عشية افتتاح المؤتمر ال 32 للاتحاد الافريقى ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسى أديس أبابا، العاصمة الاثيوبية المحتضنة مقر الاتحاد، لحضوره ولتولى رئاسته لعام، شاهدنا قفزة، أو صحوة مفاجئة، اعلامية مصرية تطرح القارة الافريقية على ساحتها بشكل مكثف يعطى احساسا ان اعلامنا المتنوع، المكتوب والمسموع والمرئي، اكتشف فجأة قارتنا العتيدة التى يقال دائما انها شهدت بدايات الانسانية التى نحن جزء منها. ثم، وهو المدهش، ان عادت الحالة الى ما كانت عليه بعد اختتام المؤتمر وعودة الرئيس الى ارض الوطن. ويمر اسبوع وثان ولا تتناول أجهزتنا الاعلامية بكل تنوعها اى خبر عن قارتنا يساعدنا على تخطى فترة تاريخية نحاول اصلاحها وهى الفترة التى بعدنا فيها عن إخواننا الأفارقة. فى حين انه كان من المفترض ان نبدأ كإعلاميين وسياسيين ونقابيين وضع خريطة طريق لأسلوب ولمنهاج العودة المفيدة الى قارتنا السمراء، على ان تعود تلك الفائدة عليهم قبل ان تعود علينا. ولكن المفروض شيء والواقع شيء آخر لأننا تعودنا فى حياتنا العامة والخاصة على الاعمال الموسمية المرتبطة بحركة الرئاسة وكأننا نتحدث دائما الى الاعلى ولا نتحدث الى من يحتاج منا الحديث الجيد وهم الموجودون فى القواعد. لذلك حولنا منذ زمان مواقع العمل الاعلامية إلى مواقع توجه من أجل إرضاء وكسب ود صانع القرار حتى لو بعدنا عن مهامنا الاساسية وهي، كالحالة الافريقية، تحقيق التواصل مع اخواننا الذين هم مثلنا شعوب تبحث وتسعى للتقدم فى ظروف نعلم انها صعبة. والمؤسف أن امثالنا ممن يتابعون الأحداث والأخبار، بحكم المهنة فى المقام الأول، نحصل على معلوماتنا الاساسية عن القارة وشعوبها من وسائل الاعلام الاجنبية المقروءة والمرئية. وهى عادة أخبار ملونة ومسيسة إلا فيما ندر من احداث عندما يقفز إعلامى موضوعى ليقول كلمة حق فى هذا الحدث أو ذاك. فيما عدا تلك الحالات النادرة نجد أنفسنا امام اخبار تقف وراءها مصالح كبيرة تسعى فى المقام الاول الى استنزاف الموارد الطبيعية التى لا تزال تحتضنها القارة، او قارة المستقبل كما يطلقون عليها لتجميل أفعالهم. ولا شك ان تقاربنا نحن مع اطراف القارة السمراء لن تحدده اطماع أو مكاسب على حساب شعوبها. إنما كما يحدث دائما ينتج تضامن الفقراء مع بعضهم البعض الكثير من المكاسب المعنوية اولا ثم المكاسب المشتركة الاقتصادية الاجتماعية. كيف نتناول الواقع الافريقى الذى قد أصبح جديدا علينا، بسبب طول البعد الزمني، ولكنه استمر واضحا للعديد منا خاصة الذين يملكون الرغبة فى الطلاع والمعرفة او المتخصصين الكثر فى بلادنا. خاصة وقد عرفنا القارة وشعوبها وكنا بجانبها إبان حركة التحرر الوطنى وبعدنا عنها بعد ان تخلصت من الاستعمار العسكرى المباشر. فى حين اننا، وهم، كنا فى اشد الحاجة لبعضنا البعض حتى نستطيع تحقيق الهدف الاكبر وهو بناء الدولة والاقتصاد والإنسان والسياسة فى مرحلة ما بعد رفع العلم الوطنى والوقوف تحية للسلام الوطني، وامتلاك برلمان واحزاب ورئاسة جمهورية. كنا فى اشد الحاجة لبعضنا البعض لتشكيل قوة شعبية صلبة امام العدو القديم ولكن الذى استمر موجودا على الحدود يستعد للقنص فى الوقت الذى يحدده وتحدده مصالحه المباشرة. ومع ذلك، وحتى لا نستمر نبكى على اللبن المسكوب، علينا ان نبدأ ولا نتأخر ونستمر فى التواصل. وإذا كانت الدولة قد بدأت بالفعل فى التواصل مع بلدان القارة منذ فترة فى شكل تقديم المساعدة الفنية ولو كانت متواضعة ولكنها مهمة، وشرعت فى مد بعض بلدانها بالكهرباء او المساهمة فى بناء السدود التى اكتسبنا خبرات فى إقامتها او بمحاولات زيادة الرقعة الزراعية التى تعود بالنفع على غذاء ابناء القارة او مد بلدانها لطرق ومواد جديدة للقضاء على الملاريا دون الإضرار بالإنسان او الثروة الحيوانية او الزراعية فإن الاعلام والمؤسسات السياسية والنقابية عليها ان تلجأ إلى قواها الناعمة فى مساعدة الأفارقة على التقارب معنا وتقاربنا معهم. إفريقيا اليوم قد تحررت من الاستعمار المباشر ولكن الوقت نفسه اكتسبت خبرات جمة فى كل المجالات وفى جميع الفنون. كما انها خرجت للعالم بشخصيات باتت عالمية، وعندما جاء العالم إليها، جاء معه عدد من المستغلين الطامعين فى ثرواتها واستغلال أبنائها الشباب و الأطفال. وعلينا ان نعود إليها اخوة مساندين لا طامعين. امتلكت إفريقيا الآن قوتها الناعمة التى يجب أن نتعرف عليها. فى البداية قدمت 25 عالما وسياسيا وأديبا حصلوا على جائزة نوبل للسلام والآداب والفيزياء والطب. ساهمت مصر من جانبها بأربع جوائز. ولكن تستمر دولة جنوب افريقيا الأكثر حصولا على جوائز كما كانت الدولة الافريقية الأولى التى تحصل على هذه الجائزة، وكان ذلك عام 1951 وكانت لعالم الطب ماكس ثيللر. ولكن الذى يجمعنا مع القارة ان كل، ونؤكد على كل، علماء القارة الذين حصلوا على جوائز فى اى من فروع العلم كانوا خريجى جامعات افريقية ثم انتقلوا الى الغرب حيث استطاعوا من خلال عملهم فى مؤسسات علمية ان يتفوقوا ويحصلوا على جائزة نوبل. تماما كما حدث مع الراحل العالم احمد زويل. وهو المصرى الذى تخرج فى جامعة الاسكندرية ولولا انتقاله الى مؤسسات علمية اجنبية لما استطاع ان يسخر تفوقه العلمى للبحث والوصول الى نتائج علمية غير مسبوقة. لذا يصبح التعاون والتنسيق العلميان بين المؤسسات العلمية الافريقية إحدى ادوات التعاون بحيث نصل معا الى مكانة تسمح لنا كأبناء قارة واحدة ان نحقق معا تفوقا علميا. خلال العقود الخمسة الماضية عظمت الشعوب الافريقية من فنونها وثقافتها وكياناتها الوطنية. ربما لم تصل الى المنتهى من كل شيء ولكن تتمسك الشعوب الافريقية بهويتها التى عكستها على مجال الفن والثقافة. فبات لها سينما وموسيقى وأغان وأدب وازياء بجانب امتلاكها طموحا تسعى به لتكتسب مكانة خارجية. وهى مجالات لا تزال بعيدة عن إعلامنا وحياتنا الثقافية فى حين انه كان المفروض ان نستمتع به نحن منذ زمان. وقد أن الأوان لأن نتعرف عليه ونستمتع به الآن. لمزيد من مقالات أمينة شفيق