الأوقات العصيبة تتطلب اتخاذ تدابير جديدة. لذا، تجمع قادة الاتحاد الأوروبي ونظراؤهم العرب في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر في أول قمة عربية أوروبية من نوعها لبحث التحديات الإقليمية والدولية. كانت هناك قوى دولية وإقليمية غائبة عن الاجتماع الذي استمر يومين من بينها الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا وتركيا وإيران والصين وغياب تلك القوى كان هو «بيت القصيد». ففي كلمته الافتتاحية، قال رئيس مجلس اوروبا دونالد تاسك إن المنطقة «يجب ألا تترك للقوى البعيدة عنها»، تتحكم في تطورات الأحداث فيها. خلال الاجتماعات قدم قادة الدول «صورة قاتمة» لمنطقة تعاني صراعات أقليمية وتدخلات خارجية لا تنتهي، أسهمت في تزايد مخاطر الإرهاب والتطرف والفقر والهجرة غير الشرعية. لم تعاني أمريكا أو روسيا تداعيات تلك الأزمات كما عانت أوروبا، فهى الكتلة «الأقرب جغرافياً»، وارتدادات الأزمات العربية عليها أمنياً واقتصادياً وسياسياً لا فرار منه بسبب القرب الجغرافي. وصعود اليمين المتطرف والتيارات القومية في أوروبا على ظهر «الهجرة» و«الاسلاموفوبيا» لم يكن مجرد «زوبعة في فنجان». فالتيارات اليمينية -القومية المتطرفة، إضافة إلى المشكلات الاقتصادية في أوروبا، قادت إلى البريكست في بريطانيا 2016، وإلى خسارة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل الكثير من رأس مالها السياسي وإعلانها أن هذه آخر ولاياتها كمستشارة لألمانيا. ووفقا لمصادر بريطانية تحدثت ل «الأهرام» فإن الاتحاد الأوروبي يتجه لتعزيز دوره في المنطقة لعدة أسباب من بينها أن «أوروبا لا تثق في الإدارة الأمريكية الحالية لفعل الشيء الصواب في المنطقة. هناك اختلافات كبيرة بين الاتحاد الأوروبي وإدارة الرئيس دونالد ترامب، من سوريا إلى خط سلام الشرق الأوسط، مروراً بإيران وهي قضية خلافية كبرى أيضاً». ويقول مصدر بريطاني آخر ل«الأهرام»: «لقد بادرنا في عام 2015 بالمساعدة في حل أزمة المهاجرين واللاجئين التي كانت نتيجة مباشرة لسياسات الولاياتالمتحدة في المنطقة، وخاصة العراقوسوريا. ثم جاءت إدارة ترامب لتصور استقبال اللاجئين والمهاجرين على أنه خطر أمني، والسخرية من الخطوات التي اتخذناها ووصفها بأنها ساذجة ومتهورة. ويقول كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي- البريطاني ل «الأهرام»: «من المهم، ونحن نرى التحديات الحالية التي تواجه العالم العربي والاتحاد الأوروبي، أن نرى هذا النوع من القمم حيث يتفاعل رؤساء الحكومات ورؤساء الوزراء في محاولة لإيجاد حلول للعديد من الأزمات التي نواجهها في سوريا واليمن وليبيا، إلى قضايا التطرف والإرهاب والهجرة. هذه ليست سوى بعض القضايا التي تحتاج إلى معالجة وحل. ولأن الاتحاد الأوروبي هو جار قريب للعالم العربي، فمن الأهمية بمكان أن تكون هذه القمة لاعباً أساسياً وليست فقط شيئا يتم تنظيمه في غضون بضعة أشهر فقط. وفي المستقبل، نأمل أن يكون هناك اهتمام أكبر بالتخطيط لإعطاء المزيد من الديناميكية لهذه العلاقة لأنني أعتقد أن هذا هو الطريق إلى الأمام». ويوضح كريس دويل: «أعتقد أنه من المهم للغاية بسبب تراجع الولاياتالمتحدة عن دورها التقليدي في المنطقة، أن يتدخل الاتحاد الأوروبي وأن يتخذ بعض الإجراءات ويتعاون مع دول المنطقة بشأن القضايا الى تهم كلا الطرفين لمحاولة إيجاد طرق تعالج جذور الأزمات الحالية التي ضربت العالم العربي خلال السنوات الأخيرة». فرصة وتحد لكن الأرض لن تكون ممهدة بالزهور. ويعترف مصدر بريطاني ل «الأهرام» بأن «لعب دور فعال في المنطقة كان دائماً صعباً بسبب النفوذ الأمريكي الساحق والمصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الهائلة». لكن المشكلة ليست ببساطة في هيمنة الولاياتالمتحدة فقط، فالاتحاد الأوروبي لديه عيوبه الخاصة. ويوضح كريس دويل: أن أكبر تحد يواجه الاتحاد الأوروبي لوضع سياسة خارجية مشتركة في الشرق الأوسط هو انقساماته الداخلية. ففي داخل الاتحاد الأوروبي، نرى أمثلة على حكومات مثل الحكومة المجرية بقيادة فيكتور أوربان التي تتبني موقفا مناهضا للمهاجرين والهجرة، والذي يختلف كثيراً عن نهج الحكومة الألمانية. هناك انقسامات أيضاً حول قضايا مثل سوريا واليمن. كذلك، هناك اختلافات داخلية فيما يتعلق بصعود أحزاب اليمين المتطرف. هذه الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي تؤثر على قدرته على تطوير استراتيجية متماسكة للسياسة الخارجية. وفي كلمتها خلال القمة، أكدت فيديريكا موجيريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية على أن الحل المتفق عليه دولياً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، جذر الأزمات في المنطقة، هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، تكون القدس عاصمة مقسمة بينهما. وبهذا الموقف، ينأى الاتحاد الاوروبي والجامعة العربية عن موقف الإدارة الأمريكية من قضية القدس. الفيل في الغرفة كانت إيران بالطبع، الفيل في الغرفة. الاتحاد الأوروبي لديه مصالح اقتصادية وسياسية واستراتيجية في إيران وهو يريد الحفاظ على الصفقة النووية مع إيران وحمايتها. وعارضت دول الاتحاد الأوروبي الانسحاب الأمريكي من الصفقة وإعادة فرض العقوبات ضد طهران. لكن دول عديدة في منطقة الشرق الأوسط لديها مخاوف من تزايد النفوذ الإيراني وتتحفظ على الدعم الأوروبي للصفقة النووية وهي قضية يعتقد كريس دويل أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يلعب فيها دور الوسيط. ويوضح ل «الأهرام»: يجب أن يكون هناك حل للتوترات بين دول المنطقة وإيران.. إذا سمحنا للتوترات بالاستمرار، فإن الأسوأ سيحدث، لأنها حرب باردة مستمرة لسنوات. وخلال القمة اعترف دونالد توسك «بوجود خلافات» بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية، لكنه قال إن «الجيران» هم الأكثر عرضة للخطر من القوى البعيدة، أي أن الاتحاد الأوروبي يتحمل من تداعيات الفوضى في المنطقة أكثر من أمريكا التي لطالما جعلها موقعها الجغرافي في منأى عن عواصف المنطقة. آلية عمل جديدة ولكي تكون آلية القمة العربية -الأوروبية مؤثرة وقابلة للاستمرار، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يغير دوره في الشرق الأوسط من كونه مانحاً رئيسياً إلى قوة لديها «نفوذ سياسي إيجابي».