أية غرابة وأي استنكار يمكن أن يسكن العقل المصري المعاصر ازاء ما يسود الكوكب الأرضي من حروب واضطرابات وصراعات ونزاعات وقلاقل ومساومات ومراهنات ومؤامرات ومخططات واستراتيجيات عدوانية سوداء. وهو يوقن أن أمريكا هي وحدها محور الشر الكوني منذ قرنين ويزيد, فأي جديد يمكن أن يكتشف من أن ذلك التنظيم الشيطاني المسمي داعش هو توليفة سياسية مسمومة يراد اشاعتها واستقرارها بحيث تصبح هي القوة المتحكمة في مقدرات أغلب أو كل الدول العربية والاسلامية توطئة للاستباحة الأمريكية, فمثل هذا التنظيم العنكبوتي قد استطالت قامته في العراق وسوريا وليبيا وأريد له أن يمتد الي مصر بتدبير استفزاز وحشي يكون تقدمة لبواعث الحرب الكبري في المنطقة العربية, وبالفعل قد انبرت مصر عسكريا ولطمت التنظيم العميل المخترع المزعوم في معقله الليبي, فبعد أن راهنت الولاياتالمتحدة علي الفشل أو مايسمي بالتنظيم الارهابي الدولي الاخواني الذي أكد هشاشته في أن يكون ذراعا أمريكية أو بريطانية, لجأت الادارة الأمريكية للبديل الأسوأ بعد أن منيت بخيبات وهزائم- أملا في استمرار تعبئة العالم ضد الاسلام وعالمه بما يمثله التنظيم من نموذج يستدعي الحرب العاجلة علي الاسلام وطمعا في الطوفان البترولي العربي ودفعا وتفعيلا لاستراتيجية التخريب القائدة بالضرورة الي اسقاط الدول من ثم تفكيكها وتفتيتها الغاء للحدود والهويات والقوميات وتحللا من الجغرافيا واذابة للتاريخ وطمسا للوجود العام لتلك المجتمعات البائدة, ذلك والا لماذا قد تخلت أمريكا عن دورها القيادي للعالم كما تزعم- ازاء الموجات التخريبية لذلك التنظيم المسلح في العراق وسوريا وليبيا الا لتؤكد وبشكل غير مباشر انها الداعم الأول لكافة التيارات الارهابية. واذا كانت أمريكا قد اختارت لممارسة العمليات الارهابية في مصر زمنا استراتيجيا, هو ذلك الزمن الذي باتت فيه منشغلة بقضايا حيوية هي قضايا اعادة بناء الدولة وما يرتبط بها من قضايا علي غرار شق قناة السويس الجديدة وتطهير سيناء من الخلايا والبؤر الارهابية وانهاء مفاوضات السد الإثيوبي علي نحو لا تهدر معه حقوق مصر المشروعة في مياه النيل بجانب استعدادها الشغوف لاقامة المؤتمر الاقتصادي العالمي ذلك الذي تعول مصر عليه كثيرا في استثماراتها. أقول انه اذا كانت أمريكا قد اختارت زمنا استراتيجيا لتكريس الفعل الارهابي علي أرض مصر بما يشير الي اهتزاز سلطة الدولة فان مصر أيضا قد اختارت فعلا استراتيجيا حادا يتسق تماما مع ما يحدث وهو التدخل العسكري لدك معاقل داعش في ليبيا باعتبارها مسرحا للجريمة, وهو فعل يشير أول ما يشير الي أن مصر تملك خياراتها الاستراتيجية وترفض منطق الاملاءات السياسية وأن ملامح الشخصية المصرية لا تزال بارزة ولها من القوامة والريق والوجود الفاعل ما يثني أطراف كثيرة عن التعامل معها باعتبارها كيانا مهيضا, فلقد طرحت قضية الارهاب بأبعادها وتشعباتها علي مائدة الحوار العالمي وطالبت كافة الكيانات باتخاذ تدابير رادعة منها ضرورة تشكيل تحالف عربي ودولي بجانب التركيز علي الأهمية المطلقة في ضرورة أن تتحول مواقف الدول من الأحداث لتخرج من دوائر الادانة والاشادة الي مواقف الفعل التاريخي المؤثر. ولعل كل ذلك انما يستحث مصر قبل غيرها نحو المضي في تقديم رسالتها الحضارية بفضح تلك المخططات الأمريكية الوضيعة ولتتصدي بشخصيتها التي يعرفها العالم, ولتجدد ذاتها السياسية لا سيما وقد أتيحت لها فرصة نادرة حين يتعرض أمنها القومي للخطر الداهم, وليس بعد الأمن القومي من قضية ذات درجة عليا من الحساسية الاستراتيجية لأنها وفي أبسط معانيها هي قضية الوجود والعدم. أقول ليس لمصر الا طرح القضية علي المحيط الدولي بمعني حصرها في مجموعة من التساؤلات الحاسمة والتي منها: من هو الكيان السياسي صاحب المصلحة العليا في وجود تنظيم ارهابي داخل المنطقة العربية؟ وبصفة عامة فان مشروعات المصالحة المطروحة علي الساحة المصرية مع التيارات الدينية المتطرفة انما يعد خيانة للوطنية الصادقة... وليست مصر هي الدولة التي تفعل ذلك ولن تكون.