أزعم أن العالم كافة لا ينظر إلى بلادنا العربية كأمة واحدة فيها اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبى أو وحدة ثقافية أو اقتصادية، العالم يرانا على حقيقتنا أمة حباها الله بالخيرات وبمصادر ثروات لا تنضب وبالرغم من ذلك ترتفع نسبة الفقر والبطالة وما هو أشد خطورة أن تحدث خصومات أو حروب بينها، أمة وحدها التاريخ والجغرافيا والتراث المشترك، تزدحم بالعقول المتوهجة وبالقيم الأخلاقية السامقة، ترى ما سر هذه الفرقة بين الأشقاء فى الدين واللغة والعرق، هل وحدة الشعوب العربية أمر مستحيل؟ ما يحدث على أرضنا العربية وفى فضائنا المفتوح كالسماء لا يمكن أن يقبله ضمير حى واع أو عقل سوى ناضج، كأن هناك منهجا معدا بعناية ومدبرا بدقة لتدمير مستقبل الأجيال العربية، أن سوريا تتمزق وتنزل فيها خمسة جيوش أجنبية ولم يعد قرارها لحكامها بل للغرب وأن يصبح سبعة ملايين سورى لاجئين بل مشردين وما بيد العرب حيلة بل الأمر فى ذلك للدول الكبري، فتحول الملايين من أبناء هذه الأمة الغنية إلى لاجئين يسكنون الخيام، والمستقبل مجهول أمام أجيالهم الصاعدة. فى أنحاء العالم متطرفون، ومنتحرون فلماذا الصقت تهمة التطرف والإرهاب بالمنطقة العربية كما الصقت بالدين الإسلامي، وقد أكد الأمر حدث نيوزيلاندا والإرهابى الأبيض أقر بأنه ملحد لا يؤمن بالأديان، لقد فشل مشروع داعش وفى ظنى سببان رئيسيان لهذا الفشل أولهما أنهم فسروا الدين تفسيرا يرفضه أغلب العلماء والمفسرون، فالدين، أى دين، إنما يأتى لكل الشعوب والعصور، وبذلك ظهرت حركة داعش كمتطرفين دينيين وإن كان الدين منهم براء، السبب الثانى لفشلهم أنهم لم يقدموا للعالم الإسلامى أو العربى أو للعالم كافة برنامج اصلاح وتجديد وتعمير بل على العكس امتهنوا القتل والذبح والاغتصاب دون أى رادع من ضمير. لم يقدموا مشروعا حضاريا لأمتهم وللشعوب العربية مما أصاب بالخيبة كل من ظن انهم مدافعون عن الحق، وأسوأ ما تركته داعش الصورة الكئيبة والمرعبة التى شاهدها العالم وهم يهددون بغزو العالم، هذا غير أسباب أخرى لا داعى لذكرها، مما أدى إلى تجدد العداء بين الغرب والشرق، وهيمنت على العقول ذكرى الحروب الدينية وتجاهلوا التقارب الذى حدث بين الشعوب، والسعى إلى سلام دائم راسخ وتجاهلوا أيضا أن الكرة الأرضية ليس فيها بقعة تخلو من المسلمين أو المسيحيين أو البوذيين أو الملحدين، فالأرض ملك لخالقها أعطاها لبنى البشر كافة، كأنهم وقفوا سدا منيعا أمام تيار الحضارة والتاريخ الإنسانى الذى يمضى فى توحيد الأسرة البشرية، وبذلك سيطر مناخ من القلق والخوف على العالم أجمع مما أساء إلى الأديان وانتشر اليأس والإلحاد بين صفوف الشباب وسبحان الله، الذين كانوا يحاربون العالم ملتحفين بالدين أبعدوا الناس عن الإيمان من جراء توحشهم وسلوكهم، وستفشل كل حركة تحتقر الحياة والإنسان والأديان. وكنت آمل أن تتوحد الأمة العربية لصد خطر هؤلاء الخوارج الذين عبثوا بكل القيم السامية وأولها قيمة الإنسان وحياته، ولكن فوجئنا بأن بعض البلدان تؤويهم، وتساعدهم فى الخفاء أو فى العلن بل بعضهم استخدمهم كورقة ابتزاز وتخويف للدول، والعالم العربى صامت فى أغلب حكوماته، إلا أن مصر التى عانت ويلات هؤلاء الخوراج قيض الله تعالى لها أن يخرج من معاناتها ومن رحم تراثها الخالد، جندى من جيشها حمل المسئولية بشجاعة نادرة ابن بارمؤمن صادق يحب وطنه، فانبرى لهم بحكمة وحسم وأنقذ مصر الجميلة المؤمنة الصابرة من براثن تطرف لم تعرفه ووحشية ينفر منها المصرى بطبعه واستطاع أن يأخذ بيد مصر إلى مستقبل مشرق فكأن شعاعا من نور بدد ظلمات فكر ظن أنه سيحكمها خمسمائة عام وزرع الأمل فى ربوع وطنه وللأجيال الصاعدة ومازال يقودها إلى نهضة شاملة برغم قسوة الإرهاب والتضحيات الجسيمة التى يقدمها جيشها وشرطتها ورجالها ونساؤها وبدت مصر كما كانت على مر العصور جوهرة التاريخ واحة الأديان ولن يكتشف شعبها ما قام به البطل إلا بعد زمان إذ سوف يدرك أنه ابنه الأمين الأبى صانع حضارتها المعاصرة. وفى خضم هذا كله بدت شبه الثورات التى أطلق عليها الربيع العربى وأغلب ظنى أن دولا كثيرة آلمها أشد الألم أن يتقدم العالم العربي، وأن تتحد شعوبه للتحرر من رواسب الماضى وأفكاره وسعت لتدمير هذه الثورات ومازالت تتبنى الإرهاب وثعابينه ليبث سم الفرقة والعداء بين بلدانها، ولا سبيل أمام العالم العربى لكى يخرج من كارثة الحروب التى تحيط به إلا بشروط أرصد منها: - وحدة الأمة العربية، ليس معنى ذلك إسقاط هوية أو نظام دولة، أو توحيد الدساتير وإنما معناها وحدة كوحدة الدول الأوروبية تجمع بين أصغر دولة مع أكبر دولة كما جمعت فى الاتحاد الأوروبى بين قبرص وألمانيا مثلا، ولكى تأتى الوحدة لابد من التدرج من وحدة ثقافية إلى وحدة اقتصادية إلى وحدة سياسية كما هو الحال فى الاتحاد الأوروبى أو فى اتحاد دول أمريكا اللاتينية أو الدول الآسيوية، دون وحدة الأمة لن تقوم لها قائمة وستظل تشترى السلاح والقمح من دول أخري. بالرغم من أنى أتمنى أن يكف العالم عن إنتاج اسلحة الدمار فإننى أرى أن الأمة العربية ينبغى أن يكون لها جيش شبيه بحلف الأطلسي، وهنا يأتى دور مصر، ورسالتها، فهى المركز الأساسى للوحدة العربية، لابد أن يدرك العرب أن الاقتصاد والرخاء وحدهما لن يصنعا قوة فى هذا العالم، فلابد لها من جيش وشرطة، وكفاءات فى كل مجال، ان مصر ياسادة بموقعها بين ثلاث قارات وحجمها السكانى وثقافتها التى أعطت علماء فى كل مجال وتاريخها الممتدة جذوره إلى سبعة آلاف عام، مصر خلقت لتكون قلب وعقل هذه الأمة. إن لم تمتلك الأمة العربية الإرادة الثابتة والرؤية الثاقبة لمستقبلها والحكمة القديرة والرغبة الجادة من حكامها وشعوبها لن تستطيع أن تتوحد فوحدة الشعوب ثقافة وتضحية وخبرة. لمزيد من مقالات د. الأنبا يوحنا قلته