7 أيام في مايو مدفوعة الأجر.. هل عيد القيامة المجيد 2024 إجازة رسمية للموظفين في مصر؟    تربي لوجه الله، إعلان وظيفة رسمية للعمل بجبانات أسيوط يثير الجدل ومتابعون: هيعيش على الصدقات    تراجع الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 20 أبريل 2024    عيار 21 يسجل الآن رقمًا جديدًا.. أسعار الذهب والسبائك اليوم السبت بعد الارتفاع بالصاغة    بعد انخفاض الأسعار.. أرخص سيارة هيونداي في مصر    أمريكا توافق على سحب قواتها من النيجر    فلسطين.. زوارق الاحتلال الحربية تطلق النيران تجاه شاطئ بحر مدينة رفح    حزب الله يستهدف 6 مواقع للجيش الإسرائيلي قرب الحدود اللبنانية    بايدن: إنتاج أول 90 كجم من اليورانيوم المخصب في الولايات المتحدة    رسائل نارية من المدير الفني ليد الزمالك قبل مواجهة الترجي التونسي في بطولة إفريقيا للأندية أبطال الكؤوس    بوسي تشعل حفل زفاف نجل محمد فؤاد: ابني هو اللي بيتجوز (فيديو)    فودة وجمعة يهنئان أسقف جنوب سيناء بسلامة الوصول بعد رحلة علاج بالخارج    الوداع الحزين.. ليفربول خارج الدورى الأوروبى    شعبة المخابز: مقترح بيع الخبز بالكيلو يحل أزمة نقص الوزن    الإفتاء: التجار الذين يحتكرون السلع و يبيعونها بأكثر من سعرها آثمون شرعًا    بيان عاجل من الجيش الأمريكي بشأن قصف قاعدة عسكرية في العراق    طريقة عمل تارت الجيلي للشيف نجلاء الشرشابي    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    الوزيرة فايزة أبوالنجا    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    بركات قبل لقاء الأهلي: مباراة مازيمبي وبيراميدز شهدت مهازل تحكيمية    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    دوري أدنوك للمحترفين.. 6 مباريات مرتقبة في الجولة 20    "شقهُ نصُين".. تشييع جثة طفل لقي مصرعه على يد جاره بشبرا الخيمة (صور)    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    ضبط نصف طن لحوم فاسدة قبل استعمالها بأحد المطاعم فى دمياط    بالأسماء ... ارتفاع ضحايا حادث تصادم بالدقهلية إلى 10 مصابين ومتوفى    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثة فنانين يرسمون سعاد حسنى ويحاورونها..
فى عشق السندريلا!

زهدى وفرنسيس ومصطفى حسين.. و تجربة فريدة لم تتكرر أبدا

تظل سعاد حسنى هى الفنانة الوحيدة المثيرة للجدل بين فنانينا على شهرتهم وعلو قدرهم، خاصة بعد حادث مصرعها الغامض فى ضباب لندن،ولكنها فى حياتها أيضا كانت محورا للاهتمام، فهى قاسم مشترك فى حوارات كثيرة، حتى إنها حينما جلست إلى د. مصطفى محمود يحاورها وتحاوره، شهد لها بذكائها وثقافتها، فلم تكن سعاد ساذجة كما اتهمها صلاح نصر بقوله فى إحدى رسائله المنشورة إنها كانت عميلة خائبة، ولكنها كانت تدعى السذاجة حينما تجبر على أن تفعل شيئا رغم أنفها،وبمناسبة ذكرى ميلادها 26 يناير واحتفاء بعدد من كبار فنانينا التشكيليين نكشف عن هذه التجربة الفريدة المجهولة التى خاضها ثلاثة من الرسامين مع سعاد حسنى وهم زهدى ويوسف فرنسيس ومصطفى حسين، ويكفى إلقاء نظرة سريعة على تاريخهم لنعرف مقدار أهميتهم التى جعلتهم يهتمون فقط بسعاد حسنى دون غيرها.
..............................
زهدى (1917-1994) الذى حظيت رسومه بتقدير37 صحيفة مصرية عمل بها منذ ثلاثينيات القرن العشرين حتى استقر بمجلة «صباح الخير» وأسس جمعية الكاريكاتير، وبسبب رسومه السياسية والاجتماعية تعرض للاعتقال، أما يوسف فرنسيس (1934-2001) فإلى جانب كونه فنانا تشكيليا فهو كاتب ومخرج سينمائى، ومن الأفلام التى كتب لها السيناريو: الخيط الرفيع، وأبى فوق الشجرة، وعصفور من الشرق الذى أخرجه بعد أن أقنع توفيق الحكيم بأن يلعب دوره فى الحياة على الشاشة الفضية، أما مصطفى حسين (1935-2014) فهو نجم الكاريكاتير فى مؤسسة الزميلة «أخبار اليوم» لسنوات طويلة، وقد شكل مع الكاتب الساخر أحمد رجب أشهر ثنائى فى تاريخ الصحافة المصرية، ورأس أول مجلة كاريكاتير، وتحولت بعض شخصياته إلى مسلسلات كوميدية مثل: قط وفار، ناس وناس. وقد جمعت سعاد حسنى بين هؤلاء الكتاب الكبار فى تجربة جديدة استمرت سبع ساعات،كان مكانها بين بيت سعاد وبين أتيليه يوسف فرنسيس، وقد كشف حوارهم معها عن مشروعين كبيرين لم يكتملا، أولهما فيلم تقوم فيه سعاد بدور شجر الدر وتغنى أم كلثوم أغانيه، أما المشروع الثانى فهو فيلم أيضا يجمع بين سعاد ونجاة الصغيرة. أما زمن التجربة ففى يناير 1968 أى قبل 51 سنة، أما الهدف فهو الكشف عن الشخصية الحقيقية لسعاد حسنى بعيدا عن الكاميرا، فى محاولة لرسم صورتها الحقيقية كإنسانة. وحكاية أن يرسم فنان تشكيلى فنانة، أمر يحدث كثيرا، أما أن يجتمع ثلاثة رسامين من أجل فنانة واحدة، فهو الجديد الذى سبقت إليه مصر، وإليك بعض الأمثلة: سلفادور دالى.. فنان ثائر على الواقع، تجذبه السيريالية، وكل ما هو غريب، ولذلك لا يحب «الموديلات».. ومع ذلك، وقفت أمامه ألف موديل.. منهن «مارلين مونرو».. مارلين وقفت أمامه، عارية، 96 ساعة لكى يرسم صورة لها.. وفى النهاية، لم يكن هناك أى تشابه بين مارلين مونرو وبين الصورة.. وإن كان هناك بعض التشابه فى تكوين الصدر.. وبكت مارلين، عندما رأت صورتها. وقالت له: هل هذا كل ما أستحق؟ أين وجهي؟ ولكن دالى، لم يحاول أن يشرح لها. اكتفى، فقط بالابتسام، ثم قال بعد فترة صمت: هذا أنتِ، إذا حاولتِ أن تنظرى إلى أعماقك فى مرآة نفسك! بيكاسو.. الذى ينافس دالى فى الجنون والشهرة، هو الآخر رسم صورة للمغنية الشهيرة «ماريا كالاس».. وعندما نظرت إليها، لم تجد إلا ثمارا وأزهارا وأنهارا وبحيرات تتكاثر من عنق شجرة، فصاحت فيه: أين أنا؟ فهدأها بيكاسو بقوله: هنا.. ابحثى عن ذاتك، تجديها.. كما تجدين نغمك الحلو.. جان كوكتو.. هو الآخر.. رسم صورة ل «فيفيان لى» ما أن رأتها حتى هزت كتفيها قائلة: ليست مطابقة تماما لى، لكننى -لا أدرى- لماذا أشعر نحوها بنوع من الألفة! عشرات الرسامين.. رسموا بريشاتهم مئات بل آلاف الفنانات، وأعطوا أحاسيسهم وانطباعاتهم الخاصة، الفريدة، عما أحسوه فيهن.. وربما رأى الكثير منا تلك اللوحات التى رسمت لفيفيان لى.. وآسيا نوريس.. وبيتى دافيز.. وجريتا جاربو وجلوريا سوانسون.. ومارلين ديتريش.. وغيرهن من ملكات الكاميرا. أما فى مصر فقد جرت محاولة جريئة قام بها لأول مرة ثلاثة من الرسامين.. هم زهدى، ومصطفى حسين، ويوسف فرنسيس.. الذين نقلوا إحساسهم بممثلة يرون أفلامها على الشاشة، وكانت الممثلة هى «سعاد حسنى».. الشهيرة بالسندريلا. ربما تكون قد تعودت أن ترى سعاد حسنى.. وهى تمثل مختلف الأدوار والوجوه.. «القاهرة 30، وصغيرة على الحب، والعريس الثانى» إلخ.
ربما تكون قد رأيتها وهى تبحث عن فتى الأحلام، فتجده أحيانا وأحيانا أخرى تتعثر أحلامها فتصدم فى آمالها، فتتحول حياتها إلى عذاب أليم، وبين العذاب والانطلاق تحار أيهما وجه سعاد. وتسأل نفسك ألف مرة ومرة.. هل تعيش حياتها على الشاشة كما يحدث بالنسبة لبعض الممثلات اللاتى تكون قد قرأت عنهن، أم يا ترى يختبئ وجه سعاد الحقيقى وراء كل هذه الوجوه المتباينة التى تظهر على الشاشة! محاولة للاقتراب من وجه سعاد حسنى، الوجه الذى لا نراه على الشاشة، يعطيه لنا بالريشة والفرشاة والقلم: زهدى، ومصطفى حسين، ويوسف فرنسيس. الرسامون الثلاثة التقوا سعاد بعيدا عن الكاميرا وأضواء البلاتوه، عاشوا معها لحظات طويلة تزيد على سبع ساعات، تحدثوا فيها حول العديد من الموضوعات، وتناقشوا فيها فى مختلف الأمور.. فى الفن، وفى الموضة، وفى أدق أمور حياتها. استقبلت سعاد ضيوفها بفستان إسبانى رقيق، فى لون الشيكولاته، مطعم بدوائر صغيرة فى لون الحليب.. وبابتسامة كالحليب تعتورها الدهشة، بدأت تقول: ما كل هذه الاشياء؟! وتجولت عيناها فى أدوات الرسم التى حملها الرسامون الثلاثة معهم، من ألوان وجيواش.. وفرش وأٌقلام.. وحوامل وأوراق..
كانت تحسب أن اللقاء يقف عند حد التقاط بعض الصور وأخذ بعض المعلومات عن آخر أخبارها.. لكنها فوجئت.. وقبل أن تسأل وتستفسر، تكلم زهدى، ليهدئ من روعها.. زهدي: تصوير أيضا.. لكن من وجهة نظرنا.. نحن.. لا من وجهة نظر الكاميرا! سعاد: مش فاهمة! يوسف: يعنى حانرسمك.. بالألوان والحبر.. بدل ما نصورك. سعاد: بس ده حياخد وقت كتير وأنا المفروض أروح البلاتوه قبل تسعة ونص، عندى شوتين ثلاثة فى فيلم «بابا عايز كده» اللى بيخرجه نيازى مصطفى. زهدى: بأه يا ستى نيازى عايز «بابا عايز كده».. واحنا عايزين نرسمك كده على طبيعتك. لأول مرة عايزين نرسمك وانتِ مش بتمثلى.. سعاد: يا ترى تحبوا ترسموا فيّ إيه؟ زهدي: «غارقاً فى الضحك» كل حاجة! سعاد: يا خبر.. ده كتير قوي! مصطفى: أنا فى تقديرى، إن الفنان دايما بيشوف الموديل من خلال بعد معين، مثلا لما سلفادور دالى رسم مارلين مونرو، حولها إلى أشبه بسمكة فى قاع محيط.. سعاد: بس اوعوا ترسمونى بالشكل ده.. أنا مش سمكة.. أنا أخطر! ويتفق الرسامون الثلاثة بعد جدل طويل على أن أخطر شىء فى سعاد هو عيناها، دائما تلتمعان، ودائما تفضحان أعماقها وتقولان كل شيء بصراحة.. مصطفى: سعاد.. لو حاولت رسمها زى ما بعمل دلوقتى، أرسمها بقع عيون فى وجه.. يوسف: مش عارف أنا ليه باحس فى سعاد بالبراءة. نقاء. صفاء طفولة أبدية.
وربما هذه النظرة الطيبة ما أحاول أن أعبر به عن إحساسى بسعاد.. زهدى: فى تقديرى أن فيها حس عربى، وأنا لغاية دلوقتى ماعرفش ليه المخرجين ما حاولوش يطلعوها فى أفلام عربية، وبالذات حكايات ألف ليلة وليلة. أنا باتصورها لما تمثل حكايات شهرزاد.. وبدر البدور وغيرها من الشخصيات الأسطورية فى الحواديت العربية، تقدر تعطى كتير من إمكاناتها. سعاد: على فكرة أنا لىَّ فيلم حامثله يمشى مع الحكاية دى.. الفكرة فكرة «طاهر أبو فاشا» والموضوع هو (شجر الدر).. أنا حامثله. وكوكب الشرق أم كلثوم حاتغنى أغانيه.. تماما كقصة رابعة العدوية. زهدى: طبعا ده خبر سقع.. لكن امتى حانشوف الحكاية دي؟ سعاد: مش بعيد، خلال السنة دى. وسعاد عاشقة للفن، تحب الرسم وتهواه وتحب أن تشاهد المعارض.. لكن وقتها مزحوم دائما.. إلا أنها بين وقت وآخر تسعى لمشاهدة اللوحات للرسامين، ابتسمت: وكيف سترسموننى.. ماذا تحبون أن ألبس لكم.. أنا أخشى الرسامين، فهم يكشفون كل ما يختبئ داخل النفس، يحاولون دائما إزاحة الستار! ضحك زهدى.. واهتز فى جلسته، وقال: المسألة فى منتهى البساطة، حاولى تمثلى علينا.. على فكرة الناس فى حياتهم العادية يرونك تمثلين.. فيسعدون.. لكن الفنان يهمه تخطى لحظة التمثيل.. ليمسك بأبعاد شخصيتك.. فيقترب منك.. ساعدينا على هذا.. بأن تكونى على سجيتك.. وبدأ زهدى يسرق ملامح سعاد على الورق بريشته.. وهى تتكلم.. وبدأت الخطوط تأخد مجراها بمنتهى السرعة.. سعاد: المفروض إنى أحاول أن ألبس لكم زى ما بتلبس الموديل. زهدى:أبدا احنا عاوزينك كده زى ما انتِ.. هدفنا دائما العادى، لا نحب المصنوع.
وانتهز يوسف فرصة انشغال سعاد بالحديث مع زهدى، وجعل ينقل انطباعاته عنها.. وكذلك فعل مصطفى.
وانهمك الثلاثة فى الرسم.. وكأنهم فى سباق غريب.. والغريب أنهم كانوا لا يكملون ما بدأوه.. كان بعضهم يكتفى برسم العيون.. وآخر يكتفى بخط خفيف.. وثالث لا يرسم غير خطوط متقاطعة فى الوجه. وربما هذا أثار سعاد، فسألت: لماذا لا تفرغوا من كل الصورة.. لم تنتقلوا إلى غيرها؟ مصطفى: الرسم هكذا.. تماما كالإيقاع لا يكتمل فى جلسة واحدة.. فى معظم الأحيان.. لكن من يعلم أحيانا يكتمل دفعة واحدة. وبدأ حوار طويل عن الفن يدور بين سعاد والرسامين الثلاثة.. كان لا يقطعه غير جرس التليفون الذى كان يزعج الرسامين بقيام سعاد وتغييرها للوضع الذى كانوا يرسمونها عليه.. وكان بعضهم يبدى التأفف أحيانا.. وكان آخر يترك اللوحة التى فى يده وينتقل إلى أخرى حتى لا يتعطل.. بدأ مصطفى الحوار بقوله: أنا كان بدى أعرف انتِ اتكونتِ ازاي؟ إيه اللى احتفظتى بيه من طفولتك حتى الآن معك؟ سعاد:البساطة والبراءة والإحساس بالرغبة فى التفاؤل.
مصطفى: حاجة تانية.. إيه الحاجات اللى ساعدت على تشكيلك.. مثلا إيه اللى انتِ قرأتيه وأثر فيكِ؟ سعاد: أنا باحب قراءة القصص العاطفية. وأكثر القصص والأعمال الأدبية التى أحببتها أعمال شكسبير.. ويمكن ما كانش غريب إن أول حاجة مثلتها فى حياتى.. هو دور «أوفيليا» فى هملت شكسبير. أنا مازلت مغرمة بشخصية أوفيليا.. لأنها تحوى براءة ونقاء. زهدي: لكن ازاى دخلتِ عالم الكاميرا؟..! سعاد: لها قصة.. دخلت السينما عن طريق المسرح، اقتنع بى عبدالرحمن الخميسى، بعد أن مثلت دور أوفيليا فى مسرحية شكسبير فى فرقته الخاصة.. وقدمنى لمحمد عبدالوهاب، وكان ينتج فيلما هو وبركات، ولكن الخميسى هو كاتب القصة «حسن ونعيمة».. وكان «حسن ونعيمة» أول أفلامى فى السينما. يوسف: وإيه الفيلم اللى حاتخشى البلاتوه فيه بعد «بابا عايز كده»؟! سعاد: فيلم غريب، موضوعه يناقش مشكلة الزواج المبكر بين سن 17 و22 من طلبة الجامعة، ويطرح الفيلم سؤالا ملحا: هل من حق طالب وطالبة فى الجامعة أن يتزوجا ويعيشا حياتهما.. ثم يستقلا عن بيت والديهما بعد الانتهاء من الدراسة؟ الفيلم يعطى إجابة لهذا السؤال الملح. مصطفي: ده فيلم فعلا فكرته مثيرة.. وغريبة.. لكن بالنسبة للفيلم اللى حاتمثليه مع أختك نجاة.. إيه أخباره؟.. سمعنا بعض الأخبار عن هذا اللقاء. سعاد: ده صحيح، وبالفعل احنا بنعيش الجو العام للقصة مع إحسان عبدالقدوس.. ولسه لغاية دلوقتى لم يتم اختيار اسم نهائى للفيلم. أحس مصطفى أن سعاد بدأت تتحرك، وتغير من وضعها، وبدأت تسأل ماذا تم فى ملامحها على الورق.. فسارع بسؤالها.. مصطفى: كنا عايزين نقف على رأيك فى السينما.. عموما.. مثلا إيه أحب مخرج عالمى تتمنى إنك تمثلى أمامه؟ سعاد: بيلى وايلدر المخرج الاجتماعى الكوميدى الذى قدم لنا «شقة العازب»، ويمكن تسأل إيه السبب فى اختيارى وايلدر بالذات، فأقول لك إنه بسيط.. وإنسانى ويتناول أعقد المشاكل الإنسانية فى إطار كوميدى بشكل رائع. زهدي: وبالنسبة للكتاب تحبى تقرئى لمين؟ سعاد: أحب القراءة لإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعى ومصطفى محمود، بحس بنفسى فى أعمالهم وفى شخصياتهم. يوسف: وإيه أحب أعمالهم لكِ؟ واللى تتمنى أن تقدميها للسينما؟ سعاد: عجبتنى جدا مجموعة قصص «بئر الحرمان» لإحسان، وأتمنى أن أقدمها فى فيلم، كذلك أعجبتنى «نادية» ليوسف السباعى..وقدمتها فى الإذاعة.. ومثلت فيها دور التوءمتين «الأختين».. وأحب أن أقدم نادية فى السينما، فهى قصة إنسانية مليئة بالمشاعر والعواطف. مر الوقت بسؤال فى سؤال، وتشابكت الإجابات وتعانقت برغبات معرفة كل شىء عن سعاد.. وملامحها تعرف بأكثر من لغة طريقها على الورق. والغريب أن يوسف اكتشف أن سعاد بينما يرسمها الزملاء، كانت ترقبه بحدة غير عادية، ثم لمح قلما فى يدها، بدأت ترسم به ملامحه على الورق.. فقال.. يوسف: أنتِ بترسمى.. بس تيجى تصيده يصيدك. وغرق الجميع فى ضحك متواصل. عندما غيرت سعاد من وضعها أكثر من عشر مرات، اقترح مصطفى أن يتركوا البيت ويذهبوا بسعاد بعيدا عن ضجيج البحث عنها.. اقترح أن يذهبوا إلى الأتيليه. وقابل الزملاء الاقتراح باستحسان.
سعاد: يا أخى كنت قول كده من الصبح. يوسف: نروح الأتيليه بتاعى، لأنه قريب قرب شارع سليمان.. كان الجو باردا والمطر يتساقط، فيغسل أرض الطريق السنجابية، لكن رغم المطر والبرد لم تبالِ سعاد.. كانت ترتدى فستانا إسبانيا قصيرا، بدت فيه ملامحها الدقيقة.. كإيقاع واحد له نغم رائق. وكقطة صغيرة.. جلست سعاد إلى جوار نافذة السيارة.
وبعد أن هدأت تعليقات الزملاء عن الجو، امتدت يد سعاد إلى مفتاح الراديو، وانطلق لحن ناعم.. لحن «رجل وامرأة» الذى أخرجه ليلوش.. ومع انطلاق النغم ألقت سعاد رأسها للخلف.. وبدأت الابتسامة تعرف طريقها إلى كل ملامحها.. أجمل شىء فى سعاد صعب تحديده.. قد تحار وأنت ترقبها.. هكذا تحاول أن تفتش عن الشىء الذى يشدك لسعاد.. عينيها.. شفتيها.. صوتها.. لكن ابتسامة سعاد تجعلك لا تحار.. فهى النبض الذى يعطى الإيقاع فى كل وجه سعاد.. وابتسامتها لها مذاق ورائحة وطعم.. تنفرد بها.. سعاد «فى صوت شاعرى»: أنا باحب اللحن ده قوى.. دا اللحن اللى بيهزنى.. ويمكن ده أحسن فيلم شوفته فى الخمس سنوات الأخيرة. يوسف: هايل! سعاد: أنا ماعرفش، حاجة غريبة.. نفس الجو.. «وعيناها ترقبان تجمع المطر على زجاج السيارة، والنغم يعطى الصورة رؤية خاصة» المطر والموسيقى؟! يوسف: هل تحبين المطر؟ سعاد: المطر.. أخشاه.. أنا لا أحب أن أرتعش.. البرد أكثر الأشياء التى تخيفنى.. والشتاء أخشاه.. أنا أهوى الصيف.. وأحن للشواطئ لأن فيها الانطلاق.. كل الانطلاق.
ما كاد اللحن يتوقف عن الإيقاع، حتى كانوا فى داخل أتيليه يوسف.. وبين عشرات اللوحات الكبيرة والصغيرة والأشجار المتوحشة التى حفر عليها يوسف وجوها لنساء وأطفال تئن وتشكو وتتعذب وتطلب الخلاص.. جلست القطة التى تخشى الشتاء.. جلست على جذع شجرة متوحشة، رسم يوسف عليها عيونا تحلم بالانطلاق.. ووجوها ترتعش بالابتسامات.. انحسر الفستان الإسبانى عن ركبتيها، وهى تقول فى نغم: إيه رأيكم فى الفستان ده؟ مصطفى: «بخبث» ينساق فى الحديث.. إذ رأى أنها فرصة مواتية لأن تتكلم سعاد، فتبدو على طبيعتها.. فهو يبحث دائما عن البسيط العادى ليعطيه لنا فى صدق: ذوقه حلو قوى.. وبسيط.. ويبرز كل مفاتنك.. كنت عايز أعرف رأيك لو انت رشحت فستان لبنت 1968، إيه الفستان اللى تختاريه؟ سعاد: الفستان البسيط، غير المعقد، على فكرة أنا حاقدم فستان جديد للبنت المصرية، خطواته مستوحاة من الخطوط الفرعونية القديمة.. سأقدمه على بنت جامعية فى فيلم «الزواج على الطريقة المصرية»، وهو الفيلم اللى بيحكى حدوته الزواج المبكر بين الجنسين فى الجامعة كحل لمشكلة الاختلاط.
وضجت سعاد من كثرة الأسئلة.. سعاد: إيه الحكاية «نازلين فيّ أسئلة أسئلة.. استنوا بقى لما أسألكم أنا شوية.. كنت عايزة أعرف رأيكم فى أفلامى. مصطفى: أنا رأيى إن أحسن أفلامك اللى شفتها «القاهرة 30» و»الطريق». سعاد: والسبب؟ مصطفي: فيهم برزت ببعد جديد.. أعطى الكثير للكاميرا.. زهدي: أنا عند رأيى، أنا متخيل سعاد لما تمثل أفلام عن ألف ليلة وليلة تبقى هايلة. مصطفى: أنا باشوف فى سعاد قلق العصر.. هى مقياس للبنت اللى بتحمل عذاب ضمير العصر.. أشبه ببريجيت باردو وظاهرتها.. مع اختلاف المجتمع المصرى عن الفرنسى بالطبع.. فيها القلق والتمرد، والرفض والطموح والاصطدام بالواقع، ومحاولة تخطيه.. فيها ارتعاشة العصر واضطرابه وتمزقه، لذلك أرى أن شخصيات إحسان التى ينسجها بدقة كتعبير عن هذا الجو هى أنسب وأقرب لسعاد على الشاشة.. وفى تقديرى إن سعاد تحوى داخلها إمكانات كبيرة ما زالت فى حاجة إلى الانطلاق.
مر الوقت.. ساعة إثر ساعة.. وسعاد لا تدرى بنفسها، وما أن فرغ الرسامون من الصور حتى فطنت للزمن.. فنظرت إلى الساعة، بينما الرسامون يحاولون أن يتعرفوا على رأيها فيما رسموه.. وصرخت: ياه.. الساعة 12 اتأخرت جدا عن البلاتوه.. «بابا عايز كده». وكسندريللا تماما.. اختفت مع انتصاف الليل، وغابت عن العيون.. فدهش الفنانون وتلفتوا إلى اللوحات التى رسموها، ثم قلبوا العيون فيما حولهم - وكأنهم يبحثون عن حذاء «سندريللا» الذى افتقدته وهى تجرى! لكنهم لم يجدوا فى «الحفل» الصغير إلا بعض سجائرها التى مازالت تحتفظ ببعض عطر شفتيها، ولم يخمد فيها الدخان بعد.
كان المطر قد توقف.. ودائما بعد صمت المطر ينتشر فى الجو بعض الحزن.
إن أصعب شيء هو مفارقة سعاد.. أنت تتعود عليها.. حتى تحسب أنها جزء من حياتك..لازمة لك.. تماما كوجهها للكاميرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.