دراسات حديثة بمشاركة جامعة القاهرة للاستفادة من المياه الجوفية تعد شرق العوينات واحدة من أهم المناطق الواعدة بعد توشكى فى جنوب مصر، هذه المنطقة، التى بدأ العمل بها منذ 1996، لم يتوقع أحد وقتها أن تزرع 100 ألف فدان قمح فقط، إلا أنها تواجه تحديات عديدة من حيث توفير المرافق والخدمات منذ سنوات، رغم أنها تمثل ضلعا مهما للتنمية فى جنوب الصعيد، فضلا عن كونها إحدى البوابات الرئيسية لدول إفريقيا. «الأهرام» قامت بجولة فى شرق العوينات وتحاورت مع كل المسئولين حول ما تم وما لم يكتمل بالجنوب الغربى لمصر حيث تقع شرق العوينات. بداية نشير إلى أن هذه المنطقة تقع على بعد 450 كيلو مترا جنوب مدينة الخارجة بالوادى الجديد، وأنها تحتل مساحة كبيرة من هذه المحافظة، كما أنها الضلع الثانى مع توشكى ويليها درب الأربعين، هذه المنطقة التى تمتلك فى المرحلة الأولى 220 ألف فدان، تمت حتى الآن زراعة 166 ألف فدان من خلال شركات الاستثمار وقطاع الإنتاج بوزارة الزراعة بعدد من الحاصلات الزراعية، فضلا عن تربية الثروة الحيوانية، ويعدها سكان الوادى الجديد صمام الأمان الزراعي، لأنها تحتوى على كميات ضخمة من المياه الجوفية المتوافرة والنقية، إلى جانب الزمام الكبير للأراضى الجاهزة للزراعة. محاصيل تصديرية أما خبراء الزراعة فيعدون شرق العوينات المنطقة الأولى فى مصر التى تنتج حاليا زراعات خالية تماما من الأسمدة والمبيدات، وهو ما أكده المهندس سيد عطية، الخبير الزراعى مدير عام الزراعة الأسبق بالمنطقة، لافتا إلى أن موقعها يؤمن الجزء الحدودى الجنوبى الغربي، فى منطقة تلاقى حدود مصر مع ليبيا والسودان، مشيرا إلى أن المنطقة بها هضبة «الجلف الكبير» التى لها أهمية تاريخية، لوجود آثار قديمة بها تعود لعصور ما قبل الميلاد، وما تمتاز به من ثروات تعدينية ثمينة مازالت بكرا لم تمتد لها يد التنقيب حتى الآن، ومن المستهدف أن يمر بها طريق التنمية الإفريقى الذى يربط مصر بوسط إفريقيا عن طريق البحر الأحمر لتسهيل التجارة، وكذلك العبور إلى الجزيرة العربية. وقد شرعت مصر فى بداية القرن العشرين فى تنفيذ هذا الطريق، حيث تم تنفيذ نحو 100 كيلومتر، وبعدها توقف لظروف أخري، مع العلم أن هذه البقعة بها اعلى نسبة سطوع شمسى فى العالم، وبالتالى فهى مصدر جيد لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، ومنفذ فيها منذ فترة طويلة محطة عملاقة توقفت لعدم الصيانة. وأضاف الخبير الزراعى أن المنطقة يمكن استغلالها فى توليد الطاقة من الرياح، ومن الناحية الزراعية يوجد بها ما يزيد على نصف مليون فدان من الأراضى الصالحة للزراعة، والخزان الجوفى بها طبقا للدراسات يتيح رى 220 ألف فدان، وتصل مساحة القمح المنزرعة هذا العام إلى نحو 100 ألف فدان، تتم زراعة المحاصيل التصديرية بها مثل البطاطس والفول السوداني، اللذين يتم تصديرهما بالكامل للدول الأوروبية. وأعرب عطية عن أمله فى اطلاق إشارة البدء لتنفيذ المخطط العمرانى لمدينة شرق العوينات الجديدة، حيث انتهت الهيئة العامة للتخطيط العمرانى فى 2008 من إعداد المخطط الإستراتيجى للمدينة، الذى يتكون من ثمانى وحدات قروية أم، وكل وحدة قروية يتبعها ثلاثة توابع باجمالى 24 تابعا، لتستوعب كثافات سكانية تتخطى ال 100 الف نسمة، وينتظر المواطنون فى مصر والوادى الجديد أن ترى هذه المدينة تحركا من الحكومة حتى يكتمل محور التنمية على الحدود الجنوبية لمصر. واستكمالا لما سبق، يقول محمد أحمد محمود، رئيس قرى العين بشرق العوينات، إن المشروع يمثل أهمية اقتصادية كبرى خاصة بعد تزايد الإنتاج فى مختلف الحاصلات الزراعية، ويعد بعد المسافات للمنطقة سببا رئيسيا فى مختلف المشكلات التى تقابل المكان. وأكد أن شرق العوينات تزخر بكم كبير من الخيرات، وأن هناك جهودا ملموسة تبذلها الدولة لتعمير المنطقة، وجهودا أخرى كبيرة من الشركات الوطنية المصرية التى اقامت مشروعات بشرق العوينات، وعليه أصبح إنتاج شرق العوينات يصل إلى الأسواق المحلية والعالمية، لافتا إلى أن عملهم كإدارة محلية فى المنطقة يكمن فى متابعة تنفيذ المشروعات، ودعم جهود الدولة الرامية الى تنمية المنطقة، وأن المحافظة تعمل بكل اجهزتها التنفيذية لتوفير جميع الخدمات للمناطق الجديدة حسب الاعتمادات المتوافرة. خدمات معطلة من جهته، قال كمال إبراهيم، رئيس مدينة الداخلة، الذى تتبعه شرق العوينات إداريا، إن منطقة شرق العوينات مزودة حاليا بوحدة محلية قروية ونقطة شرطة وسنترال وجمعية تنمية مجتمع ومحطة هندسية زراعية ووحدة بيطرية ووحدة مطافيء لا تعمل، فضلا عن مركز للبحوث الزراعية ووحدة زراعية ومخبزى بلدى وأفرنجى ووحدة صحية ومركز شباب وبنك قرية ومحطة إرسال تليفزيونى وجمعية بناء مساكن ومطار لاستقبال الطائرات ومكتب بريد لا يعمل، وكذلك محطتان للوقود ومحطة لمكافحة الجراد وسوق تجارى ومدرسة ابتدائى لا تعمل. وحول المرافق الموجودة بالمنطقة، قال رئيس الداخلة إن قرية العين مزودة بمرفق مياه بطول 9 كيلومترات، ومرفق كهرباء ل 260 عمودا حديديا بالمشتملات مختلفة الأقطار، ومرفق صرف صحى بطول 12 كيلومترا، وشبكة طرق داخلية بطول 8 كيلومترات أسفلت. أما المهندس ولاء عبد العظيم محمد، رئيس تفتيش الرى بمنطقة شرق العوينات، فيرى أن مصر لم تستغل هذه المنطقة الغنية بالمياة الجوفية، وأن دراسات هيدرولوجية تتم حاليا بين وزارة الرى وجامعة القاهرة لمعرفة إمكانات الخزان الجوفى فى مصر ومنها شرق العوينات، وعقب الانتهاء من الدراسات ستتحدد الإمكانات المائية، ويمكن من خلالها حال توافر كميات المياه التعامل من خلالها، لأن المساحات المتوافرة من الأراضى كثيرة وصالحة للزراعة، لكن من المهم أن ننتظر تحديد الكميات اللازمة لريها. منطقة واعدة وحول نظم الرى بشرق العوينات، قال رئيس التفتيش إن الرى فى المجمل بشرق العوينات يتم بالرى الحديث المطور، وهناك إجراءات قانونية اتخذت تجاه المخالفين خاصة كميات سحب المياه، لأن هناك تحديدا لكميات المياه المقررة للفدان، فهناك مخصصات للفدان وجب التعامل من خلالها ولايجوز السحب أكثر من المخصص، لافتا إلى أن الحكومة ووزير الرى يهتمون بالمنطقة، وأن هناك دراسات تتم على الأراضى الواقعة شمال وشمال غرب شرق العوينات لإمكانية الاستفادة منها، ولكن ذلك مرتبط بما تسفر عن نتائج الدراسات الجارية حاليا مع جامعة القاهرة، لاسيما بعد أن أصبح مشروعا كبيرا ومؤثرا زراعيا فى حجم المساحة المنزرعة بالوادى الجديد، التى تفوق المساحات المنزرعة بمناطق الخارجة والداخلة، فهى منطقة واعدة وبها نحو 12 صومعة غلال تعمل بكامل طاقتها وتحتاج إلى تكاتف الادوار من كل الجهات الحكومية المعنية. وأضاف أن وزارة الرى بدأت العمل على كميات المياه الموجودة، وبدأت فى تحرير تراخيص للآبار القائمة لنحو 70% منها والبالغ عددها نحو 1600 بئر، ونجحت الوزارة فى الحفاظ على كميات المياه وزيادة المساحات المنزرعة، إلى أن وصلت المساحة المنزرعة بالقمح لأكثر من 100 ألف فدان، بعد أن كانت فى عام 2010 نحو 35 ألفا، كما تم البدء فى وضع ضوابط لزراعات البرسيم الحجازي، انخفضت مساحته من 26 الف فدان الى نحو 5 آلاف حاليا لحاجته لكميات كبيرة من المياه، وتضمنت الضوابط ألا تزيد المساحة المنزرعة بالبرسيم الحجازى على 3%، وتم تفعيل ذلك من خلال المرور الميدانى المشترك على الآبار. ويرى المهندس حمدى سيدهم، مدير عام الرى بمناطق الداخلة وشرق العوينات، أن جهودا كبيرة تبذلها وزارة الرى فى ظل توجهات الدولة للاستفادة من المشروعات القومية الكبيرة بينما أكد الدكتور مجد المرسي، وكيل وزارة الزراعة، أن المنطقة غنية بالمقومات الزراعية، فإنتاجها من القمح وصل حاليا إلى نحو 100 الف فدان، ومتوسط إنتاجية الفدان وصل لنحو 20 أردبا، ومن البطاطس نحو 39 ألف فدان لمتوسط إنتاجية للفدان نحو 17 طنا، والشعير نحو 10 آلاف فدان، والبرسيم الحجازى نحو 3 آلاف فدان، والبصل الفتيل نحو 1285 فدانا، والنباتات الطبية والعطرية نحو 510 أفدنة، وقرع العسل 90 فدانا، والذرة الشامية نحو 38 ألف فدان بمتوسط 25 أردبا للفدان، والفول السودانى نحو 270 الف فدان بمتوسط 26 أردبا للفدان، واللب الجورمة 590 فدانا بمتوسط 800 كيلو للفدان، وعباد الشمس 1250 فدانا بمتوسط طن للفدان، والسيلاج 250 فدانا بمتوسط 16 طنا للفدان. طريق بلا صيانة لكن المنطقة كما يراها بعض العاملين وأصحاب السيارات التى تعمل بشرق العوينات بها بعض السلبيات فى مقدمتها طريق »الداخلة شرق العوينات«، الذى يبلغ طوله نحو 400 كيلو متر، ويمثل الشريان الوحيد لربط الداخلة والفرافرة بالمنطقة، فخلاف التكسير والمنحنيات والكثبان الرملية المتحركة التى غطت جزءا كبيرا من الطريق، توجد نقطة إسعاف وحيدة على طول الطريق عند الكيلو 60 من الداخلة، ولا توجد استراحات او أى نوع من أنواع الخدمات، واسر بعض العاملين يقتصر وجودها بالمنطقة على إجازة الدراسة المدرسية لعدم وجود مدرسة تعمل بالمنطقة، رغم وجود مبنى مدرسة، وهناك مشروع القرية الشمسية أقامته احدى الشركات منذ اكثر من 20 عاما وغير مستغل. كما يرى البعض ضرورة إظهار دور أكبر لوزارة الزراعة فى إيجاد الحاصلات الزراعية التى لا تحتاج لكميات مياه كبيرة، وأن تعمل على تغيير النمط الزراعى وإدخال حاصلات لا تحتاج لكميات مياه كالحمص مثلا، ليكون هناك توافق فى الزراعة مع كميات المياه المتاحة. بينما أوضح المهندس عادل شلبي، خبير زراعى مدير الإدارة الزراعية بالداخلة سابقا، ان منطقة شرق العوينات تمتاز بالتربة الجيدة البعيدة عن المبيدات، وتنتج أجود المحاصيل التى تصل إنتاجية الفدان فى بعض زمامات المنطقة لنحو 22 أردبا، وهى خالية من الأمراض الفطرية، خاصة مرض العفن البني، وتصدر غالبية الإنتاج لدول أوروبا، الى جانب زراعات النخيل البارحى والمجدول كأنواع جديدة بالوادى الجديد ويصل سعر فسيلة النخلة الواحدة لنحو 1000 جنيه، ويسوق إنتاجه بأسعار عالية خارج مصر، هذا بالإضافة إلى عسل النحل الذى يتم تسويقه بجميع المحافظات.