بيلوسى.. جدار الديمقراطيين فى مواجهة ترامب

عليك أن تعرف قواعد اللعبة أولا، حتى تعرف كيف تفوز بها..نصيحة نانسى بيلوسي، السياسية الديمقراطية المخضرمة ورئيسة مجلس النواب الأمريكي، لأولادها الخمسة. ويبدو أن بيلوسى عملت بالنصيحة لتصبح أول سياسية تتمكن من إخضاع الرئيس دونالد ترامب وتدفعه للتخلى عن عناده لإنهاء أسوأ إغلاق حكومى فى التاريخ الأمريكي. وفى الوقت الذى تواجه فيه البلاد شبح إغلاق جديد، تقف سيدة الديمقراطيين الأولى صامدة فى مواجهة إصرار ترامب على بناء جداره الحدودي.
أثبتت بيلوسى على مدى الفترة الماضية نجاحها فى تطبيق نصيحتها لأولادها بذكاء وحنكة. فهى أقوى سيدة فى الولايات المتحدة الآن، حيث سيسجل التاريخ اسمها كأول سيدة تشغل منصب رئيس مجلس النواب بل إنها أول نائب أمريكى يحمل المطرقة مرتين خلال نصف القرن الماضي. ويبدو أنها تحمل مؤهلات المحارب العنيد القادر على مواجهة القيادة الجامحة غير التقليدية للرئيس دونالد ترامب، على أمل العبور بالشعب الأمريكى بسلام خلال هذه الفترة الصعبة من عمره.
فقبل أسابيع، أدت بيلوسى 78 عاما اليمين رئيسة لمجلس النواب الأمريكى للمرة الثانية، حيث كانت فترة ولايتها الأولى من 2007 حتى 2011. وتعد هذه الدورة ال17 للسيدة الديمقراطية الأولى كعضوة فى الكونجرس، حيث تمثل المقاطعة الثانية عشرة فى ولاية كاليفورنيا منذ عام 2013، والتى تتكون من أربعة أخماس المدينة ومقاطعة سان فرانسيسكو. وانضمت إلى الكونجرس للمرة الأولى كممثلة عن المنطقة الخامسة فى كاليفورنيا فى 1987 وحتى1993، قبل إعادة رسم حدود المقاطعات فى الولاية بعد تعداد عام 1990 ، لتمثل الدائرة الثامنة من1993 إلى 2013.
وقادت السياسية المخضرمة الحزب الديمقراطى فى مجلس النواب منذ عام 2003، حيث كانت أول سيدة ترأس حزبًا فى الكونجرس، فإلى جانب شغلها منصب رئيسة مجلس النواب ولايتين، تزعمت الأقلية الديمقراطية فى مجلس النواب لفترتين من 2003إلى2007، ومن 2011حتى 2019.
وعلى الرغم من أن بيلوسى تحمل ملامح ناعمة، إلا أنها أكدت من قبل فى حديث لشبكة سي.إن.إن الإخبارية أنها تحمل روح المحارب قائلة: أرتدى درع المحارب ، لتعكس قوة إرادتها وشجاعتها فى مواجهة الصعاب.
فرئاستها لمجلس النواب هذه المرة تحمل كثيرا من التحديات، فقد شغلت منصبها هذه المرة فى مواجهة تيار قوى داخل الحزب الديمقراطى يدعو لإفساح الطريق أمام القيادات الشابة، ومن ثم كان تعهدها بأن تكون هذه هى المرة الأخيرة التى تتولى فيها رئاسة النواب، فى حالة فوز الديمقراطيين بأغلبية المقاعد فى المستقبل. وعلى الرغم من أنه من المعروف عنها قدرتها على حشد الديمقراطيين وتوحيد صفوفهم وراءها، إلا أنها كانت مرنة فى مواجهة رياح التغيير. وربما يفسر هذا ارتداءها ثوب المحارب منذ اليوم الأول لأدائها اليمين وإعلانها الحرب على ترامب. والطريف أنه فى مواجهة الشكوك حول إمكانية فوز بيلوسى بهذا المنصب المهم ، كان ترامب هو أول المؤيدين لها، حيث أكد أنه يدعمها وبقوة لرئاسة مجلس النواب، معتبرا أنها الاختيار الصحيح وأنها تحظى باحترام الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. ويبدو أنه اختار بذلك مصيره بنفسه. فهى ليست بالسياسية السهلة التى ستخرج من المعركة مهزومة. فقد اعتادت نانسى بيلوسى على الصمود وخوض المعارك بهدوء وذكاء شديدين، فهى ابنة الديمقراطى المخضرم توماس داليسانرو الذى نجح فى توجيه سياسات مدينته بالتيمور من غرفة المعيشة فى منزله، ولم تكن زوجته أنونسياتا أقل منه نفوذا وقوة، حيث كانت معروفة بقدراتها التنظيمية. وعندما قررت نانسى أن تتحدى الأعراف وأن تصبح محامية تزوجت من بول بيلوسي، لتحارب على جبهتين فى آن واحد، لتجر عربة الأطفال بيد وتوجه الحزب باليد الأخرى. ويبدو أنها حققت نجاحات لا يستهان بها على الجانبين، وتحول الزواج إلى عنصر داعم لها، أكسبها المزيد من المهارات على مر السنين.
والتحديات ليست جديدة على بيلوسى ، ففى فترة رئاستها الأولى للنواب، نجحت فى تمرير الإصلاحات فى برنامج الرعاية الصحية، التى حملت اسم «أوباما كير» وضمت تحت مظلتها الملايين من الأمريكيين الفقراء، الذين لم يشملهم التأمين الصحى من قبل. ونجحت على مدى العامين الماضيين فى توحيد صفوف الديمقراطيين للتصدى لمساعى ترامب لإلغاء التعديلات وطرح برنامج مكلف، سيحرم الملايين من الرعاية الصحية. ولكن هذه المرة المعركة أكثر عنفا، فهى تحارب للتصدى لجموح رئيس متهور لم يأبه بمصير مئات الآلاف من المواطنين الذين تضرروا من الإغلاق الحكومي، وأصبح الصراع بين ترامب وبيلوسى أشبه بمبارزة من العصور الوسطى، والجميع يترقب من سيوجه الضربة المقبلة. ولكن للأسف الضحية حتى الآن هو المواطن الأمريكي. ولكن بيلوسى أصبحت أيضا بمثابة سكين على رقبة ترامب تهدد بمحاكمته والقضاء عليه نهائيا، فرد جمع لجنة التحقيق الخاصة ما يكفى من الأدلة لإدانته بتهمة التخابر مع روسيا. إن بيلوسى الأم لخمسة أولاد والجدة لتسعة أحفاد، أثبتت أن المرأة قادرة على صنع التاريخ وإدارة شئون الدول بنفس الكفاءة التى يمكنها بها إدارة شئون منزلها. فالهدوء والصبر والذكاء هى مقومات القوة الناعمة القادرة على مواجهة أكثر العقول تهورا وأكثرها جموحا.