يبدو أن المرأة هى مفتاح الدورة ال 69 لمهرجان برلين السينمائى الدولى (7 فبراير وحتى 17 من الشهر نفسه). ولا يحمل الأمر مبالغة خصوصا وأن هذه الدورة تحفل بالعديد من الإبداعات النسائية، سواء فى المسابقة الرسمية للمهرجان أو باقى المسابقات والفعاليات.. «برلين السينمائى الدولى» هو واحد من أكثر المهرجانات العالمية الكبرى احتفاءً بالمرأة وإنتاجاتها السينمائية، وأيضا من أهم المهرجانات التى تدعم الحركات النسوية، بل زاد الأمر وأصبح أقرب إلى التوجه بعد حركة «مى تو»، وهى الحركة التى تناهض التحرش فى المجال السينمائى بعد أن فضحت العديد من الممثلات ما يقوم به بعض المنتجون، أو العاملين فى صناعة السينما. وجه جولييت بينوش فى كل يوم وعندما تدخل قصر البرينالة (مقر فعاليات مهرجان برلين السينمائى)، يصادفك وجه جولييت بينوش النجمة الفرنسية التى ترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، إلى جوار العديد من النجمات وصناع السينما ولكن بينوش تعطى الدورة ال69 وجهاً جذاباً مشرقاً تماماً مثل إطلالتها البسيطة والرقيقة، حيث تفاجئ بها فى بعض المرات تجلس وسط الحضور، بملابس بسيط دون بهرجة أو أى محاولة للفت الأنظار. بينوش التى تتولى رئاسة لجنة التحكيم، يحتفى بها المهرجان أيضا بعرض واحد من أجمل أفلامها وأحدثها وهو بعنوان «who you think I am» للمخرج safy nebbou وهو واحد من الأفلام القادرة على إثارة الكثير من الأسئلة داخل عقلك إذ يجعل الروح فى حالة بحث وقد تبدو القصة تقليدية أو لها ظلال فى قصص أخرى سبق وشاهدتها، ولكنها «بينوش» هى من تمنح الفيلم كل هذا البهاء والعمق، وهو فيلم نسائى بامتياز يتناول مرحلة عمرية شديدة الحساسية عند معظم النساء وهى الخمسينات، فنحن أمام بطلة مطلقة وأم لولدين وأستاذة أكاديمية، تبحث عن الحب بعد أن تركها زوجها وارتبط بصديقتها الأصغر سناً، وباتت هى تكتفى من الحياة بدورها كأم ومعلمة، وامرأة فى علاقة جنسية مع شاب يصغرها تقابله حسب ظروفها.. محادثة هاتفية منها، كانت كفيلة بأن تقلب حياتها رأسا على عقب بعد أن أجابها زميل فى الغرفة وشعرت للحظة أنه يسخر من علاقتهما، ويأتيها شك بأنه على علاقة بفتاة من عمره، فتقرر أن تعرف كل شىء عنه من خلال صديقه الذى أجاب على هاتفه، وتنشأ صفحة وهمية على «فيس بوك»، ومن هنا يبدأ التحول، لتصبح تلك العلاقة الوهمية للشخصية التى اخترعتها هى أعمق علاقة فى حياتها. سيناريو الفيلم رغم تقليديته فى البداية، إلا أنه يحمل الكثير من التفاصيل الذكية، ويضم نقاط تحول ومفاجآت كثيرة ما بين المتخيل والذى تتمناه كلير البطلة، والواقع، وأيضا تفاصيل الخط الدرامى بين البطلة وطبيعتها النفسية. إخراج الفيلم لا يقل عن السيناريو فهو إخراج شديد النعومة، والإضاءة تم توظيفها أيضا بشكل فنى خصوصا فى المشاهد التى أصبحت فيها البطلة غارقة فى الحب بدا وجهها آصغر وأكثر صفاءً، على عكس المشاهد التى كانت تضطر فيها أن ترجع للواقع. بينوش تلك الفنانة المخضرمة وصاحبة الموهبة المتفردة استطاعت أن تجسد من خلال تلك الشخصية أعقد المشاعر النسائية وأكثرها تعقيدا ببساطة ودون أى مبالغة فى الأداء. وجوه نسائية متنوعة المرأة فى أغلب أفلام المسابقة الرسمية بالدورة 69 لمهرجان برلين السينمائى الدولى، هى الشخصية الفاعلة والمحركة للأحداث، سواء كانت فى أفلام من إخراج سيدات، أو من إخراج رجال، فهى بطلة ومحركة للأحداث وتقدم وجوها مختلفة، ففى الفيلم المنغولى «أوندوج» صابرة وقوية تعمل فى ظروف صعبة، وتساعد الشرطة لاكتشاف تفاصيل الجريمة، ولا تترد أن تعمل أيضا قناصة للذئاب لتحمى الناس، أما فى الفيلم الفرنسى «برحمة الرب» للمخرج فرانسوا أوزون ورغم أنه يتناول قضية شديدة الحساسية ومثيرة للجدل عن تحرش أحد القساوسة بالأطفال (مأخوذ عن قصة حقيقية وقعت فى فرنسا وتحديدا بأبرشية ليون وصارت قضية رأى عام فى فرنسا) والرجال ضحايا تلك الواقعة هم أبطال العمل إلا أن النماذج النسائية فى الفيلم سواء الزوجات أو الأمهات هن الأقوى والداعمات للقضية، واللاتى يدفعن أطرافها للتحدث وكشف المستور عنها، أما الفيلم النمساوى «الأرض تحت قدمى» للمخرجة النمساوية مارى كرويترز فالبطلة إمرأة مستقلة، تعانى الكثير من الأزمات تعوضها بالانغماس فى العمل، وترتبط بعلاقة عاطفية مع مرؤستها، ورغم ما تصادفه إلا أنها داعمة لشقيقتها كونى والتى تعانى من أزمات نفسية متكررة فهى شخصية انتحارية، ولكنها لا تتوقف عن دعمها، وخلال هذه الرحلة تكتشف الكثير عن نفسها وعن شقيقتها. وفى الفيلم الألمانى «محطمة النظام» للمخرجة الألمانية نورا فنجشايدت نحن أمام طفلة تعانى من موجات غضب تؤدى بها إلى سلوك عنيف تجاه كل من يصادفها، وهو واحد من الأفلام الجيدة والتى عرضت ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، فنحن أمام نموذج الطفلة بطلة العمل ووالدتها قليلة الحيلة والتى تسلمها إلى مؤسسة من مؤسسات رعاية الطفولة التابعة للحكومة، ورغم أن وجود الطفلة «بينى» مع والدتها قد يشكل جزءاً هاماً فى علاجها، إلا أن والدتها ترفض القيام بهذا الدور بل تردد على مسامع المسؤولة عن رعاية حالة طفلتها «أنها فى كثير من الأحيان تخاف منها». الفيلم فى مشاهده مليء بعدد من المشاهد المؤثرة، ولو قامت المخرجة باختزال مدة الفيلم، كان سيكون أكثر إحكاما حيث كان هناك مشاهد تحمل الكثير من التكرار خصوصا تلك التى متعلقة بحالة الغضب التى تأتى البطلة واعتداءاتها المتكررة. ومن الأفلام اللافتة أيضا الفيلم المقدونى «الله موجود.. اسمها بترونيا»، وهو واحد من أفلام المسابقة الرسمية التى حصلت على أعلى تقييمات نقاد مجلة «هوليوود ريبورتر».. بطلة الفيلم بترونيا فتاة فى الثلاثينيات من عمرها درست التاريخ، ولا تجد وظيفة وبدينة، ولا تملك حبيبا أو زوجا وفى أثناء رحلة بحثها عن وظيفة تتعرض للتحرش، من قبل مدير مصنع الملابس الذى ذهبت إليه بواسطة، وفى رحلة عودتها خائبة الرجا ودون وظيفة يكون هناك احتفال دينى وجزء من طقوسه هو أن يلقى «القس» بالصليب فى النهر ويقفز الرجال لالتقاطه، وفجأة ولا شعوريا تقرر باترونيا القفز فى المياة وتزاحم الرجال، وتحصل هى على الصليب، وهو ما يخلق أزمة كبيرة فى البلدة، وتنقلب حياة باترونيا. الفيلم نسوى بامتياز، ودون صراخ ولكن من خلال معالجة درامية ذكية وسيناريو يحفل بالعديد من المفارقات الكوميدية أيضا، كما يتناول السطوة الذكورية والهيمنة سواء سلطة الشرطة، أو رجال القرية، أو رجل الدين.