منذ أيام عقد الكونجرس الأمريكي ذو الأغلبية الديمقراطية، جلسته الأولي وسط انقسام بين الديمقراطيين الذين يسيطرون علي مجلس النواب، والجمهوريين الذين عززوا غالبيتهم في مجلس الشيوخ.. وفي الكونجرس الجديد تولت نانسي بيلوسي رئاسة مجلس النواب للمرة الثانية، لترسم مرحلة جديدة من الصراع مع واشنطن ومع الرجل الذي يجلس علي كرسي البيت الأبيض، ويواجه الصعوبات التي لن تنتهي، سواء في الداخل والخارج، وامرأة حديدية تدعي نانسي، ستقف له بالمرصاد ضد كل قراراته العكسية، التي سببت توترا وتصعيدا للأحداث في أمريكا وحول العالم، وأثارت العديد من التساؤلات والدهشة معا. وتعود بيلوسي لرئاسة مجلس النواب بأغلبية الديمقراطيين، للمرة الثانية وبعد أن كانت قد تولت ذات المنصب مابين عامي 2007 و 2010، وأصبحت وقتها أول امرأة في التاريخ الأمريكي تتولي المنصب، وفي أول كلمة لها أمام أعضاء المجلس أوضحت أنه لا أوهام بعد الآن حول التحديات التي ستواجهها في مقابل ترامب.. لكنها وعدت بالاحترام والعمل علي جمع الصفوف، رغم حالة الانقسام الواضحة. والمرأة الحديدية كما يصفونها في أمريكا- ديمقراطيين وجمهوريين - 78 عاما، نالت 220 صوتا من أصل 435 هم أعضاء مجلس النواب لتتولي الرئاسة ؛ تواجه تحديات من نوع فريد مع رئاسة ترامب، الذي يبدو - كما تقول صحيفة كرسيتيان ساينس مونيتور الأمريكية- أنه سيبدأ فعليا مع بدء عمل المجلس الجديد، حملته الانتخابية للفترة الثانية من رئاسته التي ستبدأ في العام 2020، وستواجه بيلوسي في الوقت ذاته، تساؤلات هي في حاجة للإجابة عليها.. أبرزها: إصرار ترامب علي الحصول علي تمويل قدره 5 مليارات دولار، لتمويل بناء الجدار العازل مع المكسيك، لمنع ووقف الهجرة غير الشرعية لأمريكا.. وهو الأمر الذي لم يرضخ له الديمقراطيون فكان إجراء ترامب بغلق الإدارات الحكومية حتي يتسني تدبير المبلغ المطلوب، ولكن المجلس الجديد رد علي إجراء ترامب بمشروعي قانون لتدبير احتياجات كل من الإدارات الحكومية ووزارة الأمن الداخلي مابين مايو وحتي سبتبمر من العام الحالي وفي تحد واضح يبدو أن ترامب سيرضخ له، في حالة موافقة مجلس النواب عليه وهو الأرجح. وتحمل رئيسة مجلس النواب الجديدة بيلوسي مطرقتها، لكبح جماح ترامب وإدارته الذي إن كان في مقدوره خلال الفترة القادمة، أن يقوم بتعيين من يراه مناسبا للمناصب داخل إدارته، أو استبعاد من يراه غير مناسب في المقابل، وذلك بتأييد مجلس الشيوخ الذي يمتلك فيه حزبه الأغلبية المطلوبة لتمرير تلك التعيينات إلا أنه في المقابل لن يكون بمقدوره تجاوز السلطات وإساءة استخدام السلطة وهما الأمران اللذان كانا سمة إدارته خلال عامين من ولايته الرئاسية. وسيسعي الديمقراطيون داخل مجلس النواب من خلال لجانه، بالتحقيق في قضايا ملحة للداخل الأمريكي أبرزها: الضرائب وإقالة وزير العدل وعلاقاته غير الواضحة بروسيا، وحقيقة تدخلها في ملف الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إضافة لمتابعة سير التحقيقات حول ترامب ورجاله التي يقوم بها المحقق مولر والتي ستشكل الدعامة الرئاسية في تحركات النواب ضد ترامب خلال العام الحالي، الذي سيشهد صراعا لابد منه بين الجناحين. كما سيكون من بين مهام النواب الأساسية، إنهاء الشلل الحكومي الذي أدي لغلق نحو ربع المؤسسات الحكومية، سواء بالتشريعات أو بإجراءات فورية، وهنا سيستخدم الديمقراطيون ورقة ضغط ومساومة مع ترامب، إما بالرضوخ بعودة العمل لتلك الإدارات والمؤسسات أو التلويح بالبدء في إجراءات عزله من منصبه، وهو الأمر الذي بدأ بالفعل عدد من النائبات المسلمات داخل مجلس النواب، الاشارة إليه ورحبت به نانسي بيلوسي بشدة ، رغم تقليلها من احتمالات عزله، قائلة: إن هذه الخطوة ستتسبب في انقسامات شديدة، وأنها شخصيا لن تدفع في هذا الاتجاه. والواضح.. أن بيلوسي ستمثل بشخصيتها القوية، شوكة في ظهر ترامب خلال الفترة المتبقية من مدة رئاسته الأولي، وأنها ستقوم- قدر الإمكان- بكبح لجامه بقراراته العشوائية التي تضر في الغالب بمصالح أمريكا في العالم، وهنا بدأت بيلوسي خطواتها بدعوة ترامب لإلقاء "خطاب حالة الاتحاد" أمام الجلسة المشتركة لمجلسي لنواب والشيوخ، في 29يناير الحالي.. وبعد ساعات قليلة من انتخابها لرئاسة مجلس النواب، لتترك انطباعا حول طبيعة المرأة القوية زوجة بول بيلوسي مليونير كاليفورنيا الشهير، والمجسدة لليسار الأمريكي، ولدعم تدفق المهاجرين الشرعيين للبلاد، وهي المرأة التي مثلت الدائرة رقم 12 في كاليفورنيا، داخل الكونجرس لمدة ثلاثة عقود، والتي تشمل مدينة سان فرانسيسكو معقل اليسار والثقافات المتعددة وحقوق الأقليات والمهاجرين، وبيلوسي المولودة في مدينة بليتمور من أصول إيطالية، درست العلوم السياسية في واشنطن قبل أن تتزوج وتنجب 5 أولاد وقبل أن تنتخب للكونجرس للمرة الأولي عام 1987.. وهي لا تضيع الوقت علي حد قولها، في الأقوال بل في الأفعال، ومن هنا كان تمسكها بمبادئها حتي وهي زعيمة الأقلية، حينما كان الجمهوريون يسيطرون علي مجلس النواب.. ورغم إشادة ترامب المتكررة بها وقوله: إنها تستحق بكل إنصاف، أن يختارها الديمقراطيون زعيمة ورئيسة للمجلس، إذ جعلوها تواجه وقتا عصيبا من تاريخ أمريكا كلها، إلا أنه قد استخدم بيلوسي كفزاعة لإدانة الديمقراطيين خلال حملته الانتخابية، وفي اتخاذه لسياساته الداخلية والخارجية.. وفي الشهر الماضي فقط قال في تجمع انتخابي لحزبه في ولاية مينسوتا.. أيمكنكم تصور نانسي بيلوسي رئيسة لمجلس النواب؟ لا تفعلوا بي هذا.. ولا أتصور ذلك ولا حتي أنتم..