تكشف القراءة المتأملة فى حادث نيوزيلندا الإرهابى بما لا يدع مجالاً للشك عن أن الإرهاب و«الإسلاموفوبيا» وجهان لعملة واحدة اسمها «كراهية الآخر»، ولهذه الكراهية أسبابها لدى الطرفين، فعند المسلمين هى: أولاً: قبل أكثر من ثلاثة عقود وضع عالم السياسة الأمريكى صمويل هنتنجتون نظريته الشهيرة حول صدام الحضارات مشيراً إلى أن الصراع القادم سيكون بين الحضارة الغربية والثقافة الإسلامية، أى أن الصراع سيكون بين البشر، وليس الدول حول الهوية. ثانياً: الصعود المتنامى للتيارات اليمينية المتطرفة فى الغرب والتى تتبنى أفكاراً عنصرية ضد الأقليات الدينية والعرقية وتنتصر للعرق الأبيض، ولعلنا نذكر تصريح الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن بعد تفجير برجى التجارة بالولايات المتحدةالأمريكية فى سبتمبر 2001 وتهديده بحروب صليبية جديدة واصفاً المسلمين بالإرهابيين، كذلك فقد كان أول ما تحدث به الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى خطاب تنصيبه هو (الإرهاب الإسلامي)، كما أن أول قرار رئاسى أصدره بعد توليه السلطة، هو حظر دخول مواطنى سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى بلاده، وعلى ذات المنوال أعلن الرئيس الفرنسى السابق أولاند أن المسلمين يشكلون خطراً على نظام الجمهورية العلماني.. أضف إلى ذلك أن الرئيس الفرنسى الحالى ماكرون أنشأ وزارة «التنمية المستديمة والاندماج» بغرض تنظيم وضع المهاجرين المسلمين فى فرنسا، فى تأكيد لا تخطئه العين أن هناك مشكلة جوهرية فى التعامل معهم. ثالثاً: فى حادث نيوزيلندا لم يحاول الإرهابى الذى ارتكب المذبحة الهروب من مسرح جريمته على عكس حال كل الإرهابيين، بل أصر على تصوير وقائع المذبحة وبثها مباشرة على مواقع الإنترنت وألحقها ببيان فى 75 صفحة تضمن الأسس العقائدية والسياسية والفكرية وراء جريمته النكراء، والأدهى أنه لم ينس تحية ملهميه من كبار السياسة الغربيين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى ترامب وزعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبن. أما أسباب الكراهية لدى الغرب للمسلمين فهي: أولاً : انتشار موجات الإرهاب العابر للحدود المسئول عنها مجموعات وتنظيمات العنف والتكفير التى تتدثر زوراً وبهتاناً بالإسلام، وهو منها براء، والتى وصلت إلى قلب أوروبا وأمريكا، وهو ما رسخ صورة ذهنية نمطية معادية للمسلمين لدى الرأى العام الغربي، وذلك على الرغم من أن الإحصاءات الغربية نفسها ترصد أن 2% فقط من الهجمات الإرهابية التى شهدتها الدول الغربية قام بها مسلمون. ثانياً: لم يستطع عدد كبير من المهاجرين المسلمين الاندماج مع المجتمعات الغربية التى هاجروا إليها، فعاشوا فى شبه عزلة واغتراب ثقافي، بل إن بعض هؤلاء المهاجرين ينظرون إلى هذه المجتمعات على أنها «مجتمعات كافرة». ثالثاً: تنامت كراهية الغرب للمهاجرين، ولاسيما المسلمين منهم باعتبارهم الخطر الأكبر على هوية المجتمعات الغربية (وصل عدد المسلمين فى دول الاتحاد الأوروبى إلى 20 مليونا وفى أمريكا إلى 3.5 مليون مسلم)، وهو ما حدا بالمجتمعات الغربية لنعت المهاجرين المسلمين بالغزاة، ولقد اتسعت دائرة كراهية المسلمين، وهو ما عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية فى أكثر من دولة أوروبية، والأدهى أن الحوادث التى تتعلق بكراهية المسلمين أو التحريض أو العداء ضدهم قد زادت بنسبة 600% أى ستمائة ضعف فى بريطانيا منذ الهجوم الإرهابى على المسجدين بنيوزيلندا. وتبقى الإشارة إلى مضمون العبارات التى كتبت على أسلحة منفذ العملية والتى استدعت من ذاكرة التاريخ قديمه وحديثه كل ما يؤجج مشاعر البغض وعدم التصالح بين العالمين الغربى والإسلامي، إلى درجة العودة إلى زمن الحروب الصليبية، وتوسع الامبراطورية العثمانية فى أوروبا حتى هزيمتها هناك، وكأنها إحياء لماض كان يظنه الكثيرون قد انقضى وطويت صفحته. د. محمد محمود يوسف أستاذ بجامعة الإسكندرية