هو الله، خالق الاكوان والمخلوقات. رب الكواكب والمجرات. اصل كل شيء ومرجع كل امر. نحتاج فى كل مرحلة من حياتنا إلى ان نتبحر فى علم الله الواسع ونستزيد من علاقتنا به ونقوى اواصرنا معه جل جلاله وعز شأنه ومقامه. كلما كنا صغارا عمرا ومعرفة، كلنا لجأنا لله وقت الشدة فقط. وكلما انكشفت عنا الغمة والتمسنا القربى من الله بغير قيد او شرط، ربما سمح الله لنا أن نقترب اكثر ونغترف من رحمته اكثر وننعم بمحبته اكثر. كل واحد منا له تجربته المختلفة مع الله. والمتصوفة يقولون إن عدد الطرق للوصول الى الله بعدد انفاس البشر. الثابت ان البشر يقيمون الصلوات الى الله فى الاديان السماوية بأركان ثابتة لكل صلاة فى كل دين ابراهيمى. ليست هناك إلا اختلافات قليلة بين المذاهب فى امور الصلاة. لكن الجميل والرائع والمتميز ان لكل انسان طريقته الخاصة للتواصل مع الله لكى يحبه بطريقته. الله فى الثمر الطيب النابت على الاشجار والذى ينمو بقدرة الله ليغذى البشر، الله فى السحابة التى تحمينا من الحر القائظ، الله فى النهر الممتد بلا نهاية نابع من الطبقات المختفية العميقة فى الارض، يفتح بلادا ويعمر عوالم ويقرب بشرا وينقل شعوبا وينمى اقواما ويحتضن كائنات بلا حصر او عدد حتى لو كانت بكتيريا نافعة. تنمو على ضفافه نباتات شافية من كل مرض او عطب، و حيوانات تبحث عن رى ظمئها، وغابات تصبح مأوى لكل الطيور والزواحف. ولولا التوازن الدقيق بين الكائنات وهو ما يسمى بالتوازن الايكولوجى. وهو يعنى ان الله اوجد ميزانا دقيقا وخلق كائنات كل منها يعتمد على الاخر حتى اذا جعلها الانسان تنقرض ثم اختلت حياته هى الاخرى. وهذا ما فعلناه عندما قضينا بغرورنا وقسوتنا على كائنات كثيرة. ورغم ان الله قال عن انفسنا التى سواها إنه ألهمها فجورها وتقواها، الا انه يطالبنا دائما بإن نكون رحماء ونتسامح وندفع بالتى هى احسن ولا نستأسد او نجعل الجزء الفاجر فى نفوسنا يتجلى. الله يقول فى كتابه الكريم إنه دائما يضرب لنا الامثال لكى نتدبر و نتفكر. الله علم آدم الاسماء كلها وعلمنا اسماءه الحسنى لندعوه بها ونعرفه من خلالها لكن الله - جل جلاله - فضل من بين اسمائه اسمى الرحمن الرحيم لندعوه بهما مئات المرات فى اليوم الواحد. ما أحوجنا للرحمة، لنعامل كل كائن برحمة وحب. طوبى للرحماء الذين يشعرون بالضعيف ويساندون المكلوم ويعالجون المتألم. وهل عند الله فضل مثل فضل الذى يقف فى عون اخيه. فالله هو الذى بشرنا بأن خيرنا للناس هو انفعنا للناس. الله نور السماوات والأرض. تلك الآية الإعجازية التى يقف الانسان امامها محتارا ومتأملا وباحثا عن معانيها وأسرارها. يهدى الله لنوره من يشاء. وتنساب التفسيرات. هل نور الله هو الايمان به ام الرحمة ام المعرفة ام كل ذلك وغيره؟ ورغم ان الله يرزق كل المخلوقات وعلى رأسها الانسان حتى لو لم يؤمن به، ويرحم الناس جميعا كما وعدنا رب العباد، لكنه كما اصطفى بعض عباده لأمور ما مثل الانبياء والرسل، فهو يصطفى البعض ايضا ليهديهم لنوره. هل نستطيع ان نسعى لنكون من هؤلاء؟ ربما. فالله يفتح لنا دائما ابوابا لندلف منها إلى عالمه الواسع. ومن اعظم ما نستطيع ان نتحلى به ليرضى عنا الخالق ويجعلنا فى زمرة عبادة الصالحين: منهج الحب وعقيدة الايثار. فإذا كانت نعم الله لا تعد ولا تحصى لكل العباد، فما بالنا بعباد الله المصطفين. منهج الحب تجد آثاره فى الكثير من الاشارات التى يبعثها الله من خلال انبيائه ورسله وينشر الرحمة بين عباده. كل شيء حولنا يدفع الانسان الى القسوة والحدة والبغضاء. مناخ العالم قديما وحديثا وشكل المجتمعات يدفع الى التنافس ومن ثم الى الكراهية. فليس لكل منا نفس القدرات ونفس الحظوظ. واغلب الافلام والالعاب الالكترونية تدفع الى العنف. والكثير من المواد الاعلامية تدفع الى الاستقطاب ورفض المختلف. ومازالت العنصرية منتشرة وموجودة بقوة فى الكثير من المجتمعات الموصوفة بأنها متحضرة. وهناك وسوسة الشيطان بلا شك. كل ذلك يباعد بيننا وبين الرحمة والحب والايثار والقبول المطلق لكل البشر والمخلوقات. نحتاج لتدريبات مستمرة لكى نوقظ ارواحنا التى هى فى الاصل قبس من نور الله. ورغم ذلك ظلمناها وظلمنا انفسنا. لكن الله بابه لا يغلق أبدا ورحمته لا تنقطع، ويدعونا دائما للرجوع و التوبة والحب والتذكر بأن الله نفخ فينا من روحه القدسية. لعلنا نليق بهذا الشرف العظيم. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف دره