تعثرت الولاياتالمتحدة فى تحقيق أى تقدم من شأنه زعزعة حكم الرئيس الفنزويلى مادورو وتنصيب جوايدو رئيسا مؤقتا، فلم تتمكن من تمرير قرار لمجلس الأمن يسمح لها بإدخال مساعدات إنسانية إلى فنزويلا دون موافقة مادورو عبر الحدود الكولومبية، وهى أول وأهم محاولة أمريكية لتثبيت دعائم حكم جوايدو كرئيس بديل لفنزويلا، فقد اصطدم مشروع القرار الأمريكى بفيتو مزدوج من روسياوالصين، ووصفتاه بأنه تدخل غير شرعى فى الشئون الداخلية لدولة مستقلة، يتعارض مع المواثيق الدولية. لم تكن الانتكاسة الأمريكية فى مجلس الأمن مفاجئة، فالولاياتالمتحدة تدرك مدى خشية الصينوروسيا من الخطوة الأمريكية، لكونها سابقة تتيح للولايات المتحدة تغيير رؤساء الدول إذا عارضوا سياساتها، بالإضافة إلى المخاطر على الاستثمارات الصينية التى تتجاوز 60 مليار دولار والوجود العسكرى والاقتصادى الروسي، واقترابها من الحدود الأمريكية ردا على زحف حلف الناتو بزعامة الولاياتالمتحدة نحو الحدود الروسية فى أوكرانيا وشرق أوروبا. الإحباط الأمريكى الأهم كان عدم الحصول على دعم من حلفائها فى أوروبا أو أمريكا اللاتينية، فقد اعترض الحلفاء على مبدأ استخدام القوة والتدخل العسكرى الذى لوحت به الولاياتالمتحدة أكثر من مرة، بل إن التقارير الواردة من فنزويلا تؤكد أن شعبية الرئيس مادورو قد تعززت، بينما انقسمت المعارضة بين تأييد التدخل الأمريكى ورفضه، وهروب زعيم المعارضة خوان جوايدو إلى كولومبيا رغم صدور قرار قضائى بمنعه من السفر، وهو ما يعرضه للسجن فى حال عودته، وسيكون لخروجه وتأييده التدخل العسكرى الأمريكى تأثيره السلبى على نفوذ المعارضة فى الداخل. لم يقتصر التعثر الأمريكى على جبهة فنزويلا، فقواتها فى شمال شرق سوريا تجمع ما تبقى من عتادها، لتنسحب إلى العراق ومنه إلى الولاياتالمتحدة، رغم أنها فشلت فى التوصل إلى اتفاق مع تركيا أو أى دولة أوروبية بأن ترسل قوات بديلة، ويقترب أكراد سوريا من الاتفاق مع الحكومة السورية على العودة إلى السيادة السورية، واتسع نطاق انتشار الأعلام السورية على المبانى الحكومية فى شرق الفرات، رغم عدم اكتمال الانسحاب الأمريكي، وتسعى كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل للحصول على تعهدات روسية بأن تنسحب القوات الإيرانية من سوريا، ولهذا سافر رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو إلى روسيا، والتقى الرئيس بوتين، رغم انشغال نيتانياهو بالحملة الإنتخابية والاتهامات الموجهة إليه بالفساد، وكان البند الرئيسى لمباحثات نيتانياهو وبوتين حصول إسرائيل على ضمانات روسبة بألا تكرس إيران وجودها العسكرى فى سوريا، وأن تبتعد عن هضبة الجولان، وعدم تعرض الدفاعات الروسية لأية غارات إسرائيلية على سوريا، ورغم أن البيان الختامى للاجتماع تجاهل المسألة الإيرانية المؤرقة لإسرائيل، فإن إعلان الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى على شمخانى بأن إيران أنجزت أكثر من 90% من مهامها فى سوريا يشير إلى اعتزام القوات الإيرانية مغادرة سوريا، لكنها تشترط أن تطلب القيادة السورية ذلك، بعد استقرار السيادة السورية على كامل أراضيها، وتسعى سوريا إلى سرعة إخراج القوات الأمريكية من شرق الفرات وقاعدة التنف، مع الاستعدادات للقضاء على جبهة النصرة فى إدلب، بما يحقق لسوريا السيادة على كامل أراضيها. التعثر الأمريكى الثالث كان مفاجئا للرئيس ترامب، الذى كان يأمل فى تحقيق تقدم كبير فى إخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية التى تهدد الأراضى الأمريكية، لكن اللقاء الذى جرى فى العاصمة الفيتنامية هانوى مع الرئيس الكورى الشمالى كيم جونج أون لم يسفر عن أى اتفاق، ووضح فيه أن ترامب قد بالغ فى آماله بتحقيق انتصار سهل على الجبهة الكورية، واحتفل قبل الأوان بأنه فى طريقه إلى تحقيق خطوة تاريخية بإخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية، لكنه فوجئ بمطالب كيم جونج أون بأن ترفع الولاياتالمتحدة العقوبات وأن توفر ضمانات أمنية منها تقليص الوجود العسكرى الأمريكى فى كوريا الجنوبية وبحر الصين، وهو ما لم يوافق عليه ترامب، الذى عاد إلى الولاياتالمتحدة بلا اتفاق ولا حتى وعود، ووضح خلال المؤتمر الصحفى المشترك مدى إحباط ترامب من نتائج مباحثاته مع كيم جونج أون، نتيجة تجاهل الرئيس الأمريكى تأثير الصين على المباحثات، فهى الغائب الحاضر الذى لا يمكن تجاهل مطالبها المتعلقة بخفض الوجود العسكرى الأمريكى فى شرق وجنوب الصين، وأنه لا يمكن تحقيق أى تقدم أو اتفاق مع كوريا الشمالية دون مباركة صينية، ويعلم ترامب أن الطريق شاق وطويل نحو التقارب مع الصين، فالاتفاق مع كوريا الشمالية لابد أن يمر بطريق الحرير. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد