قبل نحو عشر سنوات وتحديدا فى عام 2009، اتفقت تقارير الأممالمتحدة على أن دولة كوستاريكا، التى تقع فى أمريكا الوسطى، هى أكثر الدول سعادة فى العالم، وجاء اختيار تلك الدولة الصغيرة على أساس أن قفزتها إلى هذه المرتبة، اعتمدت على النهوض بالتعليم، من أولى مراحله بالتركيز على الأطفال الصغار، ثم تتابعت خطة تطوير بقية المراحل . البداية بالتعليم أحدث صحوة فى جميع شرايين المجتمع وقطاعاته المختلفة، من ثقافة وفنون وإنتاج وصحة ونظافة للبيئة، وبالتالى أصبح شعبها يعرف بأنه، بسبب هذه التطورات، هو الأكثر سعادة فى العالم. وفى عام 2018، صدر الإعلان السنوى للأمم المتحدة باختيار فنلندا كأكثر الدول سعادة فى العالم، وحددت الأممالمتحدة 14 مجالا سجلت فيها تقدما، بدءا من ظروف العمل والاقتصاد والمشاركة المجتمعية للمواطنين، والتعليم والصحة والأسرة، ووسائل الرفاهية والبيئة والمسكن والقانون والنظام. ويأتى بعد فنلندا فى ترتيب الدول الأكثر سعادة، النرويج والدنمارك وأيسلندا وسويسرا. هذا الاهتمام المستمر باختيار أكثر الدول سعادة، جعل علماء النفس والاجتماع يطرحون سؤالا هو: هل توجد شعوب سعيدة بطبيعتها؟ كما هل توجد أيضا شعوب تعيسة؟، وهو ما دفع بعضهم للتساؤل أيضا، هل يمكن أن تكون هناك جينات للسعادة موجودة لدى شعوب دون غيرها؟، ومن هؤلاء العلماء من استخدام تعبير اجمالى السعادة القومية ، قاصدا بها أن السعادة تعم كل أفراد الدولة. وهناك دراسة للبروفيسور البريطانى رونالد أنجلهارت، أستاذ العلوم النفسية والاجتماعية، الذى كان مهتما بالبحث عن إجابة للسؤال القائل، ما الذى يجعل شعوبا أكثر سعادة من غيرها؟. وكان أنجلهارت قد كون فى عام 1981 فريقا من الخبراء من 65 دولة، لإجراء استطلاعات واسعة النطاق حول موضوع السعادة، ومن النتائج التى وصلوا إليها، أن العديد من دول الاتحاد الأوروبى تمتعت بمستويات من الرخاء والرفاهية طوال عشرات السنين، ومن بينها دول حققت تفوقا ملحوظا مثل أيسلندا والدنمارك وفنلنداوالنرويج والسويد. ووضعت الدراسة دولا قليلة فى القاع، وهى الأكثر تعاسة. أما فى المنطقة الوسط بين السعداء والتعساء، فجاءت فرنسا وألمانيا وإيطاليا. وقالت الدراسة أيضا أن الصينيين كشعب يمثلون حالة خاصة، فلديهم دائما شعور نسبى بالرضا بحياتهم. وأكدت استطلاعات الفريق الذى كونه أنجلهارت أن انتعاش الفنون والموسيقى والأدب والثقافة، يؤثر على المشاعر ويزيد من الاحساس بالارتياح، وأحيانا بالسعادة، كما تساعد هذه الوسائل على حماية الشعوب من الشعور بالحزن. دراسات أخرى كان قد عرضها فى كتاباته المفكر الأمريكى جوزيف ناى، الذى كان أول من أطلق تعبير القوى الناعمة واختاره عنوانا لأحد مؤلفاته، ويقول أظهرت أن المواطنين فى بعض دول ديمقراطية ليسوا سعداء بسبب من يتولون المسئولية فى بلادهم ، وهو ما لوحظ وجوده فى بريطانيا، حيث كثيرا ما يشعر المواطنون البريطانيون بعدم الرضا عن أداء حكامهم. ويقول جوزيف ناى فى كتابه القوى الناعمة، إن وجود حاكم يتمتع بالخبرة، وبإحاطة نفسه بالعناصر الأكثر كفاءة وقدرة وحسن سلوك، يعد من أسباب شعور المواطن بالراحة والرضا. ويربط العلماء المهتمون بالسعادة بين الديمقراطيات المستقرة، وبين شعور المواطن بالارتياح والرضا، وهما معادلان للسعادة، لكنهم لا يتجاهلون مظاهر ارتفاع معدلات الاكتئاب والانتحار فى دول ديمقراطية وغنية مثل الولاياتالمتحدة. ومن ناحية أخرى أجرت أكثر من منظمة دولية استطلاعات حول أكثر الشعوب حزنا وأسباب هذا الشعور، منها معهد جالوب لاستطلاعات الرأى فى أمريكا وفى العالم، ومنظمة الصحة العالمية، وتقارير نشرتها صحيفة يو إس نيوز أند وورلد ريبورت الأمريكية، وركزت على المشاعر السلبية فى العالم بشكل عام، ووجدت أن هذه المشاعر زادت خلال السنوات العشر الأخيرة، وبلغت ذروتها عام 2017. وكشف تقرير لمعهد جالوب عن أن جمهوربة إفريقيا الوسطى تعد أكثر الدول مرورا بتجارب سلبية أثرت على مشاعر شعبها, والسبب فى ذلك الصراعات المسلحة التى أجبرت الأهالى على ترك بيوتهم، وتأتى بعدها فى الترتيب العراق وتشاد. وبالنسبة للقلق والاكتئاب، جاءت فى المقدمة باكستان وبنجلاديش وإيران ونيجيريا والهند وإندونسيا والولاياتالمتحدة، ثم تركيا وتشيلى. وهناك أكثر من عشر دول فى العالم تعانى ظروفا معيشية غير ملائمة، نتيجة الاقتتال الداخلى بين الجماعات المسلحة، والإفتقار إلى كثير من وسائل المعيشة المناسبة وانتشار الفقر والمرض وتدهور التعليم، منها غينيا واليمن وتوجو وأفغانستان والكونغو وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد. وفى النهاية لا توجد شعوب سعيدة بصورة دائمة، وشعوب حزينة بصفة مستمرة، لأن السعادة لها مصادر مختلفة، وليس مصدرا واحدا، وهذه المصادر قد تتحقق لدى دول بعد مرور سنوات من افتقادها لها، فيمكن أن يكون الثراء مصدرا للسعادة، لكنه مصدر مؤقت إذا لم تتوافر إلى جانبه عناصر أخرى للرضا، فهناك دول يسودها الثراء والرخاء، لكن قد تكون فيها منغصات وأسباب للتوتر والقلق وعدم الرضا، خاصة إذا انتشرت فيها العنصرية والجريمة وفقدان الشعور بالأمان لدى المواطنين.