قد يعتقد وزير الخارجية الأمريكى، ريكس تيلرسون، أن ملخص نهاية العام لسياسة الولاياتالمتحدة الخارجية هو قصة نجاح. ولكن المقالة الافتتاحية التى نشرها فى صحيفة «نيويورك تايمز» فى الواقع توضح العكس، فهى تفصل كيف تفتقر الولاياتالمتحدة إلى النفوذ فى مواجهة العديد من التحديات المهمة على الصعيد العالمى، من كوريا الشمالية إلى الصين إلى روسيا والشرق الأوسط، فالأهداف الأمريكية واضحة، لكن إدارة دونالد ترامب ليست لديها خريطة طريق ذات مصداقية لتحقيقها. مقالات متعلقة * أمريكا ترامب والمكانة المفقودة * كيف نواجه صهيونية ترامب؟ * العالم يواجه ترامب! ونبدأ مع كوريا الشمالية، حيث إن حجة «تيلرسون» هى أن استراتيجية ترامب للمواجهة تعمل بشكل جيد، ويدلل على ذلك بأن إطلاق زعيم كوريا، كيم جونج أون، الصواريخ الاستفزازية مكّن الولاياتالمتحدة من الحصول على 3 قرارات جزائية من مجلس الأمن. دعونا نترك لجهة واحدة الاعتراض الواضح على أن استفزازات «كيم» أنتجت رد فعل دوليا قويا، حتى لو كان ترامب لم يضغط فى الأزمة، وتستحق إدارة ترامب ونيكى هالى، سفيرة الولاياتالمتحدة فى الأممالمتحدة، الإشادة لرعاية القرارات التى تدين بيونج يانج. ومع ذلك، فإن القرارات لا تملك آفاقا كثيرة لخفض التهديد النووى لكوريا الشمالية أو تغيير سلوك «كيم». ويهدف البرنامج النووى لكوريا الشمالية إلى حماية وجود النظام، ولكن التراجع عن الصواريخ سيُضعف «كيم»، وهو يعلم ذلك. لقد نجا النظام الكورى الشمالى لسنوات عديدة من العقوبات التى يخضع لها المواطنون، ويمكن أن يستمر فى البقاء، حتى مع فرض عقوبات جديدة، والنتيجة هى أن النفوذ الأمريكى والدولى على كوريا الشمالية لا يزال ضعيفا. ما هو أكثر من ذلك، لم يحرز ترامب أى تقدم فى كسب النفوذ ضد الصين، التى لها وحدها الأهمية الاقتصادية للضغط على كوريا الشمالية، ويعترف «تيلرسون» بالقدر الذى كتبه، قائلا إن الصين «يمكنها، بل ينبغى أن تفعل المزيد» للضغط على حليفها الجامح. ومع ذلك، فإن الصين ليست لديها مصلحة فى كوريا الشمالية الفاشلة أو الضعيفة، التى تحتاجها كدولة عازلة ضد كوريا الجنوبية، حليفة الولاياتالمتحدة، وليس هناك احتمال لتغيير هذا الحافز الصينى. وتحدث ترامب عن لعبة كبيرة مع الصين خلال حملته الرئاسية، ولم يقدم شيئا، على الصعيد الدبلوماسى، ويقدم «تيلرسون» التشخيص الصحيح للمشكلة بقوله: «إن صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية يتطلب من واشنطن وبكين النظر بعناية فى كيفية إدارة علاقتنا على مدى السنوات ال50 المقبلة»، وبعبارة أخرى، فإن الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدةوالصين مستمرة، لكن إدارة ترامب لم تتخذ أى خطوات واضحة لمعرفة كيفية تشكيل هذه الحرب الباردة. أحد الاحتمالات سيكون من خلال احتواء النمو العسكرى للصين، أو الحد من التأثير الاقتصادى للصين من خلال التحالفات الإقليمية، مثل اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادى، والذى انسحب ترامب منه، أو قبول صعود الصين وتشجيع مشاركتها فى النظام الدولى الليبرالى، فيما اختار ترامب «لا شىء مما سبق»، ولكن دون تقديم استراتيجية بديلة. ويعكس هذا الفشل حقيقة أن الخيارات الأمريكية مقيدة بمخاطر تحدى الصين المباشرة سواء عسكريا أو دبلوماسيا. الأمور لا تزال أسوأ عندما يتعلق الأمر بروسيا، نقطة ضعف إدارة ترامب، حيث كرر «تيلرسون» أنه «لا يمكن أن يكون هناك تعاون طبيعى» مع روسيا مادام غزو أوكرانيا دون حل، لكنه يواصل القول إن الولاياتالمتحدة يجب أن تعمل مع روسيا فى سوريا. والحقيقة هى أن الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، حقق للرئيس السورى بشار الأسد انتصارا على كل من «داعش» وقوات «سوريا الديمقراطية»، ولم تكن الولاياتالمتحدة مستعدة أبدا للتخلص من الأسد، لكن انتصار نظامه الوحشى المؤيد لإيران لا يمكن اعتباره فوزا أمريكيا. المشكلة هى أنه ليس هناك الكثير الذى يمكن أن تفعله الولاياتالمتحدة حيال ذلك، فترامب يدَّعى النصر على «داعش»، ولكن على الأقل فى سوريا، الفوز هو فوز بوتين، وحظ سعيد لتغيير موقف بوتين من أوكرانيا الآن. كل هذا يجلبنا إلى إيران، فكتب «تيلرسون» أن الاتفاق النووى «لم يعد النقطة المحورية» للسياسة الأمريكية، هذا أمر مريح، لكن الأمر يرجع إلى أن ترامب ليس لديه أى نفوذ حقيقى على إيران عبر العقوبات، ويمكن أن تواصل أوروبا علاقاتها الاقتصادية مع طهران، حتى لو انسحبت الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووى. وبدلا من ذلك، يلاحظ «تيلرسون» بشكل فعال أن سياسة ترامب الموالية للسعودية تهدف إلى عزل إيران، وعلى المدى الطويل، فإن محور السعودية- إسرائيل سيكون فى الواقع سيئا بالنسبة لإيران، ولكن ذلك يتوقف على اتفاق سلام بين إسرائيل وفلسطين، ولكنه غير مرجح فى أحسن الأحوال، وهذا لم يذكره مقال «تيلرسون»، فى الوقت الراهن، فإن نفوذ الولاياتالمتحدة على إيران هو فى الحد الأدنى. وأخيرا، هناك باكستان، حيث انحرف ترامب قليلا عن سابقة من خلال مواجهة الحكومة لدعمها «طالبان» فى أفغانستان علنا أكثر من جورج بوش أو باراك أوباما، ولم يثق هؤلاء الرؤساء فى باكستان، لكنهم وجدوا أنه ليس لديهم خيار سوى التعاون مع الحكومات المختلفة فيها، على الرغم من دور باكستان المزدوج، وترامب ليس لديه أى نفوذ أفضل من سابقيه فى باكستان، وكتب «تيلرسون»: إن الولاياتالمتحدة ستشارك مع باكستان إذا كانت «ستبرهن على رغبتها فى الشراكة معنا». إنها «جزرة» بالتأكيد، ولكن حتى تكون هناك «عصا» ذات مغزى، ستواصل باكستان سياستها طويلة الأجل لتأمين نفسها ضد انسحاب الولاياتالمتحدة فى نهاية المطاف من أفغانستان وعودة «طالبان» إلى السلطة هناك، ناهيك عن صعود تنظيم «داعش» فى المنطقة. ولذلك، فإن السنة الأولى لدبلوماسية ترامب ليست واحدة من تلك التى يجب أن يكون «تيلرسون» فخورا بها بشكل خاص، ولا هو ولا ترامب مسؤول عن حدود النفوذ الأمريكى، ولكنهما مسؤولان عن اعتماد سياسات مصممة لمعالجة واقع تلك الحدود، وحتى الآن، فإنهم فى الغالب لم يفعلوا ذلك. ترجمة- مروة الصواف نقلاً عن وكالة «بلومبرج» الأمريكية اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة