استغل بنيامين نيتانياهو طويلا ضعف اليسار الإسرائيلي، وانفرد بقيادة ائتلافات حكومية يمينية متشددة من 1996 1999، ومن 2009 وحتى الآن، وناور متشبثا بمقعده وإن اضطر لتولى فى الوقت نفسه منصب وزير الخارجية، والعدل، والدفاع أيضا بجانب منصبه كرئيس الوزراء. تغيرت المعادلة إلى حد كبير فى الأيام القليلة الماضية بعد تدشين حزب حوسن ليسرائيل (قوة لإسرائيل) بشكل رسمي، ونجاحه فى فرض محددات جديدة.. تنعكس بالضرورة على المشهد الراهن فى إسرائيل، وعلى المسار التفاوضى المتجمد تقريبا طوال عهد نيتانياهو. منذ وصول اليمين الإسرائيلى لأول مرة للحكم بواسطة مناحم بيجين عانى اليسار الإسرائيلى كثيرا فى استعادة مكانته كمحتكر للسلطة منذ 1948 أو حتى المنافسة بندية أمام اليمين المتشدد باستثناء فترة ولاية اسحق رابين رئيس أركان حرب 67 الذى اتهمه نيتانياهو بالخيانة والتفريط حتى اغتاله متطرف يهودي. اللعبة نفسها مارسها نيتانياهو خلال السنوات الماضية ببراعة، حين صور للرأى العام الداخلي، والعالمى فى بعض الأحيان، بأن إيران على الأبواب بتسليح بعيد المدى، وأن داعش سيستولى على القدس بتفريط من اليسار الإسرائيلي، وبالفعل ظهرت إعلانات خلال حملة انتخابية لليكود يبدو فيها من يرتدون زى عناصر داعش، ويرفعون علمها، وسيارة دفع رباعى ويسألون أحد المارة فى مفترق طرق كيف نصل إلى القدس؟ فرد عليهم: اتجه إلى اليسار. وكأن الناخب الذى سيدلى بصوته لليسار سيفرط فى القدس أو يعيد تقسيمها وفق الرؤية الصهيونية المتطرفة.. وسيجلب على إسرائيل الإرهاب الداعشي! ومن السمات التى يمكن أن تعطى للحزب الجديد أفضلية، وتجعله قادرا على إعطاء قبلة الحياة لليسار المحتضر، أنه لا يعد يسارا إسرائيليا صريحا، لكنه يضم كوادر من يمين الوسط ويسار الوسط على حد السواء، مع ملاحظة أن اليسار الإسرائيلى أقرب لمن يُطلقون على أنفسهم اشتراكيين ديمقراطيين، فى الغرب، ولا يترددون فى الوقت نفسه عن المشاركة فى غزو العراق وتدميره، ويختلف عن كيانات يسارية قديمة فى مصر ودول عربية ضمت يهود البلدان العربية. ويضيف للحزب الجديد أنه يرتكز على أصحاب خبرة طويلة فى الأمور ذات الأولوية القصوى للرأى العام الإسرائيلى وهى القضايا الأمنية، فإذا كان الناخب الإسرائيلى يهمه أحوال الكثافات المرورية، وتحسن الاقتصاد أو حتى اجتذاب تأييد عدد من الدول الإفريقية فإنه يعلم بأن كل هذا لن يفيد تحت نيران حرب مباغتة فى العمق الإسرائيلي. ولذا تشير استطلاعات الرأى إلى أن الحزب سيجذب أصواتاً من اليسار ومن اليمين على حد السواء. خاصة أن رائحة تورط نيتانياهو فى الفساد باتت فجة، وممارساته كملك وليس كرئيس باتت مستفزة، وهى أمور أطلق بها الحزب الجديد ضربة البداية فى الدعاية لنفسه، متجاوزا عن سياسات اتبعها اليسار لعقود تمثلت فى رصده مواقف اليمين ثم التنحى لخطوة واحدة على يساره، حيث قاطع لسنوات منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يعترض بشكل كاف على سياسات قتل الوقت ، مع الوضع فى الحسبان أن اليمين هو الذى أبرم معاهدة السلام ونفذ الانسحاب الكامل من سيناء كأول تطبيق لمبدأ الأرض مقابل السلام، وهو الذى انسحب الانسحاب الأحادى الجانب من غزة. وهو بهذا يعد حلقة جديدة من حلقات اليسار الإسرائيلى القائم على الردع والترويع فنجد أن دعاية الحزب تركز على أن زعيم الحزب قاد عملية ضد غزة أدت إلى مقتل 1364 فلسطينيا، وهى السياسة نفسها التى اتبعها رئيس الوزراء السابق إيهود باراك (كان أيضا رئيس أركان ووزير دفاع وقاد حزب العمل اليسارى لسنوات)، ورئيس الوزراء اسحق رابين (رئيس أركان سابق كذلك). الحزب الجديد الذى أثبت أنه يتحرك بجدية فائقة، وقدم لائحة تأسيسية فى اليوم التالى مباشرة لحل الكنيست، ارتكز فى دعايته على أن 10 سنوات تكفي، وعرض فيديو لنيتانياهو «المتقدم بعشر سنوات فى العمر عن متحديه الجديد- وسط حشد من أنصاره، وهو يوجه حديثه لسيدة تنتقده «لا اهتم بك» مع مقارنته برد رئيس حزب حوسن ليسرائيل على موقف مماثل وقوله: أطالب أنصارى بالاستماع للرأى الآخر. يذكر أنه وفقا لاستطلاعات الرأى الحديثة حول مواقف الناخبين قبيل انتخابات 9 أبريل المقبل بينت أن الفارق بين حزب الليكود والحزب الناشئ والذى لم يتجاوز عمره بضعة أسابيع يتقلص باستمرار، وأن الفارق بين رئيس الحزب وبين نيتانياهو يبلغ 1 % فقط فى بعض استطلاعات الرأي، وتلاشى تماما ليصل إلى 42% مقابل 42% و16% لا تزال مترددة، حسب استطلاع أجراه التليفزيون الإسرائيلي. لا يعنى تزايد احتمالية سقوط نيتانياهو، خاصة لو تم تدشين حلقات جديدة قضائية من مسلسل الفساد المتورط فيه ووصول حوسن ليسرائيل لمقاعد الحكم أن الحقوق الفلسطينية قد عادت، بل بارقة أمل وفرصة يجب اقتناصها بتخطيط سليم وقوة العلم، حيث إن لقيادات الحزب جنتس، ويعلون مواقف عنيفة ضد الفلسطينيين، ويجب أن يعى اللاعب القادم لساحة السياسة الإسرائيلية أن فى التوصل لسلام عادل مصلحة فعلية لإسرائيل، فلن يقدم لنا أحد شيئا من باب الضمير أو الأخلاق أو الشفقة.. وهذا يتطلب تجردا فلسطينيا يقوده العقلاء ليسابق الزمن ويبرم برنامج عمل وطنى يرأب الصدع ويستفيد من الجهود المصرية المخلصة لإنهاء الانقسام الفلسطينى الفلسطينى المقيت. وعلى الجانب العربى متمثلا فى المؤسسات والمراكز البحثية أن تدعم صانع القرار بتصور حدد بشأن طرق تعظيم الاستفادة من صفقة القرن وهى لا تزال فى مرحلة البلورة أو حتى بعد إعلانها، وكذلك تصور لرد الفعل الجماعى الأمثل إذا ما قبل اليسار المتحالف مع حوسن ليسرائيل بالصفقة. فى النهاية يمكن القول بأن حزب حوسن ليسرائيل لا يقارن باليسار الحقيقى الذى تم تهميشه بكل قوة منذ اللحظة الأولى متمثلا فى حزب راكاح الذى ضم يهودا وفلسطينيين، لكنه بالتأكيد أقرب فى مواقفه من معسكر اليسار عن معسكر يرفع شعارات توسعية علنية مثل حزب اليمين الجديد بقيادة نفتالى بنت، وإيليت شاكيد، وحزب الليكود الذى لم يعرّف بالضبط أين تصل حدود أرض إسرائيل الكاملة تلك، والتطور يحتاج لمتابعة وتأهب يرتكز على المعرفة. لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد فؤاد أنور