فجرت إيطاليا ثالث أكبر اقتصاد أوروبى أزمة ديون هائلة فى منطقة اليورو تعد الأضخم فى حجمها والأشد فى خطرها، مقارنة بنظيرتها السابقة فى اليونان، حيث بلغت مديونية روما تريليونين و300 ألف مليار يورو، أى بما يعادل 132٪ من ناتجها المحلى الإجمالى و23٪ من إجمالى الديون السيادية لكل دول هذه المنطقة مجتمعة. ويتمثل الأخطر، فى أن جميع برامج الإنقاذ الأوروبية باتت غير كافية لإنقاذ الموقف، نظرا لعدم قبول حكومة إيطاليا اليمينية المتشددة بقيادة رئيس الوزراء جوزيبى كونتى بمعايير الاقتصاد الأوروبية. وترجع أسباب تفاقم الأزمة وعدم جدوى الحلول المطروحة بشأنها، لتعنت حكومة إيطاليا الائتلافية (المشكلة الآن من اتحاد الشمال اليمينى المتطرف وحركة «5 نجوم» الشعبوية) واصطدام وعودها الانتخابية مع معايير ومبادئ ومؤسسات الاقتصاد الأوروبية. فعلى صعيد سيناريو إشهار الإفلاس، دعا كليمنت فويست الاقتصادى البارز بمعهد«إيفو»الألمانى الاتحاد الأوروبى إلى عدم التهوين من خطورة الأوضاع الاقتصادية المتردية الآن فى إيطاليا، ولاسيما حجم ديونها، وحذر من أن شبح إفلاس محتمل من شأنه أن يعرض منطقة اليورو بأسرها لاضطرابات مالية شديدة لن تقوى الدول الأعضاء بها على مواجهتها، لأنها غير مستعدة بما يكفى للتصدى لها. وأوضح أن سيناريو إفلاسها يعد أمرا واقعيا جدا، ببساطة لأنه لا يمكن لأى دولة أن تتحمل طويلا تجاوز ديونها السيادية نسبة 130٪ من ناتجها المحلى الإجمالي، وهو ما دفع المفوضية الأوروبية لخفض توقعاتها بشأن معدلات النمو فى منطقة اليورو بأكملها خلال 2019 بنسبة 1٫3٪ مقابل 1٫9٪ فى 2018، متعللة ب «الضبابية»المحيطة ب«سياسة الميزانية» التى تتبعها حكومة إيطاليا الشعبوية. وعلى صعيد إمكانية تحطم»اليورو»، حذرت دراسة ألمانية أخرى من أن استمرار مواجهة اقتصاديات أوروبية كبرى كإيطاليا لأزمة مالية طاحنة ناجمة عن سياسات حكومتها الجديدة وتفاقم معدلات ديونها، ستكون لها تداعيات خطيرة من شأنها أن تهدد وجود العملة الأوروبية الموحدة «اليورو» ويمكن أن تؤدى للقضاء عليها وعودة دول التكتل بأسرها إلى عملاتها المحلية لمرحلة ما قبل الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من كل هذه المخاطر، جاهرت حكومة إيطاليا الشعبوية بإعلان اعتزامها تنفيذ برنامج إنفاق باهظ التكلفة يتناقض تماما مع جميع آليات الحل الأوروبية كخطط التقشف الرامية لحلحلة أزمة الديون. وفى المقابل ،وفى إجراء يعد الأول من نوعه فى تاريخ الاتحاد الأوروبي، رفضت المفوضية مشروع موازنة روما ل 2019، واعتبرت أنه يتجاوز المعايير الأوروبية لحد بعيد، ويرفع معدلات العجز فى إيطاليا، وهو ما من شأنه أن يهدد بإغراقها فى بركة ديون ويهدد «اليورو». وطالبت بروكسلروما بتصحيح بنود هذه الموازنة فورا. وعندما رفضت الأخيرة ردت الأولى عليها بفرض عقوبات مالية يمكن أن تصل ل 0٫2٪ من الناتج المحلى الإجمالى لإيطاليا. كما طالبت المفوضية الاتحاد بالحزم مع روما لتجنب تعريض مشروع«اليورو» للخطر، ولاسيما بعد أن لوح بعض سياسيى ائتلاف إيطاليا الشعبوى بخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. وفى النهاية، ليس أمام«المركزى الأوروبي»الآن سوى حتمية مطالبة إيطاليا بالالتزام بقواعد التقشف كشرط أساسى لشرائه سندات ديونها الحكومية، وهو ما نادى به ديريك بونزا الخبير بالشئون الاقتصادية للاتحاد الأوروبى الذى أوضح أن الحكومة الإيطالية الشعبوية ليس أمامها إلا خياران مستحيلان، أولهما الاستسلام وثانيهما قبول برنامج التقشف الأوروبي. وأما الخيار الكارثى فهو إشهار الإفلاس لأن إيطاليا تعانى من ديون كبيرة ولم تتبن حتى الآن برنامجا لهيكلتها، فضلا عن عودة هاجس«إيطاليكسيت»، أى خروج إيطاليا من منطقة اليورو للأذهان مجددا.