لم يكن الكثيرون خارج الجزائر يعرفون الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان، ولكن منذ اندلاع احتجاجات الجزائريين على ترشح بوتفليقة لولاية أو عهدة خامسة، كما يطلق عليها الجزائريون تحول الفريق صالح إلى نجم سياسي، وأصبح محط أنظار العالم لمراقبة موقف الجيش الجزائرى من المظاهرات وسط مخاوف ودعوات من أن تنزلق الجزائر مرة أخرى إلى «سنوات الدماء» التى حصدت أكثر من 200ألف شخص خلال عقد التسعينيات عقب الانتخابات الديمقراطية التى جرت فى عام 1991. والحقيقة أن قايد صالح البالغ من العمر 79 عاما الذى يشغل منصبه الحالى نائبا لوزير الدفاع الذى يشغله الرئيس بوتفليقة نفسه منذ عام2013 أصبح محور حديث الناس فى الجزائر وخارج الجزائر، فهو بحكم منصبه يعد «ركيزة» النظام الحالى فى الجزائر بشقيه المدنى والعسكري، أيضا بسبب «ولائه» الشديد الذى كان يكنه للرئيس بوتفليقة طوال السنوات الماضية، قبل أن يظهر على التليفزيون الوطنى فى 26 مارس الماضي، ويطالب بتطبيق أو تفعيل المادة 102 من الدستور وتنحى الرئيس بوتفليقة لعدم قدرته الصحية لممارسة صلاحياته كرئيس، وهو التصريح الذى أثار دهشة واستغرابا وسط الجزائريين والمراقبين فى كل أنحاء العالم، حتى إن البعض اعتبره «انقلابا أبيض» ضد بوتفليقة من رئيس أركانه. ولم تجد دعوته قبولا من معظم الأطراف، وخاصة المتظاهرين الذين اعتبروا تطبيق المادة استمرارا للنظام، وأن ما يجب تطبيقه هو المادة7 من الدستور التى تنص على أن السيادة للشعب. ففى المرتين اللتين سبقتا هذا التصريح ، أعلن قايد صالح آراء مختلفة ورؤية صارمة ضد المظاهرات والمتظاهرين، ففى المرة الأولي، في26 فبراير الماضي، أكد قايد صالح دعمه الكامل ترشح وحصول بوتفليقة على ولاية خامسة، وذلك بعد أربعة أيام فقط من اندلاع المظاهرات الصغيرة نسبيا مقارنة بحجمها الحالى التى خرجت لرفض الولاية الخامسة، بل وشن هجوما عنيفا على المتظاهرين، وقال مهددا فى خطاب بثه التليفزيون الحكومى: «أن الجيش الوطنى بحكم المهام الدستورية المخولة له، يعتبر كل من يدعو للعنف بأى طريقة، وتحت أى مبرر أو ظرف يعد إنسانا يجهل ويتجاهل رغبة الشعب الجزائرى فى العيش فى كنف الأمن والأمان الذى هو يعنى نظام بوتفليقة الحالى ثم تساءل بنبرة حادة «هل يعقل أن يتم دفع بعض الجزائريين إلى المجهول من خلال نداءات مشبوهة ظاهرها التغنى بالديمقراطية وباطنها جر البلاد إلى مسالك غير آمنة ولا تخدم مصلحة الجزائر». وقتها أبدى كثير من الجزائريين دهشتهم من كلام الرجل قائلين إنهم كانوا يأملون أن ينحاز الجيش وقائده لمطالب المتظاهرين. لكن لم يمر يومان على هجوم قايد صالح على المتظاهرين وحدث شيء مفاجئ، وغير مفهوم، ولم يتم تفسيره فى حينها، حيث تم حذف هذا المقطع بالكامل من كل المواقع والصحف الإلكترونية الجزائرية، بما فيها موقع الإذاعة والتليفزيون الحكوميين، بل وتلقت كل المؤسسات الإعلامية الحكومية، والخاصة اتصالا من مسئول «كبير» بوزارة الدفاع يطلب عدم نشر تهديدات رئيس الأركان. لكن سرعان ما جاء التفسير على لسان قايد صالح نفسه فى البيان الشهير الذى طالب فيه بتفعيل المادة 102 من الدستور وتنحى بوتفليقة، وهو الأمر الذى دفع بالرجل وسط دائرة لا تنتهى من التكهنات والتخمينات حول طموحه السياسي، وما إذا كان يريد أن يصبح مرشحا للرئاسة خلفا لبوتفليقة، خاصة أنه لم يتحدث كما كان العهد به قبل ذلك فى هذا البيان عن «إنجازات» بوتفليقة، ولم يمتدح «فخامة» رئيس الجمهورية وزير الدفاع، القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما كان يفعل فى الخطب السابقة كما لاحظ المراقبون. وكما يقول الدكتور محمد دخوش، الباحث الجزائرى فى العلاقات المدنية والعسكرية فى الجزائر، إن دور قايد صالح ونفوذه تزايد بصورة واضحة منذ مرض الرئيس بوتفليقة، ويذكر أنه لم يتول شخص سواء عسكريا أو مدنيا منصب وزير الدفاع منذ اللواء خالد نذار، واعتبر الدفاع الوطنى من مهام رئيس الجمهورية منذ دستور1996. وكان من بين التساؤلات التى أثارتها دعوة قايد صالح بتطبيق المادة 102، هل اتفق مع بوتفليقة على ذلك ليضمن له مخرجا يليق بالرئيس وتاريخه الوطني، أم أنه فاجأ الرئيس ومن حوله بذلك، وأنه لم يبلغ بوتفليقة بذلك مقدما؟. ذكرت وسائل إعلام جزائرية «رسمية» أن الرئيس بوتفليقة والمقربين منه للغاية لم يعلموا شيئا عن دعوة الفريق قايد صالح، وأنه لم يستشر الجناح الرئاسى حول المادة 102، وهو ما دفع السلطات الحكومية إلى إقالة مدير عام التليفزيون الجزائرى الرسمى لأنه أذاع بيان صالح، وهو الأمر الذى ألمح اليه أحمد أو يحيى رئيس الوزراء السابق والأمين العام للتجمع الديمقراطى الحاكم عندما طالب بوتفليقة بالاستقالة فورا وتعيين حكومة انتقالية، محذرا من حدوث أى فراغ دستوري، وسط مخاوف عن احتمال قيام قايد صالح بانقلاب عسكرى بعد دعوته بتنحى بوتفليقة. وهو ثانى قيادى جزائرى رفيع يتخلى عن بوتفليقة وينضم للمتظاهرين. ويرصد المراقبون طموح قايد صالح السياسى من خلال التغيير الذى دخل على لهجته الخطابية وهو يقول إن الشعب والجيش يجمعهما التعاطف والتضامن ونظرة واحدة للمستقبل. لكن ثمة تحديا قويا قد يققف حجر عثرة أمام تحقيق طموح قايد صالح السياسي، وهو خصمه اللدود سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الذى يدير مؤسسة الرئاسة منذ 2013. ولديه هو الآخر طموحات سياسية قوية فى أن يخلف أخيه، ويشير الجزائريون إلى «صراع دام» يدور فى الكواليس بين الرجلين. لكن يبدو أن قايد صالح الذى يمتلك القوة الخشنة سوف ينجح فى السيطرة على الأمور خاصة بعد تشكيله حكومة جديدة التى أعلن عنها أمس واحتفظ فيها صالح بمنصبه، «المنقذ» ولو فى مرحلة انتقالية قصيرة لخروج الجزائر من الأزمة «الدستورية» الحالية، وميلاد الجمهورية الثانية فالجيش الجزائرى يمكن أن يكون «صوت العقل» بين كل الأطراف، والضامن لانتقال سلمى آمن للسلطة ، حتى لا تنزلق البلاد إلى ما آلت إليه بعض البلدان العربية الأخري.