رغم الصدمة التى أُصيبنا بها إثر نبأ إطلاق الإرهابى الاسترالى النار بغزارة على مسجدى «كرايست تشيرش» فى نيوزيلندا مما تسبب فى مقتل 51 بريئا من المصلّين المسلمين المسالمين، بالإضافة إلى إصابة الكثيرين منهم إلا أن رد الفعل من السلطات النيوزيلندية، ولا أظنه مفتعلا، كان إيجابيا بإدانة القاتل ووصفه ب «الإرهابى» وأيضا افتتاح البرلمان النيوزيلندى جلساته بتلاوة آيات من القرآن الكريم، وبدء خطاب رئيسة الوزراء بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وقولها: «إن البلاد تقف إلى جانب الجالية المسلمة المكلومة فى أحلك الأيام»، ورغم ما ردده الإرهابى بأنه يثأر لبلاده ضد المسلمين فإن تصريحاته تنضح بالعنصرية والعداء للمهاجرين وامتداحه الرئيس الأمريكى ترامب لانحيازه إلى ما يسمه «القوميين البيض»، ناسيا أن أجداد ترامب الأقربين هم من المهاجرين إلى أمريكا!! ولماذا هم فى الغرب (أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا) يعتبرون من يذود منهم عن بلاده بطلا تاريخيا، بينما من يذود عن أرضه من العرب والمسلمين إرهابيا أو قاطع طريق؟ فيروى التاريخ لنا عن «جان دارك» الفرنسية التى ساعدت الملك شارل السابع فى رد الإنجليز عن حصار «أورليان» عام 1429م، وقد قبض عليها وأحرقت فى روان وهى فى التاسعة عشرة من عمرها واعتبروها بطلة بل قديسة.. أمّا البطل المصرى حاكم الإسكندرية الذى قرر ألاّ يستسلم ويقاوم الحملة الفرنسية بقيادة كليبر عام1798م اعتبروه إرهابيا لأنه يقاوم المحتل دفاعا عن أرضه وعرضه حتى نفدت ذخيرته هو ومن معه وسقط فى أيديهم فجرّسوه ثم أعدموه ونكّلوا بجثته!. شارل ديجول (1890 - 1970) قائد فرنسى ورجل دولة كبير دعا إلى مقاومة الألمان بعد هزيمة 1940 فى نداء مشهور أطلقه من لندن وساعد فى تحرير بلاده من الاحتلال إلى أن ترأس الجمهورية الخامسة فى فرنسا 1959 حتى 1969 واعتبروه بطلا وهو بطل فعلا، ولكن لا ولن ينسى الجزائريون ما فعله الفرنسيون فى بلد المليون شهيد .. وهناك فى ليبيا عمر المختار الزعيم الليبى المجاهد (1858- 1931) الذى كان يدافع عن بلاده فى طرابلس الغرب ضد الاحتلال الإيطالى نعتوه بالإرهابى وقاطع طريق واعتقل وأعدم ..إذن لماذا هذا بطل، وذاك إرهابى؟!. الغزاة الأوروبيون الأوائل غزوا أمريكا وأبادوا سكانها الأصليين من الهنود الحمر، وما أكثر ما رأينا أفلام الكاوبوى التى تظهر أصحاب الأرض الأصليين أنهم هم الإرهابيون الهمجيون، بينما الأمريكى هو «الشجيع»، وهذا ما حدث مع سكان استراليا الأصليين أيضا وهى الدولة التى ينتمى إليها سفاح نيوزيلندا فى كرايست تشيرش، ولا يختلف ذلك عما حدث من غزو أمريكا واحتلالها أفغانستان والعراق وتدميرهما بزعم مكافحة الإرهاب، ويبدو أن هذه هى الثقافة الغربية التى استترت كثيرا وراء شعارات براقة مثل: «الحرية، الديمقراطية، الإنسانية»، والتى كشف عنها تيودور روزفلت قبل توليه الرئاسة الأمريكية بإصداره كتابا يعلن فيه حاجة الشعوب الأكثر «تحضرا» وتقدما لغزو الشعوب «البدائية»!، وقد فعلها بعد توليه الرئاسة فى البيت الأبيض وغزا بنما، وقد هدد الرئيس جورج بوش الإبن فى أثناء فترة رئاسته بحرب صليبية جديدة ضد الإسلام والمسلمين ووصمهم بالإرهابيين ضمن مسلسل «صراع الحضارات»، بل ويستنكرون عليهم ردود الأفعال الغاضبة، فيحركون الأممالمتحدة ومجلس الأمن والهيئات التى يسيطرون عليها بعد الحرب العالمية الثانية لفرض العقوبات الرادعة.. مما سبق من مقارنات يتضح أننا عدنا إلى قانون «الغاب» الذى يفترس فيه القوى الضعيف، والقوة هى التى تفرض قانونها، وما على الضعفاء إلا الإنصات والإذعان، وليس أمامنا إلاّ الجد والاجتهاد والمثابرة لنكون أقوياء أندادا لكى نملك زمام إرادتنا، ولا يملى علينا أحد ما لا نريده ولا نرضاه. د. مصطفى شرف الدين