كلما ضاقَ بي الحال في فهم ما يحدث من تدهور في سلوكيات المسلمين، أتذكر شيخنا الجليل، الإمام محمد عبده، لمَّا قال مقولته الشهيرة: "رأيتُ في أوروبا إسلاما بلا مسلمين، بينما في بلادنا مسلمين بلا إسلام". وكان رحمه الله، عندما ذهب إلى بلاد أوروبا، قد لفت انتباهه أن الناس هناك يحترمون بعضهم بعضاً، ويؤدون عملهم بإخلاص ودقة وأمانة، ولا ينال أحدهم من حرية الآخر، حيث عقد مقارنة سريعة بين أخلاق الأوروبيين، وأخلاق المسلمين، فوجد أن الأوروبيين يتخلَّقون بأخلاق الإسلام في معاملاتهم وأعمالهم، في حين أن المسلمين، مع الأسف، بعيدون كل البعد عن أخلاق دينهم. ورغم بلاغة هذه العبارة التي صارت مثلاً، فإن الشيخ محمد عبده لم يدرك أن من أسباب حُسن أخلاق الأوروبيين يكمن في القانون الذي يحفظ التوازن بين مصالح الأفراد، بحيث لا يعتدي الخاص على العام ولا العام على الخاص، وذلك عن طريق العقوبة الرادعة على من يخالفه، والتي لا يستثنى منها أحد، كائناً من كان، وهذه العقوبة هي التي أيقظت الضمير فلم يعد غائباً، وساعدت على أن تجد مبادئ الدين طريقها في التعامل بين الناس والكل أمام القانون سواء. مرَّ على هذه المقولة فوق المائة عام، وحالنا، نحن المسلمون، مع الأسف، لم يتغيَّر أو يتطَّور، بل في تدهورٍ كبير، فإذا تحدثنا فقط عن فرع من فروع الإسلام، وهو السلوك، نجد أن النفاق أصبح أهم السمات التي تصفنا، ناهيك عن الكذب والرياء بين الناس في العمل أو بين أصحاب المصالح المشتركة.. كما لم يعد أحد في حاله، فالتدخل في حياة الآخرين والاهتمام بشئونهم، بات أهم ما يُميز هذه الحقبة.. وكذلك عدم الرضا، والنظر إلى ما في يد الآخرين. مظاهر النفاق تتجلى وتَعظُم في شكل الإسلام "الظاهري" عند البعض ومنها الجلباب، الذي يرتديه أو اللحية التي تصل إلى صدره أو ارتداء النقاب أو ما شابه، وكلها أمور رغم أننا نجلها ونحترمها، إلا أنها ليست فقط أساسيات الإسلام، فالأهم هو تقوى الله، وأن يراعي الإنسان ربنا عز وجل في كل وقت وحين، ثم يأتي المظهر في مرتبة أخيرة. لم نسمع من دعاة الدين، أمراً عن الغش في العمل أو ترك العمل في أوقاته الرسمية، أو عقاب تارك العمل أو متلقى الرشوة أو الغشاش أو المزور أو الجشع، أو من يمنع النساء من الحصول على ميراثهن الشرعى فى قرى مصر ونجوعها. وكذلك لم نرَ من يهتم بنشر ثقافة الرفق بالحيوان، رغم أن هناك من دخلت النار في هرة وآخر دخل الجنة بعد أن قدَّم الماء لكلب كاد يموت عطشاً. شوارعنا مليئة بالنفايات ومن المفترض أن النظافة من الإيمان، لكن أين؟. من قلبي: الإسلام دين عظيم، حوَّل مجموعة من البدو العرب إلى سادة العالم لقرونٍ طويلة، ولكننا مع الأسف، لا نلتفت الآن إلا للقشور ونترك الجوهر ولا نلتفت إليه. من كل قلبي: أتمنى أن يُكَّرس دُعاة الدين جهودهم لتقديم الإسلام بشكلٍ صحيح في خُطَبهم ومواعظهم، ولا يتعاملون مع الأمر باعتباره وسيلة للشهرة والجاه وكسب الأموال، لأن ذلك نفاقُ والمنافقون في الدركِ الأسفل من النار. [email protected] لمزيد من مقالات ريهام مازن