مقال اليوم هو قصة حقيقية تعكس ما وصلنا إليه من لا أخلاق ومدى انشغالنا بأمور دنيوية باعدت بيننا وبين الأمور الدينية والإنسانية الحقيقية.. وبطل هذه الرواية هو أحد الأصدقاء العرب، الذي روى لي قصة من موقفين حدثا معه. الموقف الأول يقول فيه: كنت أعيش في إنجلترا فترة دراستي.. وكان عندي امتحانات لكلية الطب التي كنت أدرس فيها هناك، وكان رسوم الامتحان 309 جنيه إسترليني ولم يكن لدي وقتها فكه أو "change" بلغتهم.. فما الذي أفعله؟ قمت بدفع 310 جنيه، والمهم قضيت الامتحان وانتهيت من الامتحان ومضت الأيام ثم عدت لبلدي (العربي)..... وإذا برسالة تصلني من إنجلترا جاء فيها: (أنت أخطأت عند دفع رسوم الامتحانات حيث أن الرسوم كانت 309 وأنت دفعت 310 جنيها، وهذا شيك بقيمة واحد جنيه (المتبقي لك)... فنحن لا نأخذ أكثر من حقنا)! ويتابع صديقي في الحديث: مع العلم أن قيمة الظرف والطابع أكثر من هذا الجنيه... هممم!!! أما الموقف الثاني، فيقول الصديق: عندما كنت أتردد ما بين الجامعة والسكن، اعتدت أن أمر على سوبرماركت صغير مثل "البقالة" هناك، تقف في هذا المتجر امرأة تبيع فيه، وكنت دائماً أشتري مشروب الكاكاو بسعر 18 "بينس" وأمضي.. وفي مرة من ذات المرات، رأيتها قد وضعت رفاً أخراً لنفس نوع الكاكاو ومكتوب عليه السعر 20 "بينس".. فاستغربت وسألتها هل هناك فرق بين الصنفين؟؟ فردت البائعة وقالت: لا.. نفس النوع ونفس الجودة.. فاستغربت أكثر وسألتها: إذن، ما القصة؟!! ولماذا سعر الكاكاو بالرف الأول يباع ب 18 وفي الرف الأخر بسعر 20، ممكن تشرحي لي؟! قالت المرأة البائعة: حدث مؤخراً في نيجيريا التي تصدر لنا الكاكاو مشاكل، فارتفع سعر الكاكاو وهذا هو من الدفعة الجديدة التي نبيعها ب 20، أما القديم فمازلنا نبيعه ب 18.. فقلت لها، هكذا، لن يشتري منك أحد سوى بسعر 18 حتى نفاذ الكمية، وبعدها سيأخذون من الذي تبيعينه بسعر 20. قالت البائعة: نعم، أعلم ذلك! قلت لها: إذن، اخلطيهم ببعض وبيعيهم بنفس السعر الجديد ال20 ، ومن ثم، لن يستطيع أحد التمييز بينهم. فهمست في أذني وقالت: هل أنت حرامي؟؟؟؟ استغربت لما قالته ثم مضيت، ومازال السؤال يتردد في أذني حتى يومنا هذا...هل أنا حرامي؟!! وانتهت قصة ومواقف الصديق.. ويا سلام على الأخلاق النبيلة، فأين هذه الأخلاق الآن، خاصة عند مجتمعاتنا؟! لكن إذا بحثنا في الأصل، سنجد أننا أولى بأن نتحلى بهذه الأخلاق أو ما هو مفروض أن نكون عليه! فهي سلوكيات وأخلاق ديننا.. هي أخلاق مبادئنا، التي من المفترض أن نكون نشأنا عليها.. أخلاق رسولنا الكريم، حبيبنا المصطفى عليه أفضل صلاة وسلام. ونعم ما قال أحمد حسين ديدات رحمه الله، الداعية الإسلامي هندي الموطن، والذي اشتهر بمناظراته وكتاباته في مقارنة الأديان، الذي حاز على جائزة الملك فيصل لجهوده في خدمة الإسلام عام 1986، حين قال: (نحن لسنا متخلفون عن الغرب، ولكن متخلفون عن الإسلام، وما تخلفنا عن العالم إلا بعد تفريطنا في ديننا).. صدقت والله يا شيخ. وقد سبقه الإمام العلامة محمد عبده، عالم دين وفقيه ومجدد إسلامي مصري، يعد أحد رموز التجديد في الفقه الإسلامي ومن دعاة النهضة والإصلاح في العالم العربي والإسلامي، ساهم بعد التقائه بأستاذه جمال الدين الأفغاني في إنشاء حركة فكرية تجديدية إسلامية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تهدف إلى القضاء على الجمود الفكري والحضاري و إعادة إحياء الأمة الإسلامية لتواكب متطلبات العصر. حينما قال الشيخ محمد عبده عندما زار أوروبا قولا مشهورا لا يزال إلى يومنا هذا يردده الكثير من المسلمين: "رأيت في أوروبا إسلاما بلا مسلمين وفي بلدنا مسلمين بلا إسلام". من قلبي: العيب فينا نحن وليس في ديننا، فنحن من أصابه بالمرض ونحن من أوصل ديننا لما نحن عليه.. ومن المؤسف أن الناس في تلك البلدان يحترمون الآخرين، ويتعاملون معهم بأمانة وصدق، ويتعاطفون معهم إذا نزلت بهم نازلة أو حلت بهم كارثة ويحاولون مساعدتهم على تجاوزها، بغض النظر عن أصولهم وأديانهم ولغاتهم وألوانهم. وإذا عقدنا مقارنة سريعة بين أخلاق المسلمين وأخلاق الأوروبيين، لوجدنا أن الأوروبيين المسيحيين يتخلقون بأخلاق الإسلام في سلوكهم وأعمالهم ومعاملاتهم، على حين أن المسلمين بعيدون كل البعد عن أخلاق دينهم. [email protected] لمزيد من مقالات ريهام مازن;