من المعلوم ان أحكام القضاء لا يجوز المساس بها إلا من قبل الدرجات القضائية الأعلى. ومن ثم فإن منظمات حقوق الإنسان دولية كانت أو وطنية لا يحق لها المساس بهذه الأحكام. والواقع أن اعتراض هذه المنظمات لا ينصب على خطأ من جانب القضاء فى أداء الدور المنوط به وفقا للقانون، بل ينصب أساسا على عقوبة الإعدام المنصوص عليها فى القانون الجنائى المصرى والتى ألغتها غالبية الدول الأوروبية، وكذلك العديد من الولاياتالامريكية وغيرها، فضلا عن العهود الدولية التى تنص على وجوب احترام حق الانسان فى الحياة وفى سلامة الجسد. وبديهى ان عدم توقيع عقوبة الإعدام على مرتكبى جرائم القتل من شأنه أن يثير غضب أهل الضحية الذين يرون ان الإعدام هو الواجب توقيعه للقصاص من مرتكبى هذا الجرم، كما انه يمثل رد الاعتبار اللازم للجماعة التى ينتمى إليها الضحية. وقد أتيحت لى الفرصة خلال مشاركتى فى محاكمة جرائم الإبادة الجماعية ضد مسلمى البوسنة امام المحكمة الدولية لجرائم الحرب بشهادة مدى استياء مسلمى البوسنة من عدم توقيع جريمة الإعدام على مرتكبى جرائم الإبادة الجماعية، نظرا لأن نظام المحكمة لم يكن ليسمح بتوقيع هذه العقوبة التى حرمتها المواثيق الدولية. وقد حرصت المحكمة على الرد على هذا الاستياء من جانب أسر الضحايا بالتنويه بأنه لا يصح لها ان تعامل القاتل بالمثل, اى ان تهبط الى مستواه بارتكاب نفس الفعل الذى ارتكبه.هذا فضلا عن ان القضاء يجب ان يلتزم بما قررته المواثيق الدولية التى تقضى باحترام حق الإنسان فى الحياة وفى سلامة الجسد. اما فيما يتعلق بأن عقوبة الإعدام لازمة لردع مرتكبى جريمة القتل أو اي جريمة اخرى فقد ثبت أن جرائم القتل لم يزدد عددها بعد إلغاء عقوبة الإعدام فى دول أوروبية. ومن الطريف انه عندما كان يتم شنق مرتكبى جرائم السرقة فى ميدان عام بلندن فى الماضى كانت تتضاعف جرائم سرقة المتفرجين. بيد أنه يتعين عدم الخلط بين القيم الإنسانية السامية التى تهدف إليها البشرية جمعاء وبين الواقع الذى يفرض نفسه بقوة على المجتمع المصرى. فمصر تعانى فى الأونة الحالية من إرهاب إجرامى بلا حدود تتخفى وراءه دول اجنبية تهدف الى تخريب الوطن, ولن تحد عقوبة السجن وحدها من هذا الإرهاب إن لم تكن تزيده تكتلا وقدرة على التأثير على الآخرين داخل السجن. ومن الثابت أن نص القانون على أي عقوبة مهما عظمت لا يكفى وحده للحد من ارتكاب الجريمة، وذلك طالما كان لدى من يود ارتكابها أمل فى الإفلات منها, ولن يحد من ارتكاب الجريمة سوى إدراك من يسعى الى ذلك بعدم وجود أى فرصة للإفلات من قبضة القانون. ومن المشاهد أن رجال الأمن تزداد قدرتهم يوما بعد يوم على حماية المجتمع, غير أن اقتناع الراغب فى ارتكاب أى جريمة بشدة قبضة القانون من الناحية الفعلية وعدم إمكان الإفلات من العقاب يجب أن يستقر فى الوعى الجمعى. ان مصر تملك من التشريعات ما يفوق فى العدد التشريعات فى دول أخرى, غير أن المواطنين يدركون رغم ذلك تراخى الدولة فى تطبيق العديد من هذه التشريعات، وذلك بدأ بقانون حماية البيئة التى أصبحت تشكل خطرا على حياة الإنسان والقانون المنظم للمرور الذى أصبح أهم مصدر للقضاء على حياة المواطنين. لمزيد من مقالات ◀ د. فؤاد عبدالمنعم رياض