والتعذيب وأهوال الانسحاب من سيناء فى يونيو 1967 وما تلا ذلك من هول عاشه أبناء جيلك حتى يتم تحرير الجانب الآخر من قناة السويس، وماجرى بعد ذلك من قتال منتصر وصولا إلى اتفاقية سلام بارد بين مصر وإسرائيل ثم نمو تيار التأسلم، كان عبد الناصر قد كتم أنفاسه، وطبعا توالى الترهل مع السباحة فى بحر التأرجح طلبا للصداقة مع الولاياتالمتحدة ثم اغتيال السادات ومحاولة مبارك امتلاك فرصة السكون إلى استقرار تتكون فيه طبقة رأسمالية منتجة، لكن وهج النهب لخيرات هذا البلد مع إتساع الهوة بين قلة تملك وكثرة تلهث من أجل الحياة. ثم تكون مجمع من اللصوص انقض على مدخرات البشر، ليزورنا فيروس سى ليرعى فى أجساد عموم المصريين كما سبق وأكلت أكباد المصريين ديدان البلهارسيا. قال حفيدي: منهم كبد صديقك الفنان عبد الحليم حافظ والذى تزدحم حكايات أبى لى عن عمق صداقتك معه. أقول لنترك الحديث عن أكباد المصريين التى يخوض عبد الفتاح السيسى حاليا معركة قارب على الانتصار فيها وهى معركة هزيمة فيروس سي. ولنعد إلى ما اعترفت به ناريمان آخر ملكة لمصر من أن زوجها فاروق أخرج يوم السادس والعشرين من يوليو 1952 مبلغ مائتى مليون جنيه أى ما يساوى باسعار ايامها قرابة الستمائة مليون دولار على الاقل أى ما يوازى بناء ثلاثة (سد عالي) فقد رفضت الولاياتالمتحدة إقراض مصر مائتى مليون جنيه لبناء السد العالى كى يحرر المصريون لقمة العيش وفرصة العمل وجاء الرفض مصاحبا لتفكير عبد الناصر فى حماس شريكه فى ليلة 23 يوليو جمال سالم لهذا المشروع الذى عكف على دراسته فجاء تأميم قناة السويس كى يتوافر مصدر التمويل لهذا الصرح الذى عرف بأنه من أضخم مشروعات القرن العشرين. وجمال سالم كان من اكبر المتحمسين للإصلاح الزراعى وهو من قام مع جمال عبد الناصر بتسليم والد محمد مرسى رئيس التأسلم المعزول صك امتلاك ثلاثة افدنة تعلم من خيراتها محمد مرسى وإخوته . لكن ذلك لم يمنعه من تقديس فيلسوف عودة الإمبراطورية العثمانية الاردوغانية بدعوى تأسيس إمبراطورية الإسلام. قال حفيدي: أعلم أن لك صداقات مع عدد من قادة يوليو أو من قاموا بحمايتها لكن اسم جمال سالم يرد لذهنى للمرة الاولي, أنا اعرف فقط أن الطريق للمطار يمر عبر شارع صلاح سالم. أضحك لحفيدى قائلا: هو شقيق جمال سالم وكان مسئولا عن إعلام ثورة يوليو. يقول حفيدي: لكنك تذكر بكل تقدير الضابط ثروت عكاشة الذى تعلمت انت منه سماع الموسيقى الكلاسيكية بسبب الاوركسترا التى كانت تقيم حفلاتها فى الاوبرا القديمة. أضحك لحفيدي: لم تكن الموسيقى وحدها هى سر محبتى لثروت عكاشة فهو أيضا من نقل معبد ابو سمبل ليبقى شاهدا على الحضارة الفرعونية فلا يختفى جزء منه تحت مياه بحيرة السد العالى بعد تحويل مجرى نهر النيل, فضلا عن تأسيس لما يمكن ان نسميه الثقافة المعاصرة من كتاب ومسرح وأكاديمية فنون التى اصر اتساع الخيال وأحد ممن عملوا تحت قيادته بتجديد الحضارة المصرية باوجهها المتعددة وهو الفنان فاروق حسني.يقول الحفيد: أراك شبه متعاطف مع مبارك. أقول: مع شخصه اقدس له صيانة الجيش وتنمية قياداته فعندما خططت القوى الخارجية لدهس مصر تحت سنابك التأسلم جاء الإنقاذ من الجيش الذى خرج منه السيسى كواحد من أحفاد عرابى الذى وعى قيمة إبراهيم باشا المؤسس للجيش المصرى ثم جاء عبد الناصر لتمتد بصيرته لزراعة رايات الاستقلال بداية من الجزائروحتى الجنوب العربي, وعندما دهم الجهل المتمسك بفكرة الأمن كان تخلف القيادات المستكينة لتدهمنا نكسة يونيو ثم يتولى العلم مع الإرادة قيادة الجيش فيتحقق نصر اكتوبر. يضحك حفيدى قائلا: متحمس أنت للجيش طوال الوقت. أقول: إذا أردت أن تضبط الحياة المدنية فلابد من اقتراض أسلوب الضبط والربط وإعادة التعلم والتدرب كما هو الحال فى الجيش. يقول الحفيد: ما الموجز الذى تريد توصيله لي؟ أقول: أحلم أن تفكر إيناس عبد الدايم مع جهاز التنسيق الحضارى التابع لها كى تضيء اسماء قادة يوليو ميادين مصر ومحافظاتها. وعلى سبيل المثال لا الحصر كيف لا يوجد ميدان باسم صدقى سليمان المشرف على بناء السد العالى من الألف إلى الياء. يضحك حفيدى قائلا: انت تقترض الآن اسم أحد برامج طارق حبيب. أقول للحفيد نحن فى حاجة للوعى بتاريخنا وأثق ان صديقى وصديق والدك د. مصطفى الفقى مدير مكتبة الإسكندرية قادر على إضاءة نور الوضوح لهذا التاريخ. لمزيد من مقالات منير عامر