العنوان الذى يعلو هذه السطور هو أصدق تعبير عما يفعله البعض لتشويه الصورة بإهدار كل القيم الأخلاقية، وبعدها نتباكى على أجيال ضاعت وننعى اغترابها حتى داخل الوطن.. ونصرخ مطالبين بإيقاف تلك الجرائم الغريبة التى لم نكن نعرفها قبل أعوام قليلة إلا أنها أصرت على أن تغزو حياتنا لتصبح جرائم الاغتصاب تزاحم ما تنشره الصحف بصورة شبه يومية ولم يتسلم منها حتى الأطفال الرضع!. قبل عدة أيام تلقيت من صديقى الكاتب الصحفى اللامع خالد الأصمعى رسالة على واتس آب تضم فيديو برومو لأحد البرامج التليفزيونية الجديدة كان أقرب إلى عرض بورنو أكثر منه برنامجا تليفزيونيا.. والغريب أن مقدمته تنتمى إلى الصحفيين الذين رأوا فى برامج الشاشة الصغيرة ما يؤهلهم لاكتساب شهرة واسعة بصرف النظر عما تقدمه .. واختارت لبرنامجها عنوان هو كلام! الفيلم البورنو أقصد برومو البرنامج لا يستغرق أكثر من دقيقة ونصف الدقيقة موجهة إلى المرأة الأرملة أو المطلقة لتخبرهن بأن هناك «رجل روبوت» بأنواع مختلفة, النحنوح والحلو واللى بيغازل واللى هيدخل فى الموضوع على طول, يمكن للسيدة التى هتموت على الزواج أن تشتريه وفق ما قالته مقدمة البرنامج.. لا يخفى على أحد أن كثيرا من الدراسات الحديثة تشير إلى أن الجيل الجديد فى معظم بلدان العالم العربى والإسلامى على وجه التحديد، فى الفئة العمرية ما بين 1990- 2005 يستقى أكثر من 95 فى المائة من معارفه، وثقافته، وخبراته من وسائل الإعلام، المتمثلة فى التليفزيون والانترنت على وجه الخصوص، وأن أبناء المنطقة العربية على وجه التحديد هم المستهدفون بالدرجة الأولى من البث الفضائى المباشر للمحطات الموجهة التى تستخدم أشكالاً وأساليب مختلفة تبث من خلالها كثيراً من سمومها الفكرية والثقافية! وفى دراسة للجامعة الأمريكية بالقاهرة أجرتها عن مخاوف الآباء والأمهات من تأثير وسائل الاعلام المرئية، أكد أكثر من 98 فى المائة من أفراد العينة أن الانترنت، والقنوات الفضائية تمثل الخطر الداهم الأول الذى يهدد فكر الجيل الجديد، وأنها أصبحت داءً مستشرياً، وحقيقة ماثلة للعيان، تفرض نفسها، وتؤكد خطورتها على النشء يوماً بعد يوم وعلى جميع أفراد المجتمع بكل فئاته وبخاصة الأطفال والشباب المراهقون! أمام هذه الحالة، باتت الأجيال الجديدة حائرة بين الالتزام بالعادات والتقاليد والموروثات الثقافية الأصيلة المتمثلة فى الأسرة والمجتمع، وبين العولمة والثقافة الغربية الغريبة الوافدة، بكل قوتها، ومغرياتها، ففقدت توازنها، وتماسكها، وضلت مكانها، كما ضلت طريقها.. وبالتالى أصبحت الأسرة التقليدية غائبة، أو مهمشة وأضحت عاجزة أمام هذا المد المتدفق من عدم الالتزام، وبات تأثيرها محدوداً للغاية إلى درجة يكاد معها يكون دورها مفقوداً.. ولم تعد قادرة على أن تسترد دورها الطبيعى فى عملية التنشئة الاجتماعية السليمة كمرجعية دينية وأخلاقية واجتماعية وثقافية وفكرية بل إنها ذاتها راحت ضحية هى الأخرى، وباتت أداة سلبية من أدوات التهميش، والتسطيح، والتغريب بسبب استغراق كل فرد فيها بمتابعة وسائط الاغتراب وليس التواصل الاجتماعي!. الغريب أن هذا البرنامج الجديد المزعوم جاء تاليا لبرنامج أبلة فاهيتا الذى أسهم اسهاما واضحا فى انهيار منظومة القيم الأخلاقية والذى كان يُعرض على إحدى القنوات الفضائية الشهيرة تجميعا لكل الإيحاءات الجنسية والجمل والأسئلة الحوارية التى تخالف القانون والمعايير المهنية وتتنافى مع القيم والعادات والتقاليد للأسرة المصرية مما أكسب هذا البرنامج صفة معول الهدم لمجمل هذه المنظومة! وسواء كان إيقاف هذا البرنامج بناء على قرار أصدره المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أو أن موسم تصويره قد انتهى وفق بيان أصدرته القناة، أكدت فيه أنها تتعامل ببالغ الجدية والاحترام مع المجلس الأعلى للإعلام والملاحظات أو القرارات الصادرة عنه عموما اقتناعا منها بمسئوليته ودوره المهم، مضيفة أنها على تواصل مستمر مع المجلس فى كل ما يخص تنظيم الممارسة الإعلامية إذ كان المجلس قد أصدر أيضا قرارا بإيقاف عرض إعلان أبلة فاهيتا؛ الخاص بإحدى شركات المحمول، لتضمنه مشاهد وألفاظا تنافى الذوق العام، بحسب القرار، وهكذا باتت الأسرة فى واد، والقيم الأخلاقية والتربوية التى تبثها مثل هذه البرامج فى واد آخر، بينما أصبحت مؤسسات المجتمع التربوية غير قادرة على مواجهة الواقع الجديد بمفرداته، ومتغيراته السريعة، والمتلاحقة، والمؤثرة على الجيل الجديد من الأبناء.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولأبنائك من الأجيال الجديدة السلامة دائماً. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش