صديقتى بروفسير فى القانون ، حاصلة على كم من الشهادات العلمية ، ولديها مؤلفات وابحاث قانونية تحمل اسمها الذى يسبقه عدة مناصب مرموقة ، لكن الأهم من ذلك انها تتمتع بجانب إنساني ورقى أخلاقي ندر وجوده . حكت لى عن طالبة جامعية قابلتها صدفة بعد تخرجها ، بدأت الطالبة حديثها بالتحيات المعتادة ثم فاجاتها بقولها ان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد بعث ليتمم مكارم الاخلاق ، وأشعر انك يا دكتور قد جئت إلينا من مصر لكى تعلمينا الأخلاق الحقيقية للإسلام ، فبالرغم من علمك الغزير إلا أنه - كما ترددين دائما على مسامعنا - موجود فى الكتب ، لكن تعاملك الراقي معنا علمنا الكثير من الأخلاقيات التى يتجاهلها الكثيرون سواء جهلا أو عمدا . بالطبع تأثرت صديقتى بهذا المدح الجميل ، خاصة حينما شعرت انها كلمات صادقة نابعة من القلب دون غرض او شبهة نفاق حيث ان الطالبة لم تعد فى حاجة إليها بعد التخرج ، واتصلت بى فرحة بهذا الموقف الذى أثبت ان الابتسامة هى الطريق الأسهل للقلوب ، وخاصة ابتسامة صاحب المنصب لأنها تشجع الاخرين على طلب ما يحتاجونه منه دون خوف او تراجع ، وتساعد على بناء علاقة ودية . وأضافت ضاحكة ان كوب الأعشاب الذى تقدمه لطالبة مريضة تسعل أهم واشد تأثيرا فى علاقتهما الإنسانية من قاعدة ( سريان القانون الجنائي من حيث الزمان ) . موقف بسيط لكنه يشرح بكل يسر أن المعاملة الطيبة التى تحث عليها كل الأديان السماوية تأتى بثمارها ، ففي التوراة ( الافعال الصالحة هى التى تمكن البشر من النجاة ) ، فى المسيحية ( الله محبة ) ، وفى الاسلام قول الله تعالى ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) صدق الله العظيم - آية 159 سورة آل عمران - والحديث النبوي الشريف ( ان من خيركم أحسنكم خلقا ) ، و (الكلمة الطيبة صدقة) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . إن الإنسان بطبيعته يتأثر بالأفعال أسرع منه بالأقوال ، ومقولة ( الدين المعاملة ) رغم اجماع العلماء انها لم تثبت لفظا كحديث نبوي لكنها صحيحة المعنى وتتماشى مع جوهر الدين . وأتذكر المقولة الشهيرة للشيخ محمد عبده حينما زار أوروبا – عام 1881م - ( رأيت في الغرب إسلاما بلا مسلمين ، وفي بلادنا مسلمين بلا إسلام ) حيث فوجئ ان من سمات الناس هناك : الحرص الشديد على دقة وإتقان العمل ، الالتزام بالصدق والأمانة والاخلاص فى التعامل ، التعاطف مع الضعيف ومحاولة مد يد العون له ، مساندتهم لبعضهم البعض وقت الأزمات ، مساعدة المحتاج ، واحترام الآخرين بغض النظر عن الدين والعرق واللون واللغة !!!! أليست هذه هي أخلاق الاسلام ، بل هي أخلاق دعت إليها كل الاديان السماوية ؟! ورغم مرور كل هذا السنوات مازال واقعنا يفتقد هذه المعاملات الانسانية !! فأين نحن من جوهر الدين ؟! لقد انشغل الناس بالقشور ، مما جعل المجتمع عرضة للأفكار المتطرفة المتشددة المشوهة التي لا علاقة لها بالدين الصحيح !! إن الدين الحقيقي هو حسن الخلق ، وروح الدين تتمثل فى مشاركتك لمن حولك فى أحزانهم وأفراحهم ، ومساعدتهم وقت الحاجة ، ونصحهم بالحسنى ، حيث أن حسن المعاملة تعتبر وسيلة اقناع غير مباشرة تثمر سريعا عن نتائج إيجابية بعيدا عن التشدد وفرض الرأى . وكما يقال لا تشرح لى أخلاق الدين ولكن دعني أراها فى سلوكياتك . فما فائدة التعبد منفرداً وفارضا العزلة حول نفسك لساعات طويلة اذا كنت تخرج لتعامل الآخرين بغلظة وتصيبهم بأذى ؟! إن السؤال الصادق عن إنسان وقت الشدة ومحاولة مساندته أهم وأبقى وأفضل من محاولة معرفة الحكم الشرعي لتطاير ذرات الدقيق ودخولها للأنف أثناء الصيام !!