لم يعد أمام عالمنا المعاصر من سبيل للتوافق فى الرؤى والأفكار والتوجهات سوى الحوار والحوار وحده، ذلك بعد أن انغلقت العديد من الكيانات على ذاتها وآثرت العزلة والانكفاء ظانة أن أحادية المصالح هى الغاية المثلى، لكن ها هى مصر وانطلاقا من مسئوليتها التاريخية تحتضن قمة دولية يحتشد فيها الزعماء دعما للأواصر الإنسانية وتعضيدا لمواجهة التحديات المشتركة بالتحالف الإستراتيجى أملا فى إقامة حوار خلاق ووصولا لحل إبداعى لتلك الأزمات المحتدمة والتى طال أمد انعكاساتها السلبية على المجتمع الدولى بأسره، ذلك خلال رسم ملامح مستقبلية جديدة فى مسار العلاقات العربية الأوروبية ذات الروابط السياسية والتاريخية والاقتصادية فضلا عن ثوابت الجوار الجغرافى وما ينبثق عنها من ضرورات. ولعل أهم وأبرز المبادئ التى تعلى هذه القمة من شأنها هو مبدأ التعددية أو تعدد الأطراف المتحالفة تحقيقا لهدف مشترك بتلك المشاركة الفاعلة وتجنبا لانهيار الهيكل السياسى الدولى ونسفا لتلك الأحادية القطبية التى جرت على النظام الدولى كارثيات كبرى على مختلف الأصعدة وعملت على تقزيم كل الكيانات مصدرة ذلك الشعار أمريكا أولا وغيره من آليات النرجسية, وهو ما استشعر العالم خطورته مترقبا النزوع نحو منحى آخر. ولقد جاء التعاون الحيوى بين الكتلة العربية والأوروبية انطلاقا من حساسية القضايا المشتركة التى يتصدرها الإرهاب كوباء سياسى وعسكرى والهجرة غير الشرعية التى حصدت أوروبا من جرائرها الكثير أثر الوضعية المعاصرة للعالم العربى، وغير ذلك من القضايا كالجريمة المنظمة العابرة للحدود والمنعطفات السلبية للقضية الفلسطينية. لكن قضية القضايا بحق هى طبيعة المعالجة الحضارية لكل تلك القضايا باعتبارها العملية التاريخية المتعلقة بإعادة صياغة مجتمع عالمى جديد ينطلق من فكرة أن العدالة والمساواة إنما تمثلان شرطا وجوبيا فى العلاقات بين الشعوب، وتلك هى الرؤية المتوازنة فى استعادة الأمن والاستقرار الإقليمى والدولى. ولعل ممارسة النقد الذاتى على أنماط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إنما يعد من مقتضيات الحوار الحضارى الذى ينبذ العنصرية والأحادية ويعلى من فكرة قبول الآخر مهما يكن ذلك الآخر بتاريخه ومشكلاته وأفكاره وظرفه المعاصر. إن هذه القمة العربية الأوروبية إنما قد جاءت فى هذه الآونة كصيحة إنقاذ وصحوة لتفتح صفحة جديدة فى تاريخ الشرق والغرب وتطمس ظلال الخصومة القديمة وتتوج اللحظة بانتماء جديد يتحرر من كل معوقات مسيرة الحضارة. لمزيد من مقالات ◀ د. محمد حسين أبوالعلا